الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 07:02

الأرض أرضي/ بقلم: رون چيرليتس

كل العرب
نُشر: 14/05/13 11:40,  حُتلن: 14:22

رون چيرليتس في مقاله:

الأرض هي مورد مادي لكنها أيضًا ذات بُعد رمزي هائل

نسبة استعداد المواطنين العرب للتوصل إلى تسوية مع الدولة في مجال الأراضي هي الأقل (فقط 11%) بالمقارنة مع مجالات أخرى

لا يمكن استخدام الأراضي المفتوحة لأجل مجموعة قومية واحدة (اليهود) ونتذكر البيئة عندما نصل إلى المجموعة القومية الثانية (العرب)

يمكن أن ندفع قُدما المساواة والعلاقات الحسنة بين العرب واليهود بواسطة عدة خطوات مثل: توسيع مناطق النفوذ والخرائط الهيكلية لبعض البلدات العربية

في مثل هذه الفترة من كل عام يحيي المواطنون العرب واليهود عددًا من المناسبات القومية والوطنية المختلفة. يوم الاستقلال من ورائنا، يوم النكبة أمامنا وقبل شهر في ذروة عيد الفصح الذي احتفل به المواطنون اليهود، صادف يوم الأرض الذي خرج فيه المواطنون العرب لإطلاق صرخة ضد التمييز وعدم المساواة ولإحياء ذكرى مقتل ستة متظاهرين عرب كانوا قد احتجوا في عام 1976 ضد المصادرة المكثفة للأراضي في الجليل لغرض إقامة بلدات يهودية جديدة.

أحداث يوم الأرض
تغطية وقائع أحداث يوم الأرض في وسائل الإعلام العبرية في إسرائيل كانت ضئيلة للغاية، وتطرقت فقط للمظاهرات وتجاهلت مضمون هذا اليوم والمطالب التي رفعها المواطنون العرب. إن هذا الأمر يدل كما يبدو على عدم رغبة الأكثرية اليهودية في أن تتعامل بصورة حقيقية مع مطالب المواطنين العرب في قضية الأرض.

صورة مركبة لسياسة الحكومة
بعد مرور حوالي أربعين عاما على أحداث يوم الأرض، تبرز أمامنا صورة مركبة لسياسة الحكومة تجاه المواطنين العرب. الى جانب التمييز المتواصل والمنهجي الذي يشمل تقريبا جميع المجالات، هناك أيضا اتجاه ايجابي يشمل جهودا حكومية لجسر الفجوات في مجالات معينة. وهي جهود تمت ترجمتها إلى برامج حكومية أفضت إلى تقليص الفجوات والى إحداث تحسن في الحالة الاجتماعية الاقتصادية للمواطنين العرب. مع الأخذ بعين الاعتبار أن وتيرة تقليص الفجوات هي في غاية البطء، الا أن في هذا الاتجاه الإيجابي تكمن قدرة وفرصة كبيرة. لكن ومن الجهة الأخرى هناك مجالا نجد فيه رفضا شبه مطلق من قبل الحكومة لإحداث تغيير وهو مجال الأراضي.
هنا لا بد من إيراد خلفية لهذه القضية: ففور إقامة الدولة وقعت مصادرة مكثفة لأراضي لاجئي الداخل الذين بقوا مواطنين دون أرض، ولاحقا، حتى السبعينات، تمت مصادرة الكثير من الأراضي من أجل إقامة وتطوير البلدات اليهودية. فمنذ عام 1948 وحتى يومنا هذا كبُرت المجموعتان القوميتان بنفس النسبة (والتي تتراوح بين 8 و 10 أضعاف) غير أن الدولة أقامت 700(!) بلدة جديدة لليهود (بما في ذلك مدن جديدة) ولم تقم أية بلدة للمواطنين العرب، اذا ما استثنينا البلدات الدائمة التي أقيمت للبدو الذين تم إخلاؤهم من أراضيهم في النقب. كما تتم اليوم إقامة مدينة جديدة في قلب وادي عارة – مدينة حريش- للمواطنين اليهود فقط.

الأرض
إن الأرض هي مورد مادي، لكنها أيضًا ذات بُعد رمزي هائل. فقد نشأ الجمهور اليهودي في ضوء كلمات الشاعر الكسندر بن الذي جاء في قصيدة له: "ريح شديدة أثارت حرارتك القائظة وقد تحولت إلى قرينتي بفضل الدماء المسفوكة، فعلاقتي بك، أرض إسرائيل هي علاقة دم". وفي المقابل، في قصيدة الأرض" للشاعر الفلسطيني محمود درويش، يقول: " وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض، في شهر آذار تنتشر الأرض فينا".
القصائد والسرديات تترجم إلى مواقف. في استطلاع للمواقف قامت به جمعية سيكوي وُجد أن نسبة استعداد المواطنين العرب للتوصل إلى تسوية مع الدولة في مجال الأراضي هي الأقل (فقط 11%) بالمقارنة مع مجالات أخرى حيث الاستعداد للتوصل إلى تسوية أكبر – الطابع اليهودي للدولة (18%) وقضية الخدمة الوطنية (28%).

تصحيح التمييز
لكن محاولات المواطنين العرب لتصحيح التمييز في قضية الأرض تواجه بالرفض. وعليه فإن السلطة تتعنت وترفض التوصل الى تسوية في القضية الأهم والأكثر حرقة بالنسبة للمواطنين العرب والتي تعتبر جرحا نازفا بالنسبة لهم وهذا خطأ فادح من قبل السلطة. يمكن أن ندفع قُدما، بصورة ملموسة وحقيقية، المساواة والعلاقات الحسنة بين العرب واليهود بواسطة عدة خطوات مثل: توسيع مناطق النفوذ والخرائط الهيكلية لبعض البلدات العربية، الوفاء بتعهد الحكومة وقرار المحكمة العليا بالسماح لأهالي اقرث وبرعم بالعودة إلى قريتيهم، إعداد خطة لبناء مدينة عربية جديدة في الجليل، إقامة عدة بلدات عربية جماهيرية وحتى إعادة أراض لقسم من لاجئي الداخل.

الصراع العربي اليهودي
أنا لا أتجاهل كون إسرائيل دولة صغيرة يستحسن حماية الأراضي المفتوحة فيها، وتشجيع البناء متعدد الطوابق وعدم إقامة بلدات جديدة. لكن، من الجهة الأخرى لا يمكن استخدام الأراضي المفتوحة لأجل مجموعة قومية واحدة (اليهود) ونتذكر البيئة عندما نصل إلى المجموعة القومية الثانية (العرب). أنا لا أتساذج أيضًا. الصراع العربي اليهودي هو نزاع على الأرض وكل خطوة في هذا المجال هي مس للعصب الأكثر حساسية في هذا الصراع. الأكثرية اليهودية تخشى بأن تكون كلّ خطوة في هذا المجال عبارة عن مدخل لـ "سيطرة" المواطنين العرب على الأرض والمسّ بمصلحة الجمهور اليهودي. لكن العكس تماما هو الصحيح. فالوضع الراهن ليس مجرد غير عادل، وإنما هو أيضا بمثابة برميل بارود بين العرب واليهود قابل للاشتعال أية لحظة في قلب الحيز المشترك الذي نتقاسمه. المواطن العربي الذي يرى بقلب مفطور أرضه التي صودرت منه دون استصلاح وقاحلة هو مواطن مجروح في كرامته. يجب استبدال الصراع القومي على الأرض بتحويلها إلى مورد لجميع المواطنين. ستشكّل خطوات ملموسة، تبني الثقة وتغيّر الواقع في هذا المجال، وإن كانت بعيدة عن تحقيق جميع أمنيات المواطنين العرب، أساسًا ومدخلًا لمصالحة تاريخية بين المواطنين العرب واليهود في الدولة. بالذات في هذه القضية الحساسة تكمن الفرصة المواتية لنا جميعا.
إننا نتواجد في فترة يحيي فيها المواطنون العرب واليهود الفصح، يوم الأرض، يوم الاستقلال ويوم النكبة. في هذه المناسبات، يتناول الشعبان أسئلة حول العلاقة العميقة مع الوطن. لقد حان الوقت لنتيح لأنفسنا أن نرى في هذه البلاد ليس فقط ميدانا للصراع القومي وإنما وطنا مشتركا يمكننا أن نحوله من خلال تنازلات مؤلمة وجهود بناء مشتركة وهائلة من كلا الطرفين إلى مكان جيد يرغب أولادنا العيش فيه. لا يوجد لدينا سبيل آخر ولا بلاد أخرى.


(نشر هذا المقال بالعبرية في صحيفة هآرتس بتاريخ 28.03.2013)

الكاتب هو مدير عام شريك في جمعية سيكوي لدعم المساواة المدنية

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة