الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 09:02

نجاح المصلح: أرضعوا أولادكم حليب الثقة ومراقبة الله عز وجل

خاص بمجلة ليدي
نُشر: 20/06/13 17:51,  حُتلن: 08:39

نجاح المصلح من جنين تحتل مركز مدير عام مدرسة "الحكمة" في مدينة شيلفد البريطانية ومدرّسة اللغة العربية في مدرسة "The Oak Tree" الثانوية للبنات في المدينة

نجاح المصلح:

تلقين الطفل تعاليم ديننا وتثبيتها في صدره منذ الصغر هو االلبنة الاولى في تربيته

من الخطأ أن نتقوقع في مجموعات وأطر مغلقة تعزلنا على المجتمع الكبير الذي لا بد لنا أن نتعامل معه بطريقة أو بأخرى

تربية الأولاد مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة أينما كنا ولكن قد تتفاجئين لو قلت لك أن تربية الاطفال تربية إسلامية قد تكون في بعض الأحيان أكثر سهولة في المجتمع الغربي

أحب أن أشدد مرة أخرى على أهمية اللغة العربية فعلى الأمهات والآباء في المغترب أن يعملوا على تدريس أولادهم لغتنا ولغة القرآن والتقرب من الجاليات والمراكز العربية والإسلامية لنبقى على تواصل وتذكرة بعاداتنا وديننا

إن عمارة الأرض أمر واجب على كل فرد منا، تمليه عليه الشرائع السماوية والقواعد الإجتماعية. فمن الضروري تجنيد كل ما أوتينا من معاول، أدوات، مهارات، مواهب ومؤهلات لبناء مجتمعنا. لكن قمة النجاح في الإعمار والإصلاح في المجتمع الغريب والبيئة الجديدة، لما يتطلبه الأمر من شجاعة ومبادرة وهمة عالية وتدبير وتخطيط.

 
نجاح المصلح

وانه لمن الحكمة إتخاذ الموعظة وإلتماس العبر ممن هم أهل لإسدائها. وإن مرافقة ومتابعة أولي الأسوة الحسنة أمر من النباهة والفطنة. فإليك ايها/ايتها القارئ/ة أقدم نجاح المصلح، مدير عام مدرسة الحكمة في مدينة شيلفد البريطانية، ومدرّسة اللغة العربية في مدرسة "The Oak Tree" الثانوية للبنات في المدينة.
نجاح أمضت أمدًا طويلاً في الغربة، يقارب العشرين عامًا. إلا أن طول الأمد وبعد السفر لم يحولا دون وضع بصمتها على كل دائرة إجتماعية إلتحقت بها. فأينما ذهبت ومضت كان عطاؤها يسبقها.

ليدي: السلام عليكم سيدة نجاح، حبذا لو أخبرتنا كيف بدأ مشوارك في بريطانيا، ماذا جاء بك، ما ابقاك كل هذه السنين؟
نجاح: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، في البداية انا من مواليد مدينة جنين، قدمت الى بريطانيا في عام 1993، بعد إنهائي اللقب الأول في التربية الإسلامية، في كلية العلوم الإسلامية في قلقيلية. فقد تزوجت في لندن وأقيم حفل الزفاف في دار الرعاية الإسلامية في العاصمة. فقد كان زوجي يحضر للدكتوراة في موضوع هندسة التحكم هناك. سكنت في لندن ما يقارب الثمانية أعوام، ثم إنتقلنا الى مدينة ليستر بعدما حصل زوجي على عرض عمل فيها، ومكثنا هنالك مدة 5 سنوات. بعد إنقضاء عقد العمل عدنا الى فلسطين وسكنا في رام الله، ومرة أخرى كان عمل زوجي هو الذي قادنا الى العودة. وهذه المرة طال البقاء مدة عامين ونصف العام. شاركت خلالها في تأسيس مدرسة الأوائل وعملت فيها كمدرّسة للرياضيات باللغة الانجليزية ومدرّسة للغة العربية ايضًا. ومن ثم حصلت، وبحمد الله، على إدارة "روضات" مدرسة الأوائل لمدة سنة ونصف. ولكن في عام 2008 عدنا الى بريطانيا مرة ثانية تبعًا لضرورات عمل زوجي. ومنذ ذلك الحين ونحن نسكن في مدينة شيلفد.

ليدي: اخبرينا عن مشوارك في التدريس والإدارة في بريطانيا.
نجاح: منذ بداية قدومي وانا اعمل في مدارس نهاية الاسبوع الإسلامية على إختلافها، السورية والليبية وغيرها. كان الأمر في البداية، ضروريًّا أن لا يتجاوز عملي المدارس الإسلامية الاسبوعية (التي تعمل نهاية الاسبوع أي كل سبت وأحد)، لأهمية بقائي مع أطفالي في صغرهم. فلم أشأ أن يكون خروجي للعمل على حساب وقتهم أبدًا. ولكن مع مرور الوقت كبر الصغار وتمكنت من المباشرة بالعمل التطوعي في المدارس الحكومية، ومن ثم قدّمت بعض الدورات التي أهّلتني للعمل كمساعدة معلمة في المدارس الحكومية البريطانية. فعملت في تدريس الرياضيات والعلوم.



ليدي: كيف وصلت الى إدارة "مدرسة الحكمة" التابعة لدار الرعاية الإسلامية في شيلفد؟
نجاح: دخلت المدرسة في اول الأمر كمدرّسة تقييم، أعمل على تقييم مهارات التلاميذ وإدراجهم في المجموعات المناسبة للمواضيع المختلفة. ولكن قررت لجنة القائمين على مسجد الرعاية الإسلامية التابعة لها مدرسة الحكمة الاسبوعية، تعييني كمديرة للمدرسة فور ترك المدير السابق للمنصب عام 2010. لم أكن مقتنعة تمامًا بالفكرة في البدء، علمًا بأنني كنت أدرس ايضًا في مدرسة سودانية في نفس الوقت. إلا انني إتخذت قرار قبول عرض العمل كمديرة للمدرسة، مما إضطرني الى الإستقالة من عملي كمدرّسة في المدرسة السودانية.
ولكن منذ عودتنا الى بريطانيا في عام 2008 كان واحدًا من أهم أهدافي تأسيس مدرسة إسلامية حكومية، تدرس المنهاج الحكومي الى جانب تعليم اللغة العربية والقران والعلوم الاسلامية. وسبحان الله الذي يسر الأمور سريعًا، فقد توجه الي أهالي التلاميذ الذين يحضرون مدرسة الحكمة، والذين يعملون على إنشاء مثل هذه المدرسة، طالبين العون والمشاركة في تأسيس مدرسة أسميت فيما بعد بمدرسة "The Oak Tree". وهي مدرسة ثانوية للبنات تنتهج المنهاج الحكومي العام في تدريس المواضيع المختلفة، الى جانب تعليم اللغة العربية القرآن والعلوم الإسلامية. وانا الان أعمل كمدرّسة للغة العربية فيها.

ليدي: ما رأيك في فكرة الإنصهار في المجتمع البريطاني؟ هل هي فكرة حسنة أم يجدر بنا، نحن المغتربين، أن نبقى في أطر مغلقة تحمي معتقداتنا وعاداتنا بعيدة عن كل غريب؟

نجاح: بإعتقادي انه من الخطأ أن نتقوقع في مجموعات وأطر مغلقة تعزلنا على المجتمع الكبير، الذي لا بد لنا أن نتعامل معه بطريقة أو بأخرى. صحيح انه واجب علينا أن ننمي في أبنائنا ما تربينا عليه من أسس إسلامية وعادات وثقافات، كل مما أكتسب وجلب معه من موطنه وبلده، بإختلاف بلدان العربية وتنوعها، إلا انه ليس من الخطأ أن نبني صداقات مع أفراد من المجتمع البريطاني والانجليزي. لان مثل هذه الصداقات تمنحنا فرصة أن نكون سفراء وممثلين ومندوبين عن ديننا اولاً، ومجتمعنا العربي ثانيًا. ففي هذه الظروف التي اقترن فيها مفهوم الدين الإسلامي بالإرهاب، يتوجب علينا نحن المسلمين في كل مكان أن نكون خير ممثلين عنه نعكس الصورة الصحيحة له. وقد يستغرب البعض أن الأفراد العاديين في المجتمعات الغربية وخصوصًا هنا في المجتمع البريطاني، كثير منهم يحب أن يتعرف أكثر على ديننا وعلى قواعده وأسسه، ونحن صراحة نلاقي إحترامًا كبيرًا منهم لمعتقداتنا. ففي جو الألفة وإحترام الطرف الآخر، معتقداته ودينه يمكننا أن نتواصل بجسور عديدة مع المجتمع البريطاني.

ليدي: ولكن ماذا عن تربية الاولاد؟ ألا تعتقدين أن تربية الاولاد قد تكون أصعب في جو غربي بعد تجربتك مع اطفالك، اولادك الأربعة؟ مقارنة بتربيتهم في بلد عربي؟
نجاح: إن تربية الأولاد مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة أينما كنا. ولكن قد تتفاجئين لو قلت لك، أن تربية الاطفال تربية إسلامية، قد تكون في بعض الأحيان أكثر سهولة في المجتمع الغربي! لان أساس التربية يكون على اننا مسلمون، واننا ممنوعون من إقتراف الكبائر التي يقترفها بعض الغربيين، واننا بحكم إختلافنا لا نقوم بما يقومون وليس واجب عليهم ما هو واجب علينا من فروض. أما لو كنا في مجتمع عربي مسلم واجب على أفراده ما هو واجب علينا، وممنوع عليهم ما هو ممنوع علينا، وفيه البعض ممن لا يقومون بأداء الفروض او يقترفون بعض المعاصي مثلا، فهنا تكمن الصعوبة الحقيقية.
انه من المشقة إفهام الطفل أن الصلاة فرض علينا، وإن لم يقم بها بعض الأشخاص، ولكن الأمر حتمًا ودون شك أكثر صعوبة ومشقة لو كنا نتحدث عن أناس قريبين جداً من الطفل. في الوقت نفسه علي التنويه أن إصطحاب الاطفال الى الموطن العربي وفي حالتنا الفلسطيني، أمر ذو أهمية عالية. فقد يكون سلاحًا فتاكًا واسلوبًا ناجعًا في تمكين الاطفال من لغتهم العربية، وعاداتهم ومعتقداتهم. من تجربتنا الشخصية، إن مكوثنا في فلسطين عامين ونصف العام، غرس في اطفالي جذور اللغة العربية عميقًا وهم، والحمد لله، جد متمكنون من اللغة، وهو أمر شديد الأهمية لان اللغة العربية في نهاية الأمر هي اللغة التي ينطق بها قرآننا الكريم، وكثير من المسلمين الأعاجم يقدمون الى مراكزنا العربية في الغرب لتعلم اللغة العربية، ويرسلون أبناءهم الى مثل مدرسة الحكمة ليُدَرّسوا اللغة العربية ويفهموا كتابهم الكريم. وانا شخصيًّا كنت "أخالف" اولادي مخالفة ماديًّة (بسيطة) عندما يتحدث أحدهم باللغة الانجليزية في المنزل. وإنها طريقة أثبتت نجاحها مع اولادي.



ليدي: ولكن ألا تقلقين كونك امًّا على نشوئهم في مجتمع غربي مختلف عن عاداتنا وتعاليمنا؟
نجاح: أن تلقين الطفل تعاليم ديننا وتثبيتها في صدره منذ الصغر هو اللبنة الأولى في تربيته، ولكن اللبنة الثانية والتي لا تقل أهمية هي تربيته على الثقة وعلى مراقبة نفسه بمراقبة الله عز وجل. فبعد أن يعرف الطفل ما هو حرام وما هو حلال، وما هو الفرق بين الخطأ والصواب، يجب أن يشعر بأن أمه تثق به، أي تثق أن يدرك وحده ما هو الصواب فيتبعه وما هو الخطأ فيتجنبه. وإن تربية الطفل على هذا تعزز من ثقته بنفسه ويشعر معها بالمسؤولية. كما وانه من المهم أن تعلم الأم طفلها أن لا يخاف منها فحسب عند إقترافه الأخطاء، بل يحتسب ويراقب الله السميع البصير، الذي يكون معه ويراقبه في كل وقت وحين.
من ناحية ثانية، فإن أطفالنا بحكم نشوئهم في مثل هذا البلد وإنخراطهم في المدراس الإنجليزية، يحتم عليهم بناء الصداقات مع أطفال انجليز، مختلفين بعاداتهم وتقاليدهم. وفي كثير من الأحيان يرغب بعضهم بزيارة بعضهم الآخر والإلتقاء في اطر خارج المدرسة. فكنت أقول لاولادي لم لا تدعو صديقك فلان ليتناول العشاء معنا. فمن خلال الزيارة كنت أستطيع أن أتحسس نوعية هذا الصديق ومدى أثره في نفس ولدي، فإن كان يروق لي كنت أرسل ولدي لزيارته وثقتي كبيرة بولدي، الى جانب هذا كنت أكوّن صداقات مع أمهات الاطفال الذين في صفوف أولادي، فأتعرف على الام والابن في وقت واحد فيتبن لي ما طبيعة حياتهم، كما وكنت أعلم الام الانجليزية بما هو حلال وحرام في الأطعمة، وكثير منهم متفهمات الى أبعد حد. إن إرسال أبنائي الى منازل أصدقائهم من الانجليز كان أمرًا مهما في تربيتهم، فكانوا يحسون بأن من خلالهم وخلال تصرفاتهم يتعرف الطرف الآخر على ديننا ومعتقداتنا. الى درجة أن واحدًا من أصدقاء ولدي كان يذكره أن حان موعد الصلاة. فهو يعرف انه فرض علينا أداء الصلاة خمس مرات في اليوم. وفي واحدة من المرات التي كان فيها احد اولادي في زيارة الى صديقه قام ولدي للصلاة فرآه الاب فقام ليسأله عنها بعد إنتهائه.

ليدي: نجاح هل لديك بعض النصائح التي تقدمينها للامهات المغتربات؟
نجاح: أولاً: أحب أن أشدد مرة أخرى على أهمية اللغة العربية، فعلى الأمهات والآباء في المغترب أن يعملوا على تدريس أولادهم لغتنا ولغة القرآن. ثانيًا: التقرب من الجاليات والمراكز العربية والإسلامية لنبقى على تواصل وتذكرة بعاداتنا وديننا. كما وتقام في مراكز جالياتنا الكثير من الفعاليات الإسلامية، كالإحتفال بالعيد مثلاً وإقامة الدروس والحلقات وتحفيظ القرآن. ثالثًا: أشجع على زيارة الوطن ليتعرف الأولاد على دينهم وثقافتهم ولغتهم. وأخيرًا ربوا أولادكم على الثقة أرضعوهم حليب الثقة ومراقبة الله عز وجل.

مقالات متعلقة