الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 16 / أبريل 07:02

اكليل ورد على ضريح فقيد الشعر والأدب جمال قعوار /بقلم: شاكر فريد حسن

كل العرب
نُشر: 25/06/13 15:09,  حُتلن: 07:34

شاكر فريد حسن في مقاله:

جمال قعوار الشاعر الكبير والمخضرم اشهر من نار على علم رغم أنه عانى في مرحلة ما من الحصار والتغييب والتعتيم الاعلامي من ذوي القربى والمنابر الحزبية

جمال قعوار شاعر غنائي رقيق ناعم وسلس كرس أشعاره للقضايا الوطنية والهموم الفلسطينية والقومية والانسانية ويطغى الطابع الوجداني والرومانسي الحالم والشفاف على جميع قصائده

رحل عن دنيانا وعالمنا الشاعر والاديب الفلسطيني ابن الناصرة جمال قعوار بعد مشوار حياة حافل بالعطاء الشعري والإبداع الأدبي والنشاط الثقافي الخصب والوفير. وجمال قعوار الشاعر الكبير والمخضرم اشهر من نار على علم، رغم أنه عانى في مرحلة ما، من الحصار والتغييب والتعتيم الاعلامي من ذوي القربى والمنابر الحزبية. إنه من رعيل الشعراء الوطنيين الملتزمين الرائدين في أدبنا الفلسطيني وثقافتنا الوطنية والانسانية الملتزمة، الذين ظهروا على الساحة الأدبية بعد النكبة عام 1948. وقد نشر نتاجه الشعري في مجلة "الفجر" التي كان يحررها الشاعر الراحل راشد حسين ، ومجلة "المجتمع" لصاحبها الاديب الشاعر المرحوم ميشيل حداد، وسواها من المجلات والصحف السيارة التي كانت تصدر آنذاك. وهو من أوائل الشعراء العرب الفلسطينيين الذين صدرت لهم مجامع شعرية في الخمسينات من القرن الماضي ، حيث أصدر "سلمى" و"اغنيات من الجليل" .

شاعر متدفق العطاء
وجمال قعوار شاعر متدفق العطاء ، ومن اغزر الشعراء انتاجاً واجودهم شعراً وطلاوة . وما يميز شعره ، الذي لفت الانظار ، هو عذوبته، ورقته ووضوحه، وصدقه، وغنائتيته، وعاطفته، وجمال معانيه، وتدفق صوره، ونبرته العالسة / وموسيقيته. نشط جمال قعوار في الحقل الأدبي والحراك الثقافي في بلادنا ، وكان من المبادرين لإنشاء مؤسسة "الصوت" لتعميق الوعي الفلسطيني ونشر الفكر الفلسطيني الديمقراطي الحر والكلمة الملتزمة، وإصدار مجلة "المواكب" مع الشاعر والمفكر الراحل فوزي عبد الله، المحتجبة لفترة طويلة، التي عنيت بقضايا الأدب والثقافة والفكر، وكان لها دور طليعي هام وإسهام في الحياة الأدبية والثقافية المحلية، وشكلت وعاءً وحاضنة للأقلام الشعرية والأدبية المعروفة والمواهب الجديدة الصاعدة. وكان ايضاً من مؤسسي رابطة الكتاب الفلسطينيين في اسرائيل ، التي ترأسها لفترة من الزمن.

صوت متهدج ناعم
ورغم معرفتي بجمال قعوار شاعراً واديباً ومثقفاً وضالعاً في اللغة العربية، من خلال متابعاتي لكتاباته وأعماله الشعرية وقصائده المنشورة في الصحف والمجلات الادبية والدوريات الثقافية المحلية، إلا أنني لم أتشرف برؤيته والتعرف اليه الا حين جاء الى "مصمص" في شباط العام 1977، يوم وفاة الشاعر راشد حسين ، حيث شارك في تشييع الجثمان واستقبال الوفود التي قدمت من كل أنحاء الوطن الفلسطيني للتعزية والمواساة، من المثلث والجليل والنقب والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان ، حينها وقف يرثي راشداً بصوت متهدج ناعم وقصيدة لا أجمل ولا أروع ، قائلاً :

أيمكن ان تخبو المنى والقصائد
ويغمد في الارض الجريحة راشد؟
أيمكن أن اللوز زهر مفتح
وزهرتنا وسط اللهيب تكابد
اكذب ما ينمى الى معاندا
فيا ليت شعري هل يفيد المعاند
أنا أمة أبناؤها حزن أعصر
مجرحة ما اغفلتها الشدائد
أنا وطن دامي الضحايا مخضب
فلسطين اهلوها قتيل وصامد
أنا "مصمص" ابناء عم وجيرة
وأهل وأحباب وأم ووالد
أنا "احمد" أطوي الضلوع على جوى
ولا ينطوى شوق مدى الدهر خالد
ثم يقول:
وأين الذي كانت "مع الفجر " تبتدى
قصائده تشدو بهن الجرائد
وأين الذي اعطى "الصواريخ" عزمة
وكوكبه في سلم المجد صاعد
وأين الذي طابت سويعات ليلتي
بصحبته والحلم دان مواعد
ويختتم قائلاً:
فنم في حمانا يا أخا المجد هانئاً
كما نام ابطال النضال الا ماجد
ويا وطني فاجعل ترابك دائماً
دفيئاً فبعضى في ترابك راقد

مجموعات شعرية
وتواصلت بعد ذلك اللقاءات مع ابي ربيع في بلدتنا "مصمص" وفي اجتماعات لجنة أحياء تراث راشد حسين، حيث كنا من أعضائها، التي كانت تعقد في دكان المناضل المرحوم طيب الذكر منصور كردوش بالناصرة، وفي الندوات الشعرية والثقافية تكريماً لراشد ، شاعراً ومناضلا، وبقينا على هذا الحال حتى فرقت بيننا هموم الحياة ، فلم اره منذ فترة طويلة . وللشاعر جمال قعوار حزمة كبيرة من المجموعات الشعرية ، التي تناولها النقاد والكتاب واصحاب القلم بالعرض والنقد والتحليل والتقريظ ، وهي: "سلمى، اغنيات من الجليل، الريح والشراع، غبار السفر ، اقمار في دروب الليل، الريح والجدار، الجدار، ليلى المريضة، بيروت، ايلول، زينب، الترياق، بريق السواد، لا تحزني، لوحات غنائية، مواسم الذكرى، شجون الوجب، قصائد من مسيرة العشق، عبير الدماء، في مواسم الضياع".

طابع وجداني ورومانسي
جمال قعوار شاعر غنائي رقيق ناعم وسلس ، كرس أشعاره للقضايا الوطنية والهموم الفلسطينية والقومية والانسانية . ويطغى الطابع الوجداني والرومانسي الحالم والشفاف على جميع قصائده ، مهما كانت موضوعاتها وتشعباتها ودواخلها واغوارها . وتتمحور مواضيعه حول المرأة والانسان والارض والوطن والهوية والانتماء ومأساة شعبه الذبيح والجريح ومعاناته اليومية ومحاولاته الدائبة في النهوض نحو الحرية والغد الاجمل . ومن نافلة القول، ان جمال قعوار في كل ما قرض وكتب وابدع عالج مواضيع فلسطينية ووطنية بالدرجة الاولى ، ونقل لنا صوراً من احزان والام الفلسطينيين ومعاناة اللاجئين والمشردين في الخيام . فحلق في سماء الجليل، وهام في ربوع الطبيعة والاجواء الرومانسية الخلابة ، والتقى الزنابق والأقمار المشعة في دروب الليل ، وخاطب شهداء مجازر كفر قاسم ويوم الارض، الذين جادوا بدمائهم الطاهرة دفاعاً عن الوجود والخلود . وذرف الدموع مدرارة على الاحباب والاصحاب ورفاق الدرب ومجايليه من عشاق الكلمة والادب، الذين غابوا ورحلوا عن الدنيا وتركوه وحيداً . وآسى على ابناء شعبه وجلدته ، الذين نزفت دماؤهم في عمان وتل الزعتر وصبرا وشاتيلاً وغيرها من المخيمات الفلسطينية. وثار على الساداتية والحكام العرب ، الذين جلبوا الخزي لشعوبهم بتوقيع اتفاقات الذل والعار والاستسلام ، وقدم قصائد نارية ذات شحنات ثورية وعاطفية وتعابير سهلة والفاظ بسيطة ومعانٍ عميقة وموسيقى جميلة.

"الريح والجدار"
وفي كل قصيدة من قصائده يبدو جمال قعوار عاشقاً للتراب الفلسطيني والارض الفلسطينية الغالية المقدسة، الراسخة فيه، وتعلقه بالوطن وتضاريسه ونباتاته وأشجاره ووديانه وشخوصه، وإنجذابه الى التراث والجذور الكتعانية الممتدة في التاريخ ، وتأثره بالقرآن الكريم ، وتمسكه بأمجاد الماضي وأهداب الأمل والتفاؤل المستقبلي. كما تتبدى المقاومة والرفض والتصدي لواقع الهزيمة في العديد من قصائده ، وبشكل خاص في ديوانه "الريح والجدار" الصادر عن جمعية "الصوت" سنة 1979، وللدلالة على ذلك نقرأ هذه الأبيات:
أنا شعب الفدا ادري مرامي
ودرب العز واضحة امامي
عرفت الهول منذ عرفت دربي
فهال الهول عزمي واقتحامي
ولاقيت الردى وجهاً لوجه
فما فت اللقاء من اعتزامي

مواقف سياسية وفكرية
خلاصة القول ، جمال قعوار من أعلام الشعر والادب في الداخل الفلسطيني ، وهو شاعر مبدع أصيل له خلجاته وأحاسيسه الوطنية ومواقفه السياسية والفكرية، وصوته الخاص، وموسيقاه الدافئة ،وتعابيره الناعمة . وقصائده مشحونة بالصدق والدفء والشفافية وطلاوة التعبير والوصف، وغمرنا بالشعر الوطني والوجداني والغنائي الجميل والعذب ، المتدفق اصالة وعمقاً ودفئاً وانتماءً وحساً مرهفاً ، وعابقاً برائحة الزعتر الجليلي وتراب الوطن ورمال الساحل الفلسطيني . فالرحمة على روحه وسيبقى في ذاكرتنا ووجداننا الشعبي.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة