الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 09:01

هواجس حقوقية في الذكرى ال-65 للتهجير/ بقلم: د. يوسف جبارين

كل العرب
نُشر: 18/05/13 10:31,  حُتلن: 12:31

د.يوسف جبارين في مقاله:

لقد بقي أجدادنا في الوطن ومنذ عام النكبة تضاعف عددنا ما يقارب العشرة أضعاف وصمد أهلنا وتجذروا في وطنهم كالعشرين مستحيل في اللد والرملة والجليل كما في المثلث والنقب

نحن قبل كل شيء مجموعة وطن قومية أصلية عاشت وازدهرت في وطنها كجزء من الأغلبية سوية وأبناء الشعب الفلسطيني في البلاد قبل قيام الدولة وقد تركت نكبة عام 1948 فينا بصمات واضحة المعالم في كل ناحية من حياتنا

لقد فشلت اسرائيل في مخططات تهجيرنا لكنها أمعنت في سياسات التهجير على أرض الواقع في وطننا: تهجير للوطن وللذاكرةوللمواطنة أيضا وهي سياسات من التغريب القسري في الوطن

ترتبط قضية التهجير بقضية المهجرين الفلسطينيين من مواطني الدولة، المهجرين في وطنهم الذين يشكلون ما تقارب نسبته ربع المواطنين الفلسطينيين في البلاد وقضية اراضي المواطنين العرب في النقب وضمان ملكيتهم لها حيث ترفض الحكومات الاسرائيلية الاقرار بهذه الملكية

لم تسلم هويتنا القومية الجماعية من هذا التهجير فجاءت سياسات صهينة مناهج التعليم وإقصاء روايتنا التاريخية والسطو المستمر على ذاكرتنا الجماعية كما وتجلت سياسات التهجير للإقصاء البنيوي العنصري من المواطنة نفسها مثل قوانين المواطنة على أشكالها ورموز الدولة وتحديد المشاركة السياسية ضمن تخوم "يهودية الدولة"

أي سجال حقوقي حول مكانة مجتمعنا الفلسطيني في البلاد يجب أن يسترشد بالمبدأ الحقوقي اذي يقضي بالاعتراف بحقوقنا التاريخية-الجماعية من خلال المطالبة بالإقرار بالظلم التاريخي ضد الجماهير الفلسطينية وبالعمل على إنهاء هذا الظلم ومعالجة عواقبه ضمن مفاهيم العدل التصحيحي – في الأرض والهوية والمواطنة

لقد فشلت اسرائيل في مخططات تهجيرنا الجسدي، لكنها أمعنت في سياسات التهجير على أرض الواقع في وطننا: تهجير للوطن، وللذاكرة، وللمواطنة أيضا. سياسات من التغريب القسري في الوطن.


لم يعد سرا ما كشفه في أكثر من مناسبة قادة اسرائيليون أن القيادة الصهيونية فكرت بجدية عشية النكبة الفلسطينية وقيام اسرائيل إما تهويد العرب الذين بقوا في البلاد (حوالي 150 ألف) وإما تهجيرهم وإبعادهم إلى امريكا الجنوبية، وتحديداً إلى الأرجنتين، من خلال عملية طرد جماعي منهجية. وقد سميت فكرة الطرد هذه بحملة "يوحنان"، وهي عبارة عن "صفقة تبادلية" تقوم بحسبها اسرائيل بجلب يهود أرجنتينيين يقطنون في مساحات واسعة من الاراضي في إقليم البارون، ويسمى مندوسا، مقابل تهجير العرب الذين بقوا داخل حدود الدولة، وخاصة في منطقة الجليل، الى هذه المنطقة. وضمن هذا المخطط قام يتسحاق نافون الذي أشغل مناصب عدة في الدولة (مستشار لبن غوريون وسفير اسرائيل في الأرجنتين) بزيارة الأرجنتين لفحص كافة الإمكانيات هناك وقضى وقتاً طويلاً في محاولة لترتيب كافة الأوراق لهذه الحملة، لكن نافون توصل في النهاية أن الخطة غير قابلة للتنفيذ وغير واقعية البتة.

الوطن
لقد بقي أجدادنا في الوطن ومنذ عام النكبة تضاعف عددنا ما يقارب العشرة أضعاف، صمد أهلنا وتجذروا في وطنهم كالعشرين مستحيل - في اللد والرملة والجليل، كما في المثلث والنقب. إن حقيقة كون الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل أهل البلاد الأصليين، مجموعة وطن، وعلاقتها التاريخية بوطنها، وجدانيًا، وطنيًا، دينيًا وثقافيًا، هي من الأهمية بمكان أن تكون حجر الزاوية في أي حراك نضالي أو خطاب حقوقي حول مكانة المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، سواء في قضايا المساواة اليومية والمدنية في البلاد أو في قضايا الخاصية الجماعية القومية.

المحور التاريخي
وللحقيقة، فإن من سمات الخطاب الحقوقي العالمي الآخذ بالتبلور حول الحماية المنشودة للأقليات القومية والأصلية هو هذا التأكيد المتزايد على المحور التاريخي في رواية وتجربة الشعوب الاصلية، بحيث تجلى هذا التأكيد قبل أقل من ستة أعوام بإعلان عالمي صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة خاص بحقوق الشعوب الأصلية، كان تتويجا لسنوات طويلة من المداولات والسجالات في أروقة الامم المتحدة. وتأتي الحمايات القانونية التي يوفرها هذا الاعلان لتؤكد على قناعاتنا التاريخية المجبولة بتجربتنا على أرض الواقع لأكثر من ستة عقود أن المكانة الحقوقية للجماهير العربية الفلسطينية في البلاد يجب أن يجمع، بشكل جدلي وفي آن واحد، الحقيقتين الحقوقيتين الكامنتين في واقع هذه المجموعة القومية: كوننا أقلية قومية مضطهَدة على نحو بنيوي، وكوننا البقية الباقية من أهل هذه البلاد الأصليين.

بصمات واضحة
نحن، قبل كل شيء، مجموعة وطن قومية أصلية، عاشت وازدهرت في وطنها، كجزء من الأغلبية سوية وأبناء الشعب الفلسطيني في البلاد قبل قيام الدولة. وقد تركت نكبة عام 1948 فينا، كجزء من نصيبنا من نكبة شعبنا، بصمات واضحة المعالم، في كل ناحية من حياتنا. لقد فشلت اسرائيل في مخططات تهجيرنا، لكنها أمعنت في سياسات التهجير على أرض الواقع في وطننا: تهجير للوطن، وللذاكرة، وللمواطنة أيضا. هي سياسات من التغريب القسري في الوطن. وفي صلب هذه السياسات مصادرة ونهب الاراضي من اصحابها العرب الفلسطينيين، وخاصة في العقود الاولى لقيام الدولة، ظلما واجحافا، بحيث فقد العرب ما شكل لهم العمود الفقري لوجودهم، من مصدر رزق، احيانا، وفرص حيوية للبناء والتطوير، احيانا اخرى، واصبحت البلدات العربية (المتبقية بعد عام 1948) شبه جيتوات مخنوقة (اجتماعيا اقتصاديا وثقافيا) من كل جانب. كما وصادرت الدولة الاوقاف الدينية التي تم الاستيلاء عليها من قبل السلطات الاسرائيلية ومصادرة حق ابناء الطائفة الاسلامية بإدارة شؤونها. هذا الى جانب مواصلة السلطات الإسرائيلية المركزية نهب ما تبقى من الاراضي والممتلكات الخاصة بأهلنا في المدن الساحلية ثنائية القومية، اللد والرملة وحيفا ويافا وعكا، وذلك في إطار المخطط المنهجي الرامي إلى محاصرة الوجود العربي في هذه المدن والمس بمعالمه التاريخية والحضارية. كما وترتبط قضية التهجير بقضية المهجرين الفلسطينيين من مواطني الدولة، المهجرين في وطنهم ("الحاضرون الغائبون") الذين يشكلون ما تقارب نسبته ربع المواطنين الفلسطينيين في البلاد، وقضية اراضي المواطنين العرب في النقب وضمان ملكيتهم لها حيث ترفض الحكومات الاسرائيلية الاقرار بهذه الملكية، وذلك اضافة الى عشرات القرى غير المعترف بها التي يشكل سكانها ما تقارب نسبته عُشر المواطنين العرب يحرمون من ابسط الخدمات العامة والظروف الانسانية.

مشاريع
ولم تسلم هويتنا القومية الجماعية من هذا التهجير، فجاءت سياسات صهينة مناهج التعليم وإقصاء روايتنا التاريخية والسطو المستمر على ذاكرتنا الجماعية، كما وتجلت سياسات التهجير للإقصاء البنيوي العنصري من المواطنة نفسها، مثل قوانين المواطنة على أشكالها ورموز الدولة وتحديد المشاركة السياسية ضمن تخوم "يهودية الدولة". وكأن كل هذه القضايا لم تكف المشرع الإسرائيلي، ليتم في هذه الايام طرح مشروع قانون أساس جديدي يسعى الى دسترة التمييز العنصري وتعميقه، وهو مشروع "قانون أساس: إسرائيل - الوطن القومي للشعب اليهودي."

مكانة العرب
ليس فقط أن الدولة لم تعترف بالاستحقاقات الحقوقية الاصلية للأقلية العربية بل أن الخطاب الحقوقي الاسرائيلي استثنى مكانة العرب في البلاد، فها هو الرئيس الاسبق للمحكمة العليا "المتنور" أهرون باراك يحدد تفصيليا الاسس المركزية التي تقوم عليها يهودية الدولة، مؤكدا ان هذه الاسس تشمل: "حق كل يهودي بالهجرة الى دولة اسرائيل، والتي يشكل فيها اليهود اغلبية، العبرية هي اللغة الرسمية والمركزية للدولة، والاعياد والرموز الرئيسية فيها تعكس النهضة القومية للشعب اليهودي، وتراث اسرائيل هو مركب مركزي في التراث الديني والثقافي للدولة". ان هذا النص الرسمي لا يترك منفسحا حقوقيا للمساواة للأقلية العربية في اسرائيل، بل يضع مبدأ المساواة في خانة هامشية لا تتماشى مع مبادئ دمقراطية اساسية. هذا النص يعزّز حالة الفوقية والسيطرة القومية التي تتمتع فيها الاغلبية وذلك على حساب القيم الانسانية الرفيعة.

خاصيات أخلاقية وحقوقية
إن أصلية الأقلية الفلسطينية، وكونها الجزء الباقي من الأغلبية الأصلية، هي في صميم مكانتها ونضالها الحقوقي في البلاد، ولهذه الأقلية الباقية في وطنها خاصيات أخلاقية وحقوقية، لاسيما في قضايا الهوية والأرض والمواطنة، مستمدة من علاقتها العضوية بوطنها ومن حقها التاريخي بالعيش بحرية وبكرامة في هذا الوطن. وقد عبر الاعلان العالمي لحقوق الشعوب الاصلانية عن هذا المبدأ بوضوح وشجاعة. وعلى أساس هذه النظرة الحقوقية الأشمل، فأن أي سجال حقوقي حول مكانة مجتمعنا الفلسطيني في البلاد يجب أن يسترشد، أساسًا، بالمبدأ الحقوقي اذي يقضي بالاعتراف بحقوقنا التاريخية-الجماعية من خلال المطالبة بالإقرار بالظلم التاريخي ضد الجماهير الفلسطينية، وبالعمل على إنهاء هذا الظلم ومعالجة عواقبه ضمن مفاهيم العدل التصحيحي – في الأرض والهوية والمواطنة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة