الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 08:01

الهايتيك في المجتمع العربي مشروع تعزيز لوجودنا ليس أقل

كل العرب
نُشر: 03/04/13 10:27,  حُتلن: 10:22

سامي سعدي في مقاله:

نحن نشكل 22% من المواطنين لكننا نسهم ب 8% فقط من الناتج القومي 7% فقط من المصالح في اسرائيل هي مصالح عربية

لنا الحق أن نفتخر أنه في السنوات الخمس الاخيرة كان هناك تضاعف لوجود الهايتيك في المجتمع العربي الا أن ذلك غير كافي

الصناعة تنتعش حقاً بفعل العقول البشرية المستمرة بالتطوير والابتكار لكن الى جانبها يقف الدعم الحكومي والذي يعتبر الاعلى في العالم كذلك

الولايات المتحدة تخصص ما لا يقل عن 6% من ناتجها القومي والذي يساوي 550 مليار دولار سنوياً، للاستثمار وتشجيع الصناعات التكنولوجية

الصناعات الحربية الاسرائيلية وضعت حجر الاساس لهذه الصناعة وخرًّجت الآلاف من المهندسين والمتخصصين الى سوق العمل المحلي والعالمي

شركة انتيل وحدها تساهم ب 10% من الصادرات الصناعية الاسرائيلية و 20% من صادرات الهايتيك الاسرائيلي وبلغت صادراتها عام 2012 ما يعادل 4.6 مليار دولار

المتأمل في الصورة الاقتصادية العالمية لا بد الا أن يلحظ الدور المتقدم الذي تحل به صناعة التكنولوجيا المتطورة، والتي باتت تحتل بلا منازع المركز الاول في العالم من الناحية الاقتصادية، لتسبق بذلك صناعات النفط والسيارات اللتين تحلان في المركز الثاني والثالث، حيث يقدر نصيب الصناعة التكنولوجية من مجمل الناتج القومي العالمي ب *5 ترليون دولار سنوياً، فيما يقدر جزء صناعة النفط ب 3 ترليون دولار وصناعة السيارات 1.5 ترليون دولار.

النمو الاقتصادي
وتتصدر العالم بذلك الولايات المتحدة الامريكية، التي يعود 30% من نموها الاقتصادي الى صناعة الهايتيك. الا أن هذه الصدارة التي تسجلها الولايات المتحدة لا تقتصر على جني المردود فحسب، فهذه الصناعة تنتعش حقاً بفعل العقول البشرية المستمرة بالتطوير والابتكار، لكن الى جانبها يقف الدعم الحكومي والذي يعتبر الاعلى في العالم كذلك، اذ تخصص الولايات المتحدة ما لا يقل عن 6% من ناتجها القومي والذي يساوي 550 مليار دولار سنوياً، للاستثمار وتشجيع الصناعات التكنولوجية.

معجزة صناعة الهايتيك
وبالطبع اسرائيل لم تتخلف عن هذا الحقل بل على العكس، فقد باتت معجزة في صناعة الهايتيك العالمية، وهي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مجال الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وهي ثاني أكبر مركز للتطوير بعد وادي السيليكون في كاليفورنيا، واليوم الهايتيك هو الدولاب الاساسي الذي يدفع بعجلة الاقتصاد والنمو في اسرائيل، حيث وصل مجمل انتاج صناعة الهايتيك في العام 2012 الى 25 مليار دولار اي ما يعادل 50% من صادرات الصناعة في اسرائيل، اضافة الى النمو السنوي بمعدل 15% سنوياً. رغم أن عدد المشتغلين في صناعة الهايتيك في اسرائيل هو 233 ألف موظف ومهندس يشكلون 7% من الاجيرين في الدولة فقط، الا انهم يساهمون في نصف صادرات اسرائيل الصناعية، وبذلك يجسد نموذج الهايتيك الاسرائيلي المعادلة الصعبة، حينما تنجح الموارد البشرية حيث تفتقد الموارد الطبيعية.

الصناعات الحربية الاسرائيلية
لا أن اسرائيل لم تبلغ هذا المنزلة بين ليلة وضحاها، مراحل واسباب عدة ساهمت في تطور وتميز هذه الصناعة منذ بدايتها عام 1962، والتي نحاول من خلال هذا المقال دراستها وتسليط الضوء على مكاننا كمجتمع عربي في قاطرة الهايتيك المحلية والعالمية. من ناحية اولى لا يمكن الانكار أن الصناعات الحربية الاسرائيلية وضعت حجر الاساس لهذه الصناعة، وخرًّجت الآلاف من المهندسين والمتخصصين الى سوق العمل المحلي والعالمي، الا أنه ومنذ نهاية الثمانينات بدأ الاتجاه بالتحول اكثر الى التكنولوجيا ذات الطابع المدني، اليوم في اسرائيل اكثر من 3500 شركة في مجال الهايتيك، تعد 500 شركة من بينها من الشركات الكبرى (حجم مبيعاتها السنوية يفوق ال 20 مليون دولار)، وتقسم تخصصات هذه الشركات على النحو التالي: 1050 شركة في مجال الانترنت، 1010 شركات في مجال تطوير البرمجة، 710 شركة في مجال الاتصالات، 400 شركة ستارتاب، 413 شركة في مجال التكنولوجيا الطبية.

شركة انتيل
من ضمن العدد الهائل للشركات في اسرائيل، هناك عشرات الشركات العالمية، التي تواصلت مع حمى الهايتيك الاسرائيلي وافتتحت العديد من مراكز التطوير والفروع مثل IBM و INTEL و MICROSOFT و Apple التي افتتحت مركزها في حيفا السنة الماضية. ولو نظرنا الى تأثير شركة انتيل خصوصاً كشركة عالمية رائدة، نجد أن دخولها الى السوق الاسرائيلي منذ نهاية الثمانينات، شق الطريق لقدوم العشرات من الشركات العالمية والتي هيئت الى جانبها نشوء عشرات ومئات الشركات الاسرائيلية الجديدة، فشركة انتيل وحدها تساهم ب 10% من الصادرات الصناعية الاسرائيلية، و 20% من صادرات الهايتيك الاسرائيلي، وبلغت صادراتها عام 2012 ما يعادل 4.6 مليار دولار، وتوظف الشركة اليوم 8500 عامل في البلاد، ولها تأثير غير مباشر على 23000 عامل آخر في صناعة الهايتيك.

نموذج الهايتيك الاسرائيلي
عامل هام أخر ساهم في تعزيز صناعة الهايتيك الاسرائيلية وترسيخ قدرتها على مجاراة الدول الاخرى، كان ضخ دفعة كبيرة من المهندسين والعلماء، من المهاجرين الروس لصناعة الهايتيك الاسرائيلية في بداية التسعينات، حيث بات من المعروف ان عماد هذه الصناعة هي الكوادر البشرية المؤهلة، وهناك من يعتقد ان الهجرة الروسية انقذت الهايتيك الاسرائيلي حينها. 
ولفهم نموذج الهايتيك الاسرائيلي من المهم أن نعرف ان نسبة المهندسين في اسرائيل عامةً، هي نسبة فائقة عالميًا وتتجاوز النسبة في الولايات المتحدة واليابان، إذ أن نسبة المهندسين والعلماء في اسرائيل هي 135 لكل 10 آلاف نسمة مقابل 85 في الولايات المتحدة و 75 في اليابان، ولكن الاهم من هذه النسبة هو عقلية المبادرة والتجديد التي فسر بها الكتاب المعروف "أُمة الستارت أب" سر الهايتيك الاسرائيلي.

الاستثمار والدعم المتواصل
اضافة لكل هذه الظروف التي مكنت هذا الاقتصاد نصل الى الشرط الاهم، وهو الاستثمار والدعم المتواصل والمتعمد من قبل الحكومة لهذه الصناعة، اذ تحتل اسرائيل المكان الاول بين دول ال OECD من حيث الاستثمار في البحث والتطوير ويصل هذا الاستثمار الى 4.7% من مجمل الناتج القومي، أي أن هذه الصناعة ما كان من الممكن ان تنمو دون التشجيع الحكومي الذي وفر الغطاء والتمويل للوصول الى هذه النتائج بشتى الطرق.

ومن هنا ننتقل انتقالة حادة لمقارنة اوضاع مجتمعنا مقابل ما ذكر، وأين نحن من كل هذا؟
من ناحية عامة نحن نشكل 22% من المواطنين لكننا نسهم ب 8% فقط من الناتج القومي، 7% فقط من المصالح في اسرائيل هي مصالح عربية. وعلى صعيد الهايتيك ورغم الانتقالة الكبيرة التي حققناها خلال السنوات الخمس الماضية وبالذات في مدينة الناصرة، لا نزال في مواقع متأخرة أكان في التوجه والمبادرة للهايتيك ام بتلقي الدعم الحكومي ام في في دراسة العلوم الدقيقة والتكنولوجية. فاليوم نسبة الطلاب العرب للقب لاول في الجامعات الاسرائيلية تبلغ 12% من الطلاب، منهم 7% فقط يدرسون العلوم الدقيقة، هناك 15 حديقة ومنطقة صناعية مخصصة للصناعة المتقدمة في البلاد لكن لا يوجد اي منها في المجتمع العربي، عدد المهندسين العرب في صناعة الهايتيك لا يزيد عن 1% من العاملين في هذه الصناعة، ونسبة الشركات العربية في مجال الهايتيك تكاد لا تظهر، ومن بين ال 500 شركة الكبرى لا توجد اي شركة عربية، والنصيب من ميزانية البحث والتطوير التي تقدمها الدولة وتتميز بها اسرائيل عن دول ال OECD قد يكون مجهري الصغر.

صغر مجتمعنا العربي
وبالرغم من ذلك فإن صغر مجتمعنا العربي، واقتصادنا في الداخل بكل محدوديته مقارنة بالاقتصاد الاسرائيلي أو العالمي، لا يعني بأي شكل من الاشكال التقوقع داخل هذه المحدوديات والتوقف عن الطموح والتطلع لما هو أفضل، أن الحلم بإنشاء صناعة هايتيك منتجة وفعالة في داخل المجتمع العربي، ليست ضربا من الخيال او من المحال، وهذا المسار قد بدأ بالفعل وعلى عدة اصعدة، هناك عدة شركات عربية جديدة دُشنت في السنوات الماضية، مئات المهندسين العرب تم توظيفهم في شركات هايتيك عربية واسرائيلية، شركات عالمية اصبحت ترى الناصرة كمكان محتمل لافتتاح مراكز تطوير... ولنا الحق أن نفتخر أنه في السنوات الخمس الاخيرة كان هناك تضاعف لوجود الهايتيك في المجتمع العربي، الا أن ذلك غير كافي.

علينا اتخاذ خطوات جدية وعملية في المرحلة الحالية لاستمرار هذا المسار من خلال المجالات التالية :

- تكثيف دراسة العلوم الدقيقة من خلال المطالبة بإجراء تعديلات في مجلس العالي للتعليم، من حيث دعم وتشجيع التخصص في مجالات العلوم الدقيقة والهندسة للطلاب العرب معنويا وماديًا، فنسبة الطلاب العرب الدارسين لمجالات التكنولوجيا لا تزال قليلة، اذ يلجأ الطلاب العرب الى الخيارات التقليدية للدراسة بسبب الخوف من البطالة او بسبب عدم الوعي لامكانيات السوق او بسبب عدم دعم ومساعدة للتأقلم خلال الدراسة المضنية لهذا المجال.
- الاستمرار في دمج الخريجين العرب في شركات الهايتيك، للوصول الى آلاف الموظفين الذين من شأنهم جذب الآخرين والتطور من هناك الى مجالات المبادرة والاستثمار الحر، فبرغم من مضاعفة عدد الاكاديميين العرب في الشركات مؤخرًا، لا يزال مئات والاف الاكاديميين العرب الملائمين للعمل في هذه الصناعة خارجها.
- المطالبة والنضال للحصول على الاستثمارات الحكومية، والوصول الى منطقتين صناعيتين للهايتيك على الاقل في المناطق العربية، خلال الخمس سنوات القادمة، فكما اسلفنا المعجزة الاسرائيلية في الهايتيك لم تحصل لوحدها، وكان لها نصير كبير هو الدعم الحكومي، فليس لنا من الرفاهية ما يكفي لنتجاهل حقنا وحصتنا في هذا الاستثمار والتمويل.
- توجيه رؤوس اموال عربية الى هذه الصناعة، من خلال رفع الوعي لدى المستثمرين العرب، بضرورة خوض هذا المضمار وعدم الانكفاء في الصناعات والمنتجات التقليدية.

تطوير صناعة الهايتيك
وفي هذا الدور نشطت وتنشط مؤسسة "تسوفن" مراكز التكنولوجيا العليا في السنوات الخمس السابقة، من خلال الربط بين اربع محاور اساسية لتطوير صناعة الهايتيك في المجتمع العربي، وهي الاكاديميين العرب، شركات الهايتيك، السلطات المحلية ومحور الدعم الحكومي، تجسيدًا للرؤية ان المجتمع العربي مجبر على تغيير التفكير النمطي في المجال الاقتصادي وضرورة التحاقه بركب الصناعة المتقدمة، صناعة المستقبل والمحور الذي بات يحرك العالم.
هذه المسيرة بدأت، وبتنا نلمس بعض ثمارها في مجتمعنا، ولا تنقصنا العقول ولا الخبرات، لكننا نقف اليوم في مفصل مهم، لقد اثبتت صحة النظرية، لكننا نحتاج الى ان يشاركنا لمجتمعنا العربي في هذه الرؤية كمشروع لتعزيز وجودنا وصمودنا وليس أقل.

*1 ترليون = 1000 مليار

* الكاتب مدير ومؤسس مشارك في تسوفن - مراكز التكنولوجيا العليا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة