الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 12:01

لماذا ماتت اتفاقية أوسلو؟/ بقلم: وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 13/09/13 17:39,  حُتلن: 20:06

وديع عواودة في مقاله:

لو كان الإسرائيليون معنيين فعلا بتسوية الصراع وإنهاء الاحتلال لما أوقفهم اغتيال رئيس الحكومة رابين

إسرائيل اعترفت بأوسلو بالشعب الفلسطيني وممثليته السياسية الشرعية(م.ت.ف) لكن الاعتراف ظل عاريا من استحقاقاته العملية

لم يكن براك معنيا باتفاقية نزيهة متساوية مع الفلسطينيين وتطلعت إسرائيل للاحتفاظ بأجزاء من منطقة الغور والكتل الاستيطانية

في مثل هذا اليوم وقعت اتفاقية أوسلو(13.9.1993) ومن وقتها نشبت ثلاثة حروب وانتفاضة وظل السلام من ورق. بحسب معطيات "السلام الآن" تضاعف ثلاث مرات عدد المستوطنين في الضفة الغربية وتقطعت أوصالها وزهرة المدائن تذبل كل يوم، تستغيث من التهويد والتهجير الصامت فتغاث من قبل أمتها بالثرثرة والبيانات. بهذه المناسبة يقفز سؤال قديم جديد لماذا فشلت أوسلو بتحقيق التسوية ؟ وهل كانت فعلا مشروع سلام أم احتواء وإعادة انتشار؟


صحيح أن إسرائيل اعترفت بأوسلو بالشعب الفلسطيني وممثليته السياسية الشرعية(م.ت.ف) لكن الاعتراف ظل عاريا من استحقاقاته العملية وبالمقابل اعترف الجانب الفلسطيني الرسمي بإسرائيل ككيان سياسي شرعي وهذا أهم.
هناك من يرى وبحق أن أوسلو تجاهلت جذور المشكلة وقفزت عن المربع الأول، عام 1948 وتعامت عن الروابط الصهيونية- الوجدانية بين المستوطنين وبين مواقع الضفة الغربية. في نقاش مع هليل فايس بروفسور مستوطن قبل شهور قال حرفيا إنه أسهل على اليهود التنازل عن يافا وحيفا مما هو عن نابلس وبيت إيل لأنه يعني قطع الفرع الذي تقف عليه الصهيونية ومزاعمها حول الحقوق التاريخية.
بالمقابل تنازل ياسر عرفات ورفاقه عن صلة وجدانية أكبر تربط الشعب الفلسطيني برمته بيافا وحيفا، بفلسطين التاريخية المحفورة في ذاكرة كل الفلسطينيين وخريطتها مثبتة في صدر كل بيوتهم.

امتيازات اليهود
حاولت أوسلو الفصل التام بين الشعبين بواسطة سكين: نحن هنا وأنتم هناك، كما اقترح اسحق رابين وقتها وهذا يعني نكران للواقع زعزع أسس الاتفاقية وجعلها تقوم على كثبان رملية. بالطبع هناك عوامل أخرى أهم تكمن بعدم استقامة إسرائيل فهي بدليل التجربة المرّة لم تكن يوما مستعدة لتسديد الثمن الكامل لتسوية الدولتين لأنها مبنية منذ قامت على امتيازات وحقوق زائدة لليهود وهذه عماد الفكرة الصهيونية أصلا. إن إنهاء حقيقي للاحتلال لا يعني تسوية فقط بل ينبغي وضع حد لهذه الامتيازات لليهود في الحيز وأوسلو اعتمدتها وكرستها بدلا من تصفيتها. هذا سبب عميق لفشل أوسلو فهي اتفاقية غير متكافئة قام الطرف الضعيف بموجبها بحماية الطرف القوي من خلال جهاز شرطة وأمن وقائي لعبت دور المقاول الثانوي للاحتلال. عندما تقدم الجانبان لإنهاء الصراع لم تكن إسرائيل جادة ومستعدة فعلا لذلك، دون فارق بين عمل وليكود.

عمل وليكود
بالعكس، كان رئيس حزب " العمل" (" اليساري ") السابق إيهود براك هو من حطّم معتقد أو مفهوم تسوية الدولتين عندما تهرب من تحقيقها في قمة كامب ديفيد عام 2000 وعاد للبلاد حاملا نظرية " اللا شريك". وقتها وفي لحظة الحقيقة أدرك براك فجأة ما هو الثمن الفعلي للتسوية خاصة حيال مطلب تقاسم القدس فهرب، وقبل الدخول بنقاش حول اللاجئين وحق العودة. قبل هربه نجح براك بدهائه تجنيد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لجانبه وإلقاء كل التهمة نحو ملعب الرئيس الراحل ياسر عرفات. لم يكن براك معنيا باتفاقية نزيهة متساوية مع الفلسطينيين وتطلعت إسرائيل للاحتفاظ بأجزاء من منطقة الغور والكتل الاستيطانية. وتكررت الحكاية في ولاية إيهود أولمرت يوم رفض أن يسلم محمود عباس خريطة التسوية فاضطر الرئيس الفلسطيني رسمها على منديل من ورق وهذا تعبير واضح لعدم قدرة إسرائيل على التنازل عن حقوق زائدة لليهود وعلى عدم رغبتها باتفاقية متكافئة. وثمة سبب آخر لانهيار أوسلو يتعلق بالفلسطينيين وبالتفجيرات ضد المدنيين في إسرائيل. لقد أدت تلك العمليات لصدمة كبيرة داخل النفس اليهودية ونسف بقايا الثقة بين الجانبين ودخل المواطنون العرب في إسرائيل على خط المواجهة في عام 2000 فازدادت الصورة تعقيدا وتأججت المخاوف الدفينة.

يحيى عياش
أما اغتيال اسحق رابين فلم يكن عاملا حاسما لفشل أوسلو. لو كان الإسرائيليون معنيين فعلا بتسوية الصراع وإنهاء الاحتلال لما أوقفهم اغتيال رئيس حكومة. بالعكس كان بمقدورهم الاندفاع والهجوم على معسكر اليمين كما فعل عرفات يوم حمل بشدة على حماس بعد التفجيرات المدوية في إسرائيل غداة اغتيالها القائد الحمساوي يحيى عياش في 1995. لو كان الإسرائيليون يشعرون بأن التسوية قريبة فعلا لكانوا قد أدخلوا الحاخامات المحرضين للسجن. بدلا من ذلك بادر اليسار لصلحة مع اليمين وقررت إسرائيل إحراز سلام داخلها وترضية اليمين. وهكذا، حتى لو خلا المشهد من حماس وعملياتها العسكرية فالمرجح أن تبقى أوسلو شجرة برية نتيجة الاستعلائية الملازمة لإسرائيل.

مسدس عمير
يتضح أن هناك رغبة عميقة برفض تسوية أوسلو لدى الإسرائيليين ويغئال عمير ليس سوى مسدسا قد عكس ما هو أوسع وأعمق من عملية القتل. أوسلو وملحقاتها استعمارية اتفاقية كانت وستبقى بدليل فقدان تكافؤ الطرفين وكثرة الملاحق الأمنية بها وتكريسها لامتيازات اليهود. إسرائيل ابنة الصهيونية ما زالت لا تفهم إلا لغة القوي ولا ترى الضعيف من شبر. الانسحاب من غزة هو المتغير الإيجابي النسبي الوحيد وهو يدلل على مقولة لغة القوة. كذلك تقدم حرب تشرين 1973 مثلا إضافيا على ذلك فإسرائيل لم تتنازل عن سيناء إلا بعد حرب خسرت فيها 2700 جنديا وإصابة نحو خمسة آلاف جندي. قبل الحرب لم تكترث بتاتا بتوسلات السادات لإسرائيل من أجل اتفاقية تعيد سيناء لأصحابها تدريجيا ومع الاحتفاظ بنقاط مراقبة أمريكية فيها، كما تؤكد الأرشيفات التاريخية التي تغمرنا هذه الأيام.

ماذا بعد؟
ولا شك أن الخلافات الفلسطينية الداخلية وتخلي السلطة الفلسطينية عن المرجعيات الدولية والحاضنة العربية ووضع البيضات الفلسطينية بسلة وسيط أمريكي منحاز، كل ذلك مكن إسرائيل من إبقاء أوسلو حبرا على ورق رغم تحذيرات متصاعدة من قبل بعض أوساطها من الفزاعة الديموغرافية. أكثر ما يمكن اليوم نتيجة ما ذكر لا يتعدى حدود إدارة الصراع والفلسطينيون بهذه الذكرى ليس لهم سوى البحث عن إستراتيجية نفسها أطول، ترتيب أوراق بيتهم المبعثرة، مراجعة تجاربهم بهدوء والتأمل بـ"تسوية الدولتين" التي تكشف لنا اليوم بوضوح أشد كم كانت علينا لا لنا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة