الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 20:01

يا دعاة التغيير ما هو الجديد لديكم غير الشعارات؟/ بقلم:جودت عيد

كل العرب
نُشر: 09/09/13 22:45,  حُتلن: 11:38

جودت عيد في مقاله:

مهمة إدارة سلطة محلية تتطلب قدرة فكرية وسياسية للتعامل مع شتى القضايا إنها ليست مجرد وظيفة دون شروط قبول مهنية 

يا دعاة التغيير ما هو الخط السياسي والفكري والأيديولوجي الذي تنطلقون منه وما هو الجديد في التغيير وفي العمل ماذا يوجد في جعبتكم؟

على المرشح أن تكون لديه رؤية مهنية مدروسة تفرز برنامج عمل مستقل يخدم البلد بإقرار جماعي شامل غير منحاز لمصلحة ضيقة

ليست الوظيفة معروضة لأشخاص يعتمدون العمل غير المهني والتظاهري الذي يزيد من أل- "ريتينج" الإعلامي ولا يأتي بفائدة تذكر للمواطن

تبقى هذه الشروط وهمية لحالة مثلى التي يأخذ بها المواطن الصالح والمسئول والمثقف دوره حالة تبتعد حاليّا عن مجتمعنا المشرذم والعدائي الذي ما زال يؤمن بالقبليّة ويمارس صيرورته في غياهب العائليّة والطائفيّة و"الحاراتيّة" 

يداهمني في الآونة الأخيرة، ازدحام الإعلانات الانتخابية في الشارع واكتظاظ اليافطات الكبيرة والملوَّنة، والمنشورات التي توزع في كل المفارق، كلٌّ يحاول إيجاد الصيغة الأكثر قبولا لغويا وسياسيا ليعلن شعاره الذي يطغى عليه "التغيير"، دون تحديد معناه ودون طرح واضح لبرنامج ما، غير التوعّد بفضح الإدارة السابقة وإظهار التجاوزات وما إلى ذلك، إذا حدث التغيير! 

أجد الوقت الكافي للتمعن بتلك الإعلانات العديدة، أثناء الاختناق المروري المزمن وسط تجاوزات السائقين التي لا تنتهي كجزء من ثقافة الإخلال بالنظام والتعدّي على حريات الآخرين، فأرى صور شخصيات بعضها لا أعرفها ولا أعرف دورها في أي حراك اجتماعي، ثقافي أو سياسي، وبعضها أعرفها من منابر عديدة جمعَت من خلالها رصيدا من الفشل السياسي والفكري والجماهيري! وهناك قلة منها، التي في جعبتها تجربة ميدانية.

أسس التعددية والديمقراطية
من المهم أن يكون المجتمع مبنيّا على أسس التعددية والديمقراطية وأن يكون هناك حق للاختيار والترشيح والانتخاب، ولكن ليس الأمر مجرد نزعة آنية أو مزمنة ل- "أنا" متضخم، فمهمة إدارة سلطة محلية تتطلب قدرة فكرية وسياسية للتعامل مع شتى القضايا، إنها ليست مجرد وظيفة دون شروط قبول مهنية ولا يجب أن تعتمد معايير فئوية وعائلية أو طائفية، إنما هي مهمة تحمل في طياتها مسؤولية خدمة بلد بمهنية وبقدرة على توجيه العمل على صعيد ثقافي واجتماعي واقتصادي بشكل حر وموضوعي. لكن يبدو أن الكثير من المرشحين والذين يناورون على موضوع "التغيير" كمطلب وحيد، هم على أتم الاقتناع بضرورة وحيوية ترشيح أنفسهم، لا غيرهم، لضيق الرؤية وانحسارها في مساحة عينية ضيقة، تعتمد تفكير "الحمولة" أو "الهيمنة" على الشارع من أجل الهيمنة وإطلاق مساحة للخراب... ويشبعوننا فلسفات وترّهات تبتعد عن همّ المواطن والتي كادت وتكاد تعصف في مجتمعنا مرات عدة وعلى أصعدة عدة دون حد أدنى من المسؤولية القيادية التي يفتقرون لها.

ضحالة وإنفلات
ما سبب تلك الضحالة وذلك الانفلات؟ هل هو سبب عيني أم مجموعة من الأسباب تجمّعت في ظل غياب أو تغييب قياديين قادرين على إدارة السلطة! هل هو الفراغ في الساحة السياسية الاجتماعية نتيجة إحباط ديني وفئوي وحزبي؟ هل هو تردد "منطقي" بسبب تردّي المستوى السياسي الاجتماعي العام الذي يجعل من المهمة "وَسَخة"؟ هل هيمنة المراهَقَة السياسية، دون الأخذ بعين الاعتبار التداعيات التي تعود بالنائبة على المواطن، هي من الأسباب التي أطاحت بالمتنوّرين!؟ مما أفرز أزمة انعدام بدائل مناسبة.

ماذا يوجد في جعبتكم؟
يا دعاة التغيير، ما هو الخط السياسي والفكري والأيديولوجي الذي تنطلقون منه، وما هو الجديد في التغيير وفي العمل، ماذا يوجد في جعبتكم... غير الشعارات التي أتت فقط لتدغدغ التفكير اليومي للإنسان العادي الذي يقولها وهو "يزرط" لقمته "آن أوان التغيير"... لكن ليس بالضرورة يعنيكم أنتم بالتحديد! فليست الوظيفة معروضة لأشخاص يعتمدون العمل غير المهني والتظاهري الذي يزيد من أل- "ريتينج" الإعلامي ولا يأتي بفائدة تذكر للمواطن. عندما كنت طفلا كنت احلم أنني سأجعل مدينتي أجمل المدن و"أسيّجها" بالياسمين وأزرع بين تلالها بحيرة، وأزين شوارعها وشرفات بيوتها بالفلّ... فكانت مدينتي مكانا جميلا يستحق الحلم... في تفكيري كطفل كان لدي "برنامج عمل"، تُرى، ما هو برنامج العمل أيها السيدات والسادة، غير موضوع "التغيير" وهوس "الأنا" الشخصي!

العمل الميداني البلدي 
لذلك، يجب الخروج للعمل من قاعدة أكثر عرضا ووضع خطة لتحسين نهج العمل الميداني البلدي وتهيئة خارطة مجتمعية لعودة المثقفين إلى الحلبة وعودة أهل البلد "المهجّرين" قسرا والذين يضطرون العمل في مناطق بعيدة لصالح آخرين قابعين في مناصب رسمية وغير رسمية ولا يغارون على مصلحة البلد وليس في ذاكرتهم أي مشاعر للمكان أو للناس، الأمر الذي يفرغ الشارع من القوى القادرة على إحداث نهضة ونقلة نوعية، بعد هروب تلك القوى والشخصيات إلى الخارج أو إلى الخارج القريب في المؤسسة الإسرائيلية لعدم وجود مكان لها في المؤسسة المحلية على صعيد سياسي واجتماعي وتربوي وخدماتي.

معايير منطقية 
حين قرأت خبر ترشيح شخص كذا وكذا لرئاسة السلطة المحلية... في صحيفة متروكة على منضدة أحد الزملاء، قلت: كما يبدو أن الأمر صار مشاعا ولا يعتمد معايير منطقية ويعكس عدم وعي سياسي اجتماعي ودرجة من استهتار بالمهمة... أجابني زميلي: هناك من لديهم المقدرة، لكن يفضلون عدم خوض غمار هذه المهمة التي باتت تحتاج إلى نمط شخصية لا يقدرون عليها... لقد رحل هؤلاء إلى غربة أو غيبوبة في وطنهم منذ زمن بعيد... فهذا الزمن ليس لهم... ولا الشارع لهم، ثقافة "الراديكالية السلبية" هي الأكثر هيمنة وحضورا في مجتمعنا اليوم ولا مكان للتزاحم بين غياهبها!

ضحالة الحضور والعمل والرؤيا 
كما يبدو هناك معايير فرضها الشارع بجهله وبشخصياته التي فُرضت علينا وتمثلنا في أطر عديدة لتعبث بكلّ ما تمّ بناؤه منذ قيام الدولة، وإذا أمعنا النظر جيدا وكنّا على قدر من الموضوعية والمسؤولية لابتعدنا عن هؤلاء الذين يجعلون منا أضحوكة أمام أنفسنا والدولة من على المنصات والمنابر ويثبتون مرة تلو الأخرى، مدى ضحالة الحضور والعمل والرؤيا لديهم. نحتاج قيادة بمستوى آخر، ووفق شروط يجب أن تتوفر لدى الشخص المتقدم لترشيح نفسه لرئاسة البلدية أو السلطة المحلية، وذلك بأن يكون قادرا على الإقناع وصاحب ذكاء اجتماعي وله ذلك الحضور الجماهيري والقدرة الشخصية للتواصل مع كل شرائح المجتمع المحلي والمجتمع الإسرائيلي، ولديه مقدرة على حل المشاكل دبلوماسيا، ويكون قادرا على تجنيد الناس والمؤسسات والمستثمرين والدولة والميزانيات من اجل مصلحة المواطن... أن يخرج من تجربة ميدانية واجتماعية وثقافية وان يتفرغ لعمله البلدي ولا ينشغل في أمور بعيدة عن هموم المواطن التي لا تساهم في شيء يذكر، غير اكتساح شاشات الإعلام بمهزلة أخرى وفشل تنعكس تداعياته على تشويه حضور الأقلية العربية في إسرائيل. على المرشح أن تكون لديه رؤية مهنية مدروسة تفرز برنامج عمل مستقل يخدم البلد بإقرار جماعي شامل غير منحاز لمصلحة ضيقة ولا يعتمد أساليب الخداع ونهج النصب لفرض الذات من خلال هيمنة سلبية ورجعية توصل الناس إلى حالة تشنج مزمن.

شروط أساسية
عندما تتوفر هذه الشروط سيتقلص عدد المرشحين كثيرا لتكون مساحة حرّة للقادرين على التأثير والعمل السياسي والقيادي، الخارجين من تجربة كبيرة ومن وجع المواطن وهمّ الكادح وتطلعات الشخص العادي نحو حياة هانئة توفر له ولعائلته الأمان والكرامة والتقدم. تبقى هذه الشروط وهمية لحالة مثلى التي يأخذ بها المواطن الصالح والمسئول والمثقف دوره، حالة تبتعد حاليّا عن مجتمعنا المشرذم والعدائي الذي ما زال يؤمن بالقبليّة ويمارس صيرورته في غياهب العائليّة والطائفيّة و"الحاراتيّة" و"يلوّح" ببعض الكلمات المرتّبة التي ليست بالضرورة صحيحةِ النحو، ويروح في مدارات "انعجاق" وجهل جماهيري ينعكس في تردّي الشارع العام تنظيميًّا وفكريًّا وثقافيًّا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة