الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 20:02

دومينو التعليم العالي: بين المعيقات وفرص التغيير/ بقلم: د. يوسف جبارين

كل العرب
نُشر: 09/03/13 10:56,  حُتلن: 11:58

د. يوسف جبارين في مقاله:

المطلوب هو بالاعتراف بلجان الطلاب العرب أمام المؤسسات المختلفة وضمان شراكتها في اتخاذ القرارات

تكمن حاجة جهاز التعليم العالي في إسرائيل إلى تبني توجه التعددية الثقافية الجوهرية في مجمل المنظومة التعليمية الاجتماعية والثقافية في الحرم الجامعي

يجب العمل على توسيع وتعزيز الأطر الداعمة للتعليم العالي بين الطلاب العرب مثل تبني برامج تساهم في تخفيف حدة اندماج الطلاب العرب وتأقلمهم في الجو الجامعي

على الجهاز التعليمي العالي العمل بمثابرة من اجل فتح آفاق تعليمية جديدة للطلاب العرب وهذا يحتم الاعتراف بالمؤسسة الأكاديمية في الناصرة ككلية مدعومة ماديًا من مجلس التعليم العالي

الفجوة بين معدلات البسيخومتري والقبول للجامعات بين "المجموعات القوية" و"المجموعات المستضعفة" هو أكبر بكثير من الفجوة في النجاح الأكاديمي بين هاتين المجموعتين خلال التعليم الجامعي

يشكل التعليم العالي بالنسبة للمجتمع العربي أداة الحراك المركزية وربما الوحيدة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لكن قلة تمثيل الطلاب العرب في مؤسسات التعليم العالي هي ظاهرة تلازم التعليم العالي في البلاد منذ قيام الدولة. تشكل الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل حوالي 18% من مجمل مواطني الدولة، وحوالي 25% من طلاب المدارس. ولكن تمثيلها في جهاز التعليم العالي أقل من ذلك بكثير. فحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية، شكل الطلاب العرب في السنة الدراسية 2008، على سبيل المثال، ما نسبته 11,8% من مجمل طلاب اللقب الأول في الجامعات (لا يشمل الجامعة المفتوحة)، وشكّلوا 6,4% من طلاب القب الثاني، و3,5% من طلاب اللقب الثالث. تظهر نفس الصورة عند فحص معطيات الخريجين في الجامعات: في نفس السنة كان 8,7% من الحاصلين على اللقب الأول عربا، بينما وصلت نسبتهم إلى 5,3% في اللقب الثاني و2,8% في اللقب الثالث. أما نسبة الطاقم الأكاديمي العربي في الجامعات فمتدنية جدًا وتصل إلى أقل من 2% من مجمل المحاضرين في الجامعات.

"دومينو" من المعيقات
يمر الطلاب العرب قبل وخلال دخولهم لمؤسسات التعليم العالي بسلسلة من المعيقات والتي تبدأ من بداية تفكيرهم بإكمال دراستهم العليا، مرورا بقبولهم لمؤسسات التعليم العالي وانتهاء بتخرجهم واندماجهم في سوق العمل الذي يشكل أيضًا تحديًا أمامهم، وذلك من خلال البحث عن عمل يتلاءم مع التخصّص الذي تخرج منه الطالب العربي. تتفاعل هذه المعيقات مع بعضها البعض، بمعنى أنّ إحداها غير منفصل عن الآخر، فكل واحد يتأثر بالذي سبقه ويؤثر على الذي يليه، وتزداد الأمور تعقيدًا بالنسبة للطالب العربي في حالة التقاء كل هذه المعيقات دفعة واحدة. إنّ هذه الصورة المركبة هامة في تحليل حالة الطلاب العرب لأن معالجة كل واحد من هذه المعيقات تحتاج إلى موارد مختلفة، ولكن في حالة تكتل هذه المعيقات دفعة واحدة فان الأمر يحتاج إلى موارد أكبر لان تأثير كل معيق يصبح أكبر عند تفاعله مع معيقات أخرى. وهكذا، تُنتج هذه المعيقات فعليا ظاهرة "دومينو" من المعيقات، تتفاعل مع فرص اندماج الطلاب العرب في التعليم العالي، وفرص النجاح، والإنفاقات المالية، وغيرها. إن التعمق في فهم تحديات دخول واندماج الطلاب العرب في جهاز التعليم العالي في إسرائيل، والوقوف على مميزات هذه التحديات وتفكيكها، يقودنا إلى تناول وتداول عدة توجهات وسياسات عمل أساسية بغية توسيع منالية التعليم العالي العربي وتحسين عملية تأقلمهم واندماجهم فيها. وفي جوهر هذا الطروحات تكمن حاجة جهاز التعليم العالي في إسرائيل إلى تبني توجه التعددية الثقافية الجوهرية في مجمل المنظومة التعليمية، الاجتماعية والثقافية في الحرم الجامعي. ومن اجل تحقيق هذه التحول الحقيقي تكمن الحاجة لعملية انتقال جادة من تبني هذا التوجه على المستوى التصريحي فقط إلى المستوى العملي والسياساتي في منظومة عمل وممارسات مؤسسات التعليمي العالي.

شرعية البسيخومتري
ومما لا شك فيه انه من أجل تبني أي توجه شمولي نحو التعليم العالي العربي في البلاد فهنالك حاجة أولية في هذا السياق إلى الاهتمام في التعليم العربي دون الجامعي، إلى جانب العمل المطلوب أمام مؤسسات التعليم العالي. ففي المراحل التي تسبق التعليم العالي، هناك حاجة للعمل على تحسين طرق التدريس في المدارس العربية، ومنها العمل على التوعية لأهمية التعليم العالي وإلحاق ذلك بفعاليات وسياسات تربوية داعمة لهذا التوجه في المدارس العربية. ومن اجل ذلك يجب تعزيز الطاقم التدريسي في كل مدرسة ومدرسة، ومأسسة نظام توجيه تعليمي وأكاديمي للتعليم العالي وتوسيع وتعميق اللقاءات مع مؤسسات التعليم العالي في المراحل التي تسبق التعليم الجامعي. كما ويتوجب إدخال ساعات تعليمية تحضر الطلاب لامتحان البسيخومتري وطرق التدريس الأكاديمية.
بالنسبة لامتحان البسيخومتري، فالامتحان يشكل عائقًا أساسيًا أمام منالية التعليم العالي بسبب انحيازه الثقافي الواضح نحو التوجه الغربي الانجلوسكسوني، حيث تتم أيضا ترجمة جزء كبير من الامتحان باللغة العربية بشكل حرفي عن النص العبري فتزيد عملية الترجمة من انحيازه الثقافي الموجود أصلا لصالح الطلاب اليهود، الامر الذي يكرس الفجوة القائمة بين معدل الطلاب العرب في الامتحان ومعدل الطلاب اليهود والتي تصل الى أكثر من 110 علامة. ونجد أن امتحان البسيخومتري هو العامل الأساسي لرفض الكثير من المتسجّلين العرب للجامعات، حيث يتم رفض ما نسبته تقريبا ضعف نسبة المتسجلين اليهود. من الأهمية بمكان الإشارة إلى إنّ شرعية البسيخومتري قائمة على قدرته على التنبؤ بالنجاح في التعليم الجامعي. إلا أنّ في الأبحاث العلمية تشير في حقيقة الأمر إلى أنّ الفجوة بين معدلات البسيخومتري والقبول للجامعات بين "المجموعات القوية" و"المجموعات المستضعفة" هو أكبر بكثير من الفجوة في النجاح الأكاديمي بين هاتين المجموعتين خلال التعليم الجامعي، الامر الذي يدل بوضوح على محدودية قدرة الامتحان على تنبؤ بفرص النجاح.


التعددية الثقافية الجوهرية
أما في المراحل اللاحقة، المتعلقة بفترة الانتقال من المدرسة إلى الجامعة، فيجب العمل على توسيع وتعزيز الأطر الداعمة للتعليم العالي بين الطلاب العرب، مثل تبني برامج تساهم في تخفيف حدة اندماج الطلاب العرب وتأقلمهم في الجو الجامعي لمساعدة الطلاب على تجاوز التوترات المتعلقة بفترة الانتقال من المدرسة إلى الجامعة. في هذا السياق، وعلى مدار التعليم الجامعي، يجب تعزيز وتوسيع الدعم التعليمي للطلاب العرب في المساقات العلمية المختلفة، تمديد الوقت المخصص في الامتحانات والوظائف البيتية وإعطاء فرصة وموعد ثالث للطلاب العرب. وفي نفس الوقت العمل على تشجيع مناخ تعددية ثقافية حقيقية من خلال فتح مساقات تدريبية ومهارات باللغة العربية وتفعيل مركز للدعم في الكتابة البحثية من أجل تمكين الطلاب العرب من إنتاج معرفي أيضا باللغة العربية كما اللغة العبرية، وزيادة منالية الطلاب العرب، لغويا وثقافيا، لكل الأطر الداعمة في الجامعة والمخصصة لشرائح اجتماعية أخرى.

فتح آفاق تعليمية جديدة
غياب الملاءمة الثقافية للبيئة المؤسساتية خلال التعليم تتجسد في الكثير من المستويات، مثلا، لا تأخذ الأجندة السنوية للجامعات بعين الاعتبار الأعياد والمناسبات الدينية أو القومية للطلاب العرب، كما أن المؤسسات نفسها لا تملك سياسة مؤسساتية واضحة ومنظمة تتعاطى مع الخصوصيات والاحتياجات الجماعية للطلاب العرب. لا بل أن بعض سياساتها تساهم في اقصاء الطلاب العرب، فمثلا، يشكّل سنّ المتقدم للتعليم أحد المعيقات التي تضعها الجامعات في بالعديد من الكليات أمام قبول الطلاب العرب، ويؤدي هذا المعيق إلى المساس بمساواة المتقدمين العرب على وجه الخصوص. من أجل تحسين وتطوير مناخ تعليمي يشجع على التعددية الثقافية الجوهرية، على المؤسسات والجهاز التعليمي تنفيذ برامج تتلاءم ثقافيًا مع الطلاب العرب والعمل على تقييم ونقد نجاحها من خلال تحديد معايير واضحة لذلك. على المؤسسات العمل على إلغاء كل سياسات التمييز، من ناحية، والمبادرة إلى خلق مبادرات تساهم في دمج ناجح وفعال للطلاب العرب في الأقسام والكليات والمؤسسات الأكاديمية المختلفة. هذا بالإضافة إلى العمل على توسيع طاقم المحاضرين العرب، والاعتراف والتعاون مع ممثلي الطلاب العرب في عملية وضع السياسات المؤسساتية، وخاصة تلك المتعلقة بالطلاب العرب. على الجهاز التعليمي العالي بالعمل بمثابرة من اجل فتح آفاق تعليمية جديدة للطلاب العرب، وهذا يحتم على المؤسسات المعنية في هذا السياق الاعتراف بالمؤسسة الأكاديمية في الناصرة ككلية مدعومة ماديًا من مجلس التعليم العالي. لقد فتحت المؤسسة الأكاديمية في الناصرة أبوابها للطلاب العرب قبل ثلاث سنوات، وهي المؤسسة الأكاديمية الوحيدة الموجودة في بلدة عربية والذي تدار في أغلب الأحيان باللغة العربية ومن قبل مهنيين عرب، وبدعم متواصل من بلدية الناصرة. ومما لا شك فيه أنّ استكمال عملية الاعتراف بالكلية من خلال تمويلها الكامل يعتبر فرصة إضافية لتعزيز بيئة داعمة للتعليم العالي والتغلب على الكثير من المعيقات التي ذكرناها آنفًا.

تمثيل الطلاب العرب
بالإضافة إلى كل ذلك، فإنّ عدم اعتراف غالبية المؤسسات الأكاديمية بلجان الطلاب العرب المنتخبة (بخلاف مكانة نقابات الطلاب العامة)، يشكل عائقًا إضافيًا أمام الطلاب العرب. إنّ سياسة عدم الاعتراف بلجان الطلاب العرب تمس بتمثيل قضايا وحقوق الطلاب العرب الذين يحتاجون إلى مثل هذا التمثيل الجماعي أكثر من طلاب الأكثرية اليهود، إذ تنشط لجان الطلاب العرب من أجل تحصيل حقوق الطلاب العرب ومعالجة قضاياهم الجماعية.  وما زال تمثيل الطلاب العرب في الهيئات التمثيلية العامة للطلاب في إسرائيل هامشيًا جدًا. ويصحّ هذا بالنسبة للاتحاد العام للطلاب الجامعيين وكذلك بالنسبة للنقابات الطلابية في كل جامعة وكلية. صحيحٌ أنّه يُفترض بهذه النقابات أن تمثل احتياجات الطلاب جميعًا، لكن لدى الطلاب العرب قضايا ذات خاصيّة ويبدو أنّ هذه النقابات بعيدة من أن تتجاوب معها. إنّ المطلوب هو بالاعتراف بلجان الطلاب العرب أمام المؤسسات المختلفة وضمان شراكتها في اتخاذ القرارات. وعلى مؤسسات التعليم العالي أن تتيح إجراء انتخابات للجان الطلاب العرب والاعتراف بها كجسم يمثل القضايا ذات الخاصيّة للطلاب العرب. ومن المفروض أيضًا تحصين تمثيل للجنة الطلاب العرب في اللجنة الإدارية لكل نقابة طلاب عامة، وكذلك أن يكون رئيس الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب عضوًا محصّنًا في رئاسة الاتحاد العام للطلاب الجامعيين. وبالإضافة إلى ذلك، ولغرض تعزيز شراكة الطلاب العرب في اتخاذا القرارات المتعلقة بجهاز التعليم العالي، من الاهمية بمكان تعيين رئيس الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب عضوًا في مجلس التعليم العالي.

د. يوسف جبارين - محاضر جامعي، ورئيس مركز دراسات، المركز العربي للحقوق والسياسات

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة