الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 13:02

المطران عطاالله حنا في مؤتمر ال ADC في واشنطن لربط الشباب المغترب مع فلسطين

كل العرب
نُشر: 17/06/13 08:49,  حُتلن: 10:15

المطران عطاالله حنا:

الهدف الأخير لإسرائيل ولبعض القوى الدولية التي تؤيدها ليس السلام بين الشعوب بل اضعاف الشعب الفلسطيني لإحياء شعب اخر على انقاضه أو تشتيت الشعب الفلسطيني في أنحاء العالم

المطلوب من العرب والفلسطينيين المغتربين أن يرافقوا فلسطين بواقعها الذي تعيشه اليوم يفكرون مع أهلها ويعملون معهم ويكون عملهم موحِّدًا ومؤلِّفًا بين القلوب

المقدسات والأوقاف المسيحية فهي مستهدفة ايضا وبطرق متنوعة حيث التشديد في ما يسمونه بالإجراءات الأمنية وبالتنظيم في أيام الاحتفالات الكبرى يُظهِرُ نيَّةً لإبعاد المسيحيين المحليين عن مقدساتهم

القدس تريد إسرائيل لها أن تكون مدينة يهودية وتريد القضاء على المقولة: مدينة لشعبين وثلاث ديانات

القى سيادة المطران عطاالله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس، خطابا هاما امام مؤتمر ADC الذي يعقد في العاصمة الامريكية واشنطن وذلك امام اكثر من الف شخص من ابناء الجالية العربية في امريكا وعدد من المدعوين ،واليكم النص الكامل لخطاب سيادة المطران الذي القاه اليوم: الوضع العربي والوضع المسيحي العربي بصورة عامة، وفي فلسطين وسوريا بصورة خاصة.
الأخوة والأخوات الأعزاء المجتمعين في هذا المؤتمر الهام، أحييكم جميعًا وأشكر لكم ولمنظمةADC الدعوة التي وجهتموها إليّ لأحدثكم عن الوضع العام في فلسطين وعن الوضع المسيحي فيها، وعن سوريا بصورة خاصة لشدة الاضطراب فيها اليوم وتأثير أحداثها على العالم العربي عامة، وعلى المسيحيين خاصة.



1 الوضع الفلسطيني بصورة عامة
لن أذكر تفاصيل كثيرة، بل سوف أُجمِل القضية وأتأمَّل وإياكم في خطوطها العامة. دخلَت فلسطين مسارًا مصيريًّا، أو أُدخِلت في هذا المسار، منذ أواخر القرن التاسع عشر مع ولادة المشروع الصهيوني الرامي إلى إيجاد دولة للشعب اليهودي المشتت في العالم. وقرر قادة الحركة الصهيونية إنشاء دولتهم في فلسطين، وقالوا إنها أرض بلا شعب، فتصبح بهم أرضا لشعب بلا أرض. وساعدتهم الدول الأوروبية في تنفيذ المشروع. ووقف آنذاك السلطان عبد الحميد في وجه المشروع. ولما زالت الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى بدأت المعركة التي ما زالت حتى اليوم. ولا يبدو أن لها نهاية قريبة. لأن الهدف الأخير لإسرائيل ولبعض القوى الدولية التي تؤيدها ليس السلام بين الشعوب، بل اضعاف الشعب الفلسطيني لإحياء شعب اخر على انقاضه، أو تشتيت الشعب الفلسطيني في أنحاء العالم. والوضع السياسي من الناحية الإسرائيلية واضح: يراد إزالتنا أو تشتيتنا كما قلت. ومقابل هذا الوضوح القاتل، موقفنا الفلسطيني أو العربي مشتت ومضطرب، وكأنّه ما زال متردِّدًا متسائلًا: ماذا يمكن أن نعمل تجاه إرادة الموت الصريحة لنا؟ يضاف إلى هذا الاضطراب اضطراب أكبر وهو انقسام الشعب الفلسطيني، بين فتح وحماس، انقساما عنيدا أصبح عصيًّا على كل محاولات الحل.
الوضع الاقتصادي فيه حركة لرؤوس الأموال، وفيه عمل لقسم من الناس، بينما قسم كبير لا عمل له. وفيه عدد من العمال يعملون في إسرائيل ولإسرائيل، طلبًا للقمة العيش. وفيه معاناة أسر كثيرة لا تجد ما يكفي لسد حاجات أطفالها. وفي وضعنا الاقتصادي أيضًا، في مالنا العام فساد، وقد أنشئت هيئة لمكافحة الفساد. وهنا لا بد من الاشارة الى الدور الذي يجب أن يقوم به المغتربين في فلسطين في دعم ما تقوم به الكنائس والمؤسسات الدينية المختلفة من أجل دعم صمود الشعب الفلسطيني حيث أن هنالك عدد من المؤسسات الدينية التي تعمل على خلق فرص عمل وترميم المنازل ،وهنا ايضا يجب أن نشجع الكنائس العالمية على ان تقوم بالاستثمار في فلسطين من اجل خلق فرص عمل جديدة ومن أجل مؤازرة اهلنا في اوضاعهم المعيشية والحياتية الصعبة. ووضعنا الاجتماعي أيضا يعاني من خلل في العلاقات بين الناس من حيث الدين ومن حيث الحزبية. نعم هناك علاقات طيبة كثيرة بين الناس، على جميع المستويات، ولكن هناك أيضًا ما يهدِّدها. هذا بالإضافة إلى قوانين منع لمّ الشمل الإسرائيلية، التي تفصل بين أعضاء العائلة الواحدة، فتحول دون مساكنة الزوجين معا أو تفرِّق بينهما وبين أبنائهما، إذا حمل أحدهما ورقة إقامة إسرائيلية وآخر ورقة إقامة فلسطينية.


المقاومة والبقاء مع المطالبة

ومع ذلك فمن سار في شوارع مدينة فلسطينية وهو لا يعرف أن هناك معاناة يظن نفسه في بلد طبيعي لا مشكلة فيه ولا قضية وهذا يدل على ارادة الانسان الفلسطيني في الحياة والذي بالرغم من كافة التحديات يبقى متعطشا للعمل والبناء والتقدم،وإن شعبنا وبالرغم من كل الظروف الصعبة لم ولن يفقد الأمل في مستقبل أفضل. هذا هو الوضع. مهما كانت معطياته ومهما كانت مداخلات الأسرة الدولية فيها صادقة أو مرائية وكاذبة: الإرادة هي إزالة الشعب الفلسطيني وفي أفضل الحالات حصره في كانتونات يعيش فيها على أن لا يشكل أي خطر على أمن إسرائيل. وهو شرط الوجود المفروض على كل شعوب ودول الشرق الأوسط: الوجود على شرط ألا يشكل الوجود تهديدا لأمن إسرائيل. وعلينا أولا عدم اليأس. مهما أريد بنا ليس من المحتَّم علينا أن نقبل بالموت الذي يراد لنا. وضعنا ميئوس منه ومع ذلك أملنا حي نابض. ومع بقاء الأمل، الصمود والاستمرار في المطالبة بالحق. يقول المثل: لا يضيع حق وخلفه مطالب. وفي حالتنا أيضًا، في فلسطين، هذا المثل صحيح. فأول المقاومة هو البقاء مع المطالبة. وبقاؤنا بقاء حي متطور نامٍ بالرغم من كل الظروف التي تريد لنا الموت. المقاومة هي مصارعة الموت المراد لنا. والمقاومة فرض مشترك على الباقين على الأرض وعلى من فُرِض عليهم الشتات، أي عليكم جميعا. والمقاومة هي بقاء وحياة، شعب حي بكل مظاهر الحياة وطاقاتها. ومن مبادئ المقاومة وحدتها، وحدتنا، لأننا نعاني اليوم من الانقسام الذي أشرنا إليه والذي يهددنا أكثر من الاحتلال نفسه ونواياه. بل أصبح وسيلة في يد الاحتلال للتفتيت ثم الإبادة أو الحصر في كانتونات. المقاومة هي أولا وحدة الشعب الفلسطيني، وعبثا يقول أي قائل فلسطيني إنه يقاوم وهو في حالة انقسام ويرفض وضع حد له أو يعجز عن وضع حد له. وأخيرًا المقاومة هي تحرر من إرادة الآخر، العدو والصديق على السواء. الحرية التي نريد الوصول إليها أولها حرية في ذاتنا. لا أحد، لا صديق ولا عدو، يقيد حريتنا أو يوجهها. حرية في تعاملنا مع كل الشعوب المهتمة بنا، لخيرنا أو للإساءة إلينا. ومع ذلك، يبقى من مكوِّنات المقاومة، مع المحافظة على حريتنا، أن نقيم شبكة علاقات وصداقات مع كل صديق، وتثبيت أنفسنا، مع هذه العلاقات، إنسانا كريما واعيا أن كرامتنا من كرامة الله. تعرفون الوثيقة الفلسطينية المسيحية "وقفة حق" الصادرة عام 2009: فقد وضعنا فيها رؤية للمقاومة، رؤية أمل وعدم وقوف أمام المستحيل ورؤية تتسامى فتنظر في إرجاع العدو نفسه إلى الرؤية نفسها، أنه إنسان وكرامته من كرامة الله، وليس الله عدوا لله، ومن ثَمَّ ليس الإنسانُ خليقةُ الله عدوًّا للإنسان، بل صديق وحليف في صنع العدل وفي إعادته. فالمقاومة تقوم أيضًا بإرغام العدو نفسه إلى العودة إلى إنسانيته فيصبح قادرًا على رؤية إنسانية الفلسطيني، فيحرِّر، هو الإسرائيلي، نفسَه من الظلم الذي فيه ويتحرَّر الفلسطيني من الظلم الواقع عليه.  والمقاومة بحاجة إلى تنظيم عاقل حكيم. قد تتطلب بذل الحياة. ولكنها قد تتطلب أيضا المحافظة على الحياة وجعلها قوة حية لمواجهة الاعتداء أو الاحتلال القائم. فعلى المنظِّرين ورجال الفكر أن يجدوا فكرا جديدا في مقاومة مبدعة تحب الحياة وتفضلها على الموت. ولكننا في الوقت نفسه، لا نتردد ببذل الحياة حين يلزم الأمر، بذلًا سخيًّا وحكيما عاقلا.

2 وضع القدس ومقدساتها
القدس، تريد إسرائيل لها أن تكون مدينة يهودية، وتريد القضاء على المقولة: مدينة لشعبين وثلاث ديانات. منذ احتلال القسم الشرقي منها عام 1967 أسرعت إسرائيل إلى إعلانها العاصمة الموحدة الأبدية لدولة إسرائيل. ولم تعترف الدول بقرار إسرائيل، ولكنها لم تصنع شيئا لوقفه ووقف مفاعيله. إذ بدأت إسرائيل بعزم وإصرار بتهويد المدينة وتبديل معالمها. الوضع اليوم: فلسطين تقول إن القدس العربية هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين. والموقف العربي يقول القول نفسه ويقيم المؤتمرات التي تبقي الذكرى والقضية، ولكنها لا تعمل شيئا لوقف التهويد الساري. في كل يوم نسمع اقتلاع عائلة من بيتها وتسكين عائلة يهودية بدلها في صميم الأحياء العربية، وتبنى البيوت لليهود والمجمعات السكنية في قلب القدس وحولها. والقوى العسكرية الإسرائيلية تحمي هذا التبديل. يجب القول إنَّ هناك، في المؤسّسات الفلسطينية الدينية والمدنية وفي قلوب عامة الناس وأفعالها، مقاومةً في كل يوم وكفاحًا مريرًا، ولكن قرارات الترحيل والتهجير وسحب الهويات وحق الإقامة سائر على قدم وساق.
والمقدسات في المدينة المقدسة؟ المقدسات الإسلامية موضوع مطامع إسرائيلية، ظاهرة بصورة مستمرة وتتمثل من حين إلى آخر إما في الحفريات الجارية في مجال الأقصى وإما في اعتداء وإما في اقتحام وزيارات استفزازية للحرم الشريف. والتهديد بتقسيم الحرم أو بالاستيلاء عليه كاملا وبناء الهيكل الثالث هو تصريح علني غير خفي.
أما المقدسات والأوقاف المسيحية فهي مستهدفة ايضا وبطرق متنوعة حيث التشديد في ما يسمونه بالإجراءات الأمنية وبالتنظيم في أيام الاحتفالات الكبرى يُظهِرُ نيَّةً لإبعاد المسيحيين المحليين عن مقدساتهم. هذا بالإضافة إلى عدم حرية الوصول إلى المقدسات للمسلم والمسيحي على السواء. وهناك، منذ سنوات، ظاهرة تطرُّفٍ إسرائيلي تُعرَف باسم "ثمن الانتقام" (Price Tag) أي الانتقام، من قبل المستوطنين، لكل تضييق إسرائيلي على المستوطنات. هي قضية إسرائيلية داخلية بين المستوطنين ودولة إسرائيل. ولكن المستوطنون ينتقمون من العرب، سواء بكتابات تجديفية على دور العبادة المسيحية أو بالاعتداء على أشخاص الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزروعاتهم وحقولهم .وقد كثرت هذه الاعتداءات في الأشهر الأخيرة على عدد من الأماكن المقدسة المسيحية. والسلطات الإسرائيلية الرسمية لا تريد مواجهة هؤلاء وفرض العقوبات اللازمة لوقف إساءاتهم، ناهيك عما تعرضت له بعض الاوقاف المسيحية من مصادرة واستيلاء عليها بطرق ملتوية. وإلى جانب المقدسات، من حيث الحياة اليومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هناك تحركات، هناك حياة عربية ما زالت نابضة وواعية أن أمامها قضية وتتحرك وتنبض بالحياة الدينية والثقافية والفنية. ولكن هناك أيضا تقاعس عربي عام في دعم الحياة العربية في القدس.

الاقتصاد العربي
الاقتصاد والمجتمع العربي مهددان بخطر خبيث هو خطر العدوى الإسرائيلية الاستهلاكية، ومن ثم بخطر ضياع الوعي أن هناك قضية، وتصبح القضية الوحيدة لقمة العيش وحياة مرفهة كيفما جاء الرفاه. وقد أخذ بعض الشباب يغرق في هذا الوضع. وأخذ البعض، ولو عدد قليل حتى الآن، يَقبل التجنُّد في الجيش الإسرائيلي، طلبا لمنافع مادية وفرص عمل تعطى الأفضلية فيها لمن خدم في الجيش.
القدس مدينة مقدسة ومصدر حياة روحية لشعوب العالم: ولكنها أصبحت اليوم مدينة موت – أو نضال- لكل عربي. وإذا استمرت الأمور على ما هي: ستكون فعلا مدينة يهودية لا مسلمة ولا مسيحية، وإسرائيلية فقط لا فلسطينية وعربية.
العمل المطلوب، هنا أيضا، هو الصمود والبقاء، وإبقاء للوعي أن هناك قضية وفي سبيلها يُضحَّى بكل رفاهية حتى بالحياة. ويضاف إلى ذلك كل طرق المقاومة المذكورة أعلاه. والنظر في التقاعس العربي العام. فالأموال العربية، والأموال الفلسطينية نفسها، في فلسطين أو في المهجر، تستطيع أن تعمل الكثير في القدس. ومن التثقيف والتربية، لا بد من تثقيف العربي في القدس حتى لا يفترس أخاه العربي في القدس من حيث السكن والاستبداد في الأجور. رحمة العربي بالعربي. هذه طريقة للاحتفاظ بقدس عربية. والتثقيف على رحابة الفكر والروح التي ترى القدس كما هي: مدينة إسلامية ومسيحية عربية ولكن أيضًا مدينة إيمان لليهودية وللإنسانية. تثقيف العربي في القدس حتى يكون قلبه رحبا يتسع للإنسانية كلها التي تحج إلى القدس في كل يوم ومن كل حدب وصوب ومن كل دين. القدس، كما كان يقول رحمه الله فيصل الحسيني، تسكُنُنا وهي تملكنا، ولسنا نحن الذين نملكها. فيها يقال بحق: الملك لله وكلنا لها. ومن ثَمَّ القدس لنا وللإنسانية. هذه أيضًا طريقة للاحتفاظ بالقدس والبقاء فيها والتوصُّل إلى رؤيتها يومًا عاصمة لفلسطين.

3 وضع الفلسطينيين في إسرائيل (أراضي الخط الاخضر)1948
الوضع العربي في إسرائيل (التي قبل 1967) موجزه أن العرب غير مرغوب فيهم، وأن وجودهم مقبول على مضض. التمييز العنصري بين اليهودي والعربي قائم منذ إنشاء الدولة في ما يختص بالتطوير وفي ما يختص بالقبول في الجامعات أو في فرص العمل. وظهرت مؤخرا ظاهرة إصدار القوانين الرسمية ذات الطابع العنصري تجبر على الاعتراف بالطابع اليهودي للدولة. ومنها أيضا محاولة فرض التجنيد الإجباري على العرب وعلى المسيحيين العرب. وهناك، مع بقاء الوعي الفلسطيني العربي عند الكثيرين ولا سيما في الثقافة الحزبية، هناك ظاهر حيرة في الهوية القومية أو حتى ضياع وذوبان، فتسمع البعض يقولون أنا مسلم إسرائيلي أو أنا مسيحي إسرائيلي وكفى. وهذا الذوبان يتحقق خصوصا في المدن المختلطة مثل الرملة ويافا وغيرها. وفي هذه المدن طلاب وطالبات يؤمّون المدارس الحكومية الإسرائيلية حيث يُعَلَّمون اللغة العبرية فقط ولا يتعلَّمون اللغة العربية ومن ثم أصبح هناك جيل لا يستطيع قراءة العربية.
والظاهرة الصارخة اليوم هي مأساة بدو النقب الذين تُهدَم قراهم المرة تلو المرة بحجة أنها غير قانونية. والآن هم مهدَّدون بالاقتلاع والترحيل من أراضيهم إلى أماكن محصورة، وذلك لإقامة منطقة تطوير يهودية في أراضيهم.
وميزة خاصة بالوسط العربي في إسرائيل هو انعدام الأمن. الوضع الأمني في المدن العربية يخيف الكثيرين. في كثير من القرى الكبيرة أو المدن لا توجد مراكز شرطة وإن وجدت فالشرطة لا تتدخَّل. لا سلطة للردع أو فرض النظام والطمأنينة. بالإضافة إلى تغذية الفتن الطائفية من حين إلى آخر وفي كل مناسبة ممكنة. وهناك مع الأسف نفوس ضعيفة تنجرّ مع هذه الفتن.

4 الوضع المسيحي في سوريا وتأثيره على المنطقة وعلى مسيحيي الشرق
قبل الكلام على أي وضع خاص في سوريا، يجب الكلام على الوضع العام. وأرى فيه أمرين: الأول، نضوج إنساني وسياسي لدى الجماهير السورية المطالبة بحريتها وبحياة كريمة لكل السوريين، ومن ثم إجراء الإصلاحات اللازمة للتوصل إلى ذلك. والأمر الثاني الذي يراه الجميع هو تدخل طرف أو أطراف أجنبية في هذا النضوج فتشوِّهه وتحرِّف مساره وتسير به إلى حال من الفوضى العامة بدلًا من التوجه إلى عهد جديد من الإصلاح وكرامة الإنسان السوري، لحكّامها وشعبها. الثورة السورية مِلك لكل سوريا، وهي وعي يجب أن ينضج لدى حكام سوريا وشعبها معًا. ومن خلال هذا الوعي وهذا النضوج يتمّ التوصل إلى سوريا جديدة تواصل مسيرتها مع شعوب الشرق الأوسط بل مع شعوب العالم لضمان العدل والاستقرار في المنطقة. فتسهم في وضع حد للمأساة الفلسطينية والقضية الفلسطينية الإسرائيلية، وتسهم في العمل الجادّ لولادة وحدة عربية تمهد لوجود اتحاد عربي في شكل سياسي قابل للحياة، ولو بالتدريج، يحتل مكانه بين دول العالم، ويسهم في إقرار العدل والطمأنينة في المنطقة وفي ضمان علاقات مع العالم تبنى على مصالح شعوب المنطقة ورفاهها وليس على حسابها، أو بطرق إبقاء حالة التقسيم والفوضى في ما بينها كما هو الحال الآن وكما يقال مرارا: إنه يراد للمنطقة زيادةٌ من التقسيم وزيادة من الدويلات لإبقاء عالم عربي عاجز عن اتخاذ مكانه في مصاف الدول والشعوب.
بعد هذا الاعتبار العام، أتكلم على المسيحيين في سوريا. من الواضح أن فئات داخلية وأطرافا خارجية بوعيها أو بجهلها الديني، أو بدافعِ مَن يدفعها، استهدَفت الفئة المسيحية، لتشيع الرعب والفوضى في سوريا. كذلك كان الأمر في العراق. كذلك الأمر اليوم في سوريا. هي عناصر توصف عامة بأنها متطرفة، ومن مكونات تطرفها جهل بالإسلام التي تقول إنه تعمل بوحيه ولنشره، وجهلُها بالمسيحيين الذين تُعمِل فيهم القتل وتبث فيهم الرعب وتخيرهم بين الهجرة أو الاهتداء إلى الإسلام أو الموت. السؤال: لمصلحة من تعمل تلك الفئات المجهولة الهوية، في الحقيقة؟ وإننا لنرتعب حين نعلم أنها تعمل بأموال دول ليست جاهلة بل عامرة بالعلم وبرفع لواء الإسلام عاليا. وهي دول أصبحت ضحية للعبة السياسية العالمية في المنطقة، والتي تتحكم بها دول استعمارية تريد شرذمة المنطقة وإلغاءها كقوة إنسانية مثبِّتة لإنسانيتها وكرامتها وكرامة الشعوب العربية كلها.
مصير المسيحيين في هذه الحال هو مصير المنطقة كلها. فإن ماتوا هم أو غابوا غيابا كبيرا عنها مات شيء كثير في المنطقة وغابت عنها مكونات هامة من مكونات المنطقة. ومن ثم قضية المسيحيين في سوريا لا تحصر في كونها قضية مسيحية في سوريا بل هي قضية كل سوريا، وأبعد من سوريا هي قضية العالم العربي ومن ثم العالم الإسلامي. في الإسلام موقف من المسيحيين ليس موقف القتل والتهجير أو الارتداد. بالإضافة إلى مفهوم الإنسان الذي يبرز ويشمل الجميع اليوم، المسلم والمسيحي والدرزي واليهودي وكل إنسان. ومع مفهوم الإنسان، خليقةِ ربه والمتساوي مساواة كاملة بكرامةٍ من ربه، هذه هي الأسس التي عليها تبنى سوريا جديدة وعالم عربي جديد، من خلال كل ثوراته وتحركاته. وهذا هو المفهوم الذي ينظر من خلاله المسيحي السوري وكل مسيحي عربي إلى نفسه، ليضمن بقاءه في وطنه وليضمن مساهمته في بناء وطنه. ويصبح الخلل في العلاقات الطائفية أو الفئوية إحدى التحديات التي عليه أن يواجهها ويقوى عليها هو والإنسان والمواطن المسلم على السواء. ليست المعركة معركة أطراف أو فئات أو طوائف بل هي معركة إنسان عربي ومواطن عربي، المسلم والمسيحي على السواء. كل الثورات العربية اليوم، هذا هو معناها العميق: هل توصِّلُنا فعلا إلى الإنسان والمواطن أم تبقينا في مُوحِل الطائفية وفي مفاهيم خاطئة للدين هي دون الدين وبعيدة عنه ومشوِّهة له، ومانعةٌ عنه سموَّه ونُبلَه ورفعته. لنا جميعا ماض مشترك، ماضي سلم وحرب، ماضي اطمئنان واضطراب، والماضي يبقى ليكون مكانا تؤخذ منه العبر فنتجاوز في الحاضر أخطاء حصلت، ونتجاوز مفاهيم لم تعد صالحة، ونبقى مخلصين للدين كقيمة عليا، قيمةٍ تحترم الإنسان والمواطن على أي دين كان. والمسيحيون ينخرطون في هذا الفكر وفي هذا العمل الذي يقوم بمواجهة مشتركة للتحديات كلها مهما كان فيها من جهل أو عدم نضوج حتى الآن يريق الدماء أو يبث الرعب أو الاضطراب ويُبقِي المجتمع مجتمعات طائفية يباعد ما بين أبناء المجتمع الواحد. المجتمع الجاهل والمتطرف يقول إنه مؤمن ولكنه في الحقيقة "طائفي قاتل" لأخيه إذ لا يرى أنه إنسان ومواطن مثله.
إن التطرف والعنف باسم الدين لا يمثل إلا قوى الشر التي لا تؤمن بالحوار والتعايش والأخوة الانسانية وهو يطال المسلم والمسيحي على السواء وهذا يعني انه يجب ان تتظافر الجهود والتعاون والحوار والتلاقي الاسلامي المسيحي من اجل مواجهة هذة الظاهرة بوعي وحكمة ومسؤولية.

5 العلاقات المسيحية الإسلامية في مواجهة التطرف الديني
وهذا الكلام يفضي بنا إلى قضية العلاقات المسيحية الإسلامية في مواجهة التطرف الديني ودورنا كمؤمنين ومواطنين في قيادة هذه المبادرة وهذا الفكر. القضية الشاملة هي قضية العلاقات المسيحية الإسلامية. هناك قدر كبير من العلاقات الإيجابية والمشتركة والمليئة باحترام الإنسان والمواطن والمؤمن في دينه المختلف عن ديني. وكثيرون وفي مختلف البلدان العربية يشيدون بذلك، وهم على حق، ومن واجبهم أن يعطوا الصورة الصحيحة عمَّا هو قائم. ولكن، - وهنا يجب ألا نخاف من ضعفنا ولا من أخطائنا، ولا من تاريخنا إذا تخللته أخطاء،- ولكن، هناك قدر كبير أيضا من الخلل في العلاقات المسيحية الإسلامية. النفس في مجتمعاتنا طائفية. هناك نفوس سامية نبيلة تتجاوز ذاتها الطائفية فترى الإنسان في الدين المختلف والمؤمن والمواطن وتكرّمه وتوَدُّه وتتعاون معه. ولكن، هناك نفوس غير قادرة على السمو تبقى سجينة طائفيتها. ويجب القول إن المؤسسات العامة تعرف هذا القيد الطائفي وهي غير قادرة على التحرر منه. ومن أهم هذه المؤسسات، المؤسّسة التربوية الدينية فهي تربي مؤمنين طائفيين، منفصلين عن غيرهم، بل يرون في غيرهم غريبًا أو خصمًا أو عونًا مع الخصم. من أجل أن تَصِحَّ مجتمعاتنا العربية الإسلامية والمسيحية لا بد من مراجعة الثوابت التربوية ويجب أن يضاف إليها مكوِّنٌ جديد فيُثبَّت فيها هذا المبدأ: يقال للمسلم: في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، هناك مسلمون وهم إخوة في الإسلام، وهناك غير مسلمين، مسيحيون أو غيرهم، وهم إنسان وإخوة في الإنسانية وهم مواطنون وإخوة في الوطن. وكذلك في التربية المسيحية، يضاف على كل ثوابتها الدينية هذا المبدأ: هناك في المجتمعات العربية مسيحيون وهم إخوة في الدين، وهناك غير مسيحيين، هناك مسلمون وغيرهم، هم إنسان وإخوة في الإنسانية وهم مواطنون وإخوة في الوطن. ويقال للجميع: ليس الوطن قطعة يتقاسمها المواطنون طائفيًّا. الوطن لا يمزق فيصبح أقسامًا تأخذ منها كل طائفة حصتها. الوطن بناء واحد نبنيه معًا وبيت واحد نسكنه معًا جميعًا.
بهذه المفاهيم يمكن مواجهة التطرف أو الفتنة. لأن التطرف مهما كان عفويًّا، وقال إنه يخدم الدين، فإنَّ الخصم ينقضُّ عليه فيجامله ويغذّيه ولكنّه يوجِّهه ويضرم نار خصومته لأخيه بحجة الاختلاف الديني. المتطرِّف أصلا إنسان مؤمن يريد أن يكون مخلصًا لدينه، مخلصًا إلى أقصى الحدود حتى إزالة كل من لا يؤمن مثله. ولكن من يستطيع أن يفتح ذهنه وقلبه؟ هو بحاجة إلى إنارة، وأول الإنارة توعيته على الخصم الذي يجعل منه فتنة. وثاني الإنارة أن الدين لله، ومن آمن بالله كرَّم جميع خلق الله، ولو اختلفوا بالدين.
وهذا قول يجب أن يقال اليوم حيث يوجد حكم لاحزاب إسلامية في بعض الاقطار العربية، وتعمل على فرض أجندتها وبرنامجها على المجتمع بكل من فيه.
ومن ثم قضية العلاقات المسيحية الإسلامية قضية مسيحية وقضية إسلامية وقضية عربية شاملة تشمل المسيحي والمسلم معا. وهي مع كونها قضية دينية إلا أنها تنعكس على حياة المجتمع كله، وهي قضية سياسية يسيسها من يريد أن يجعل منها فتنة بين المواطنين.
وهنا نعتقد بأن هنالك ضرورة ملحة لمبادرات تضم رجال دين ومفكرين ومثقفين لترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية والإخاء الديني ونبذ التطرف بكافة أشكاله وألوانه.

6 المطلوب من العرب والفلسطينيين المغتربين في الولايات المتحدة
المطلوب من العرب والفلسطينيين المغتربين أن يرافقوا فلسطين بواقعها الذي تعيشه اليوم. يفكرون مع أهلها ويعملون معهم. ويكون عملهم موحِّدًا ومؤلِّفًا بين القلوب. لأن في فلسطين انقسامًا كبيرًا ظاهرًا بين الضفة الغربية وغزة، ما عدا الانقسامات الصغرى العديدة. المطلوب من المغتربين أن يكونوا إخوة لكل الفلسطينيين في أي جانب كانوا. وأن ينتقدوا مَن أخطأ، ينتقدون الانتقاد الذي يعالج الخطأ فيبني ويُعِدُّ لبناء فلسطين الدولة.
المطلوب أن يُبقُوا الوعي الفلسطيني حيًّا نابضًا. يُبقون الناس هنا وهناك واعين أنّ هناك قضية، وأن هناك صراعًا، وأن هناك احتلالًا يجب أن ينتهي. مع كل أعمال التنمية والنمو، مع كل عمل للازدهار الاقتصادي يجب أن يبقى وعي الاحتلال وثقلُه حيًّا مزعجًا مقلقًا، إلى أن يزول. مهما حقَّقنا من نجاح في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية يبقى الجرح السياسي الكبير أي الاحتلال نازفًا، ولا بد من وضع حد له، إلى أن يولد الإنسان الفلسطيني السيد والمستقل وصاحب القرار لتحديد مصيره ووضع حد لشتاته واستقبال لاجئيه.
المطلوب منكم أيها الإخوة، وأنتم مشكورون لكل ما تعملون، أن تتابعوا عملكم السياسي، بالرغم من كل مستحيل، وبالرغم من القوى المعارضة وقدرتها، القوى الإسرائيلية والدولية، يجب أن يستمرَّ العمل السياسيّ الفلسطينيّ المؤمن بأنْ لا مستحيل يقف في وجهه. بل كل شيء ممكن: إنهاء الاحتلال ممكن، ووجود فلسطين سيدة ومستقلة ممكن، وممكن أيضًا القدس عاصمتها.
أجدِّد شكري لكم جميعا، أيها السيدات والسادة للدعوة التي وجهتموها إليّ، لألقي فيكم كلمتي هذه باسم إخوتي في فلسطين بل باسم إخوة لي في العالم العربي كله وفي العالم المسيحي في هذا العالم العربي. أشكركم. أشكركم لكل ما عملتم وتعملون حتى الآن لمرافقتنا ومساندتنا في معاناتنا المستمرة، ولتنبهكم ووعيكم أن هناك قضية وأنها مشتركة بيننا، وأنها لا تضيع بين همومكم ومساعيكم الكثيرة، بل هي القضية الدليل لكم حتى تصلوا مع جميع إخوتكم في فلسطين وفي الشتات إلى فلسطين المستقلة والسيدة والمرحبة بالعالم كله، لأننا نعي أن أرضنا أرض مقدسة، فهي أرض للإنسان العربي الفلسطيني وأرض لكل إنسان مؤمن ولكل حاج رأى فيها مهد إيمانه.


التواصل مع الشعوب
وأختم كلمتي بدعوتكم إلى إبقاء التواصل مع أرضكم وأهلكم. وما قلناه في وثيقة "وقفة حق" لكنائس العالم نقوله لكم: تعالوا وانظروا. زوروا الأرض والناس، وعيشوا الواقع والمعاناة والآلام والآمال مدة إقامتكم بيننا، لتعودوا بعد زيارتكم للأرض حاملين لرسالتها في ذاتكم الفلسطينية ومنادين بها. وهنا نود التشديد والتأكيد على أهمية دور المغتربين العرب ليس فقط في الشؤون السياسية بل بالاستثمار في فلسطين ودعم اقتصادها ،كما أن هنالك ضرورة لربط الشباب المغترب وخصوصا الفلسطيني مع فلسطين لأن له أهمية كبيرة في تعزيز الروابط بين أبناء فلسطين.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.79
USD
4.04
EUR
4.72
GBP
235833.09
BTC
0.52
CNY