الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 01:01

في ذكراه:محمود درويش/ لماذا يموت الشعراء/بقلم:شاكر فريد حسن

كل العرب
نُشر: 10/08/13 15:21,  حُتلن: 08:30

شاكر فريد حسن:

لماذا هذا الرّحيل المبكّر والّسريع والمفاجئ

ستشتاق إليك تلال البروة وأسوار عكّا ورمال حيفا وصنوبر الكرمل

ألم تستطع أن تتأخر وتتحايل على هذا الموت القاسي لتكتب وتبدع قصائد الحبّ والحياة والأمل

مات محمود درويش ، قمر فلسطين وعروس الوطن وفارس الفرسان وسيّد الكلمة النّظيفة المضيئة والموقف الوطني الجذريّ المسؤول ، ورمز القصيدة الفلسطينية المقاومة وعملاقها ، وشاعر الحداثة والأصالة ، الذي ترجّل عن صهوة الشّعر والأدب قبل أن يكتمل الحلم الكبير .

 رائد الشعّر الوطنيّ
مضى عاشق الأرض واللّوز والخرّوب والحنّون والنّرجس والزعتّر والفراشات، المسكون بوطنه وتراب وطنه وبروته،  وأمّه وقهوة أمه،  ورائد الشعّر الوطنيّ المقاوم،  وشعر الحبّ الصافي الرّقيق الّذي حوّل الجرح الفلسطيني النّازف إلى قصائد ثوريّة فلسطينيّة لاهبة، ولخّص المأساة والمعاناة والتّراجيديا الفلسطينيّة ، وقضايا الحرّية والانعتاق والعدالة .

 شهداء الحريّة
مضى محمود درويش لينضم إلى قافلة وموكب شهداء الحريّة والقلم الفلسطينيّ المقاتل : إبراهيم طوقان ، عبد الكريم الكرميّ، عبد الرّحيم محمود ، معين بسيسو ، غسّان كنفاني، كمال ناصر ، راشد حسين، ماجد أبو شرار ، فدوى طوقان، إدوارد سعيد ، إبراهيم أبو لغد، هشام شرابي ، إميل توما ، إميل حبيبي ، صليبا خميس ، محمّد القيسي ، نوّاف عبد حسن ، شكيب جهشان ، محمد حمزة غنايم ، فوزي عبد اللـه ، جمال قعوار ، عمر حموده الزعبي ، والقائمة طويلة جدّا.

 الإبداع والخلود 
محمود درويش وجه ثقافيّ لامع في حركة الشّعر الجديد، عمّدته ربّة الشّعر في نهر الإبداع والخلود ، وهو ينتمي إلى جيل الريّادة ، وإستطاع أن يؤنسن القضيّة الفلسطينيّة ، إنّه شاعر كبير وفذّ وعملاق ، محلّيّاً وفلسطينيّا وعربيّا وعالميّا ، شاعر قضيّة كبيرة وعادلة ، كتب وصاغ تاريخنا الفلسطينيّ النّضالي بحروف من نور ، ونقل الشّعر العربيّ والفلسطينيّ من المحلّية إلى العالميّة ، وكذلك حالة إستثنائيّة وظاهرة شعريّة فريدة، وموته استثنائيّ، ولذلك أحدثت وفاته زلزالاً قويّا غي الأرض العربيّة والفلسطينيّة والعالم .

القصيدة الفلسطينيّة 
محمود درويش هو الفلسطيني المعبّأ بالقدرة الهائلة على التّفجّر ضدّ كلّ شيء ، حتّى ضدّ "الحبّ القاسي " الذّي كتب "سجّل أنا عربيّ" في عروس الكرمل، حيفا وشرب رومانسيّته حتّى الثّمالة والنّخاع ، ليصعد على "الظّلّ العالي" خارجّا من الخارج كلّه، إلى القصيدة الفلسطينيّة ، الفنيّة الجماليّة الجديدة، رافضّا علانيّة بطولة الشّاعر الفلسطينيّ الّذي ليس له سوى "بطولة فلسطين "في الوقت الّذي يسترخي فيه شعره ويكاد يتلاشى .

تجارب العصر
ويمكن إجمال خصائص ومميّزات شعر محمود درويش في قدرته الفائقة والفذّة على اختيار المفردات الموحية خارج إطار القاموس الشّعريّ المألوف والتّركيز على الحدث وحده، في شكل لقطات مرئيّة خاطفة ، والانفعال الدّاخليّ العميق النّابع من تجارب العصر ، من خلال رؤية إنسانيّة شديدة الحسّ وتوظيف الموروث الدّينيّ والأسطورة.
فيا محمود ، يا سيّد الحاضر والمستقبل : لماذا هذا الرّحيل المبكّر والّسريع والمفاجئ؟! ألم تستطع أن تتأخر وتتحايل على هذا الموت القاسي لتكتب وتبدع قصائد الحبّ والحياة والأمل ، وقصيدة الانتصار الفلسطينيّ مثلما كتبت ووضعت وثيقة استقلال الدّولة الفلسطينيّة ؟".

 فراشات الجليل
نعم يا محمود ، أيّها الرّاحل الباقي، ستشتاق إليك تلال البروة وأسوار عكّا ورمال حيفا وصنوبر الكرمل وزعتره وقندوله ، ستشتاق إليك فراشات الجليل وحجل الجرمق وبيّارات البرتقال في يافا،  ومقاهي رام اللـه وأزقّة القدس وشوارع بيروت الّتي كنت عاشقها وبقيت فيها ، أيّام الحصار الهمجيّ ، أنت وقلّة نادرة من الكتّاب والشّعراء والمبدعين تدافعون معاَ عن جنونها .
فيا أيها المضرج بالّزنازين والشّعر ، ستظل كزيتون وسنديان الجليل لا تموت .
 

مقالات متعلقة