الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 19:02

هل الاختلاف في وجهات النظر يفسد للود قضية؟!/بقلم:الشيخ ناصر دراوشة

كل العرب
نُشر: 26/01/13 13:26,  حُتلن: 17:08

قيل: "أن اختلاف العلماء رحمة ".. طبعاً ما لم تتحكم فيهم الأهواء.. وتتدخل في أمرهم الرغبات.. وتسيطر على نفوسهم المصالح.. ويكبلهم الغرور وحب الذات.. وهذا ما يسمى بالاختلاف المحمود.. فكل شخص يحترم ويقدر وجهة نظر الآخر.. مادام يستند إلى دليل.. أو يحتكم إلى قاعدة تثوب به إلى الصواب.. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم.. يختلفون في كثير من المسائل الفرعية.. التي لم ينزل بها دليل قاطع.. يرجح كفة أحدهم على الآخر.. ولكنهم رغم ذلك.. لا يؤدي اختلافهم هذا.. إلى التباغض والتناحر.. والشقاق والتكفير.. لأنه كل واحد منهم.. يحترم وجهة نظر الآخر.. مادام لم يخالف نصاً صريحاً.. أو دليلاً ثابتاً.. فلا يحتقره.. أو يستهزأ برأيه.. أو يتهجم عليه.. أو يتهمه في خلقه ودينه.. وعاشوا أخوة متحابين متآخين.. لا يعرف الشقاق إلى قلوبهم مسلكاً.. ولا يعرف الخلاف إلى عقولهم طريقاً..
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر
ضلَّ قوم ليس يدرون الخبر
وتمر السنوات والقرون .. حتى أتى بعدهم قوم.. خالفوا ما كان عليه أولئك الأخيار.. فقدسوا مشايخهم.. ونزهوا أنفسهم بأنهم لا يخطؤون.. ولم يكتفوا بذلك.. بل إنهم يكفرون من خالف رأيهم.. ويتهجمون على من لم يعترف بصحة قولهم.. فصار التكفير مذهبهم.. وصار اللعن مسلكهم.. وصار إشعال الخلاف منهجهم.. والتفريق بين المسلمين مبدأهم.. والطعن في الدين هدفهم.. لهذا عم الجهل.. وحدث الشقاق .. وصار الخلاف.. وتشتت الناس في كل فج..
والحق يعلوا والأباطيل تسفلوا
والحق عن أحكامه لا يسأل
وإذا إستحالت حالة وتبدلت
فالله عز وجل لا يتبدل
ففي زماننا هذا.. أرى أن الاختلاف في وجهات النظر.. في هذا الزمن.. الذي استطار في هشيمه الفساد.. وعمت الفوضى أنحاء البلاد.. وخارت القيم والأخلاق.. وتبدلت المبادئ والأفكار.. فانساخ الناس في مغاور الجهل.. وبحور الظلمات.. فالاختلاف في هذا الزمن.. يعتبر اختلاف مذموماً.. لأن النفوس غير النفوس التي في زمن الصحابة الكرام.. والعقول غير العقول.. والأهداف غير الأهداف التي نادى بها الصحابة.. فهذا الاختلاف وفي هذا الوقت بالذات.. سيزيد من التصدع والانشقاق.. وتزيد من التفكك والانقسامات.. وسيزيد من التشرذم والتشتت.. وسيزيد من الشقاق والنزاع..
صوت الشعوب من الزئير مجمع
فإذا تفرق كان بعض نباح
فالناظـر إلى الأمـة الإسلامية.. في عصـرنا الراهـن.. سيعتصر ألمـاً.. ويبكي دماً.. ويستدعي أسف اللبيب وحسرته.. بعد أن نزلت هذه الأمة إلى ميدان الشقاق والنزاع.. والتخاصم والتلاعن.. متجاهلة ما فرض الله عليها من الوحدة والوئام.. والألفة والانسجام..
تأبى العصي إذا اجتمعت تكسراً
وإذا افترقت تكسرت آحادا
ألم يأمرها الله بذلك في محكم كتابه.. بقوله : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران:103) .. وقوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10) .. وقوله { فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأنفال: 1)..
أخوك أخوك من تدنو وترجو
مودته وإن دعي استجابا
إذا حاربت حارب من تعادي
وزاد سلاحه منك اقترابا
يواسي في الكريهة كل يوم
إذا ما مضلع الحدثان نابا
ألم يحذرها من عاقبة التفرق.. بقوله : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46).. وقوله : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (آل عمران : 105)..
الحق سهم لا ترشه بباطل
ما كان سهم المبطلين سديدا
ألم يبعث فيها نبياً كريماً.. ورسولاً أميناً.. يدعو إلى وحدة الكلمة.. ولم الصف.. وجمع الشمل.. { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5).. فضرب أروع الأمثال.. بصهر كل ما كان من قبل بين قومه.. من خلاف ونزاع.. في بوتقة الإيمان.. فآخى بالإيمان بين الفئات المتناحرة.. وألف بالإسلام بين القلوب المتنافرة.. وبيَّن أن هذه الوحدة.. هي وحدة عقيدة.. وعمل.. ومبدأ.. وغاية.. وأمل.. وطموح.. وصور ذلك أبدع تصوير.. عندما قال : <<المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا >>(صحيح مسلم [2585] ج4 ص1999) .. وقال : << مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى>> (صحيح مسلم [2586] ج4 ص1999)..
إن الصديق الحق من كان معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيه شمله ليجمعك
أليست هذه الوحدة الإيمانية التي نادى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ورفع لواءها بين أصحابه رضي الله عنهم.. وهي التي رفعت من شأن هذه الأمة.. فأبدلها الله بذلها عزاً.. وبضعفها قوة.. وبتشتتها وحده.. فتمكنت من فتح الدنيا.. مع قلة عددها وعدتها.. وكثرة خصومها.. ووفرة العُدَدِ عندهم؟!.. { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } (البقرة : 249)..
ملكنا هذه الدنيا قرونا
وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء
فما نسي الزمان ولا نسينا
حملناها سيوفاً لامعات
غداة الروع تأبى أن تلينا
إذا خرجت من الأغماد يوماً
رأيت الهول والفتح المبينا
وكنا حين يرمينا أناس
تؤدبهم أباة قادرينا
وكنا حين يأخذنا ولي
بطغيان ندوس له الجبينا
تفيض قلوبنا بالهدى بأساً
فما نغضي عن الظلم الجفونا
وهنا أسئلة تطرح نفسها.. ما سبب تمزق الأمة الإسلامية إلى دول ودويلات؟!.. وما سبب تمزق الدولة الواحدة إلى مذاهب وفرق؟!.. وما سبب تشتت المجتمعات إلى جماعات وأحزاب؟!.. وتمزق الجماعات إلى أفراد؟!.. وما سبب سيطرة النعرة القبلية على أبناء الشعب الواحد؟!.. وما سبب الحروب الطاحنة بين أبناء الأب الواحد؟!.. وما سبب الشقاق والنزاع بين أمة الإسلام؟!..
وما فتئ الزمان يدور حتى
مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي
وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر
سؤال الدهر : أين المسلمونا؟
أليس هذا بسبب الاختلاف في وجهات النظر.. فبعد أن تشعبت الآراء.. وتدخلت الأهواء في معالجة الأمور والقضايا بين المسلمين.. دون أن يكون هناك مستند أو مرجع يرجع إليه المتخاصمون.. أو المختلفون في الرأي أو المسألة.. بعد أن ركن القرآن.. وأهملت السنة.. واندثر رسم الصحابة.. وأصبح أي حكم في قضية ما.. يسبقه التسرع والاندفاع والعجلة.. سواء في إصدار حكم بتخطئة شخص أو مجموعة.. أو عرض رأي أو فكره..
أقل ما في سقوط الذئب في غنم
إن لم يصب بعضها أن ينفر الغنم
وهذا لا يؤول إلا إلى صدع جدار الأمة.. وتمزيق شملها.. بكثرة المهاترات.. والحلول العقيمة.. ووجهات النظر السطحية.. والتي تسيطر عليها الأهواء.. والرغبات الجامحة.. فيكثر تبادل الاتهامات والشتائم بين الأخوة.. فكل واحد يخطئ الآخر.. والكل يدعي الصواب.. والكل متمسك برأيه.. كأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ.. ورأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب.. دون الرجوع إلى دليل واضح.. ليعتمد على وجهة نظره.. أو برهان ساطع.. يستند به على صحة رأيه.. وإنما أتباع هوى النفس والشيطان.. والتكالب على الحظوظ العاجلة..
وقد عجبت لقول "إننا عرب"
وواقع الحال ينفي "أننا عرب"
فلا رغيف إذا جمعنا يوحدنا
ولا على الماء يصفو بيننا العتب
الزار والعار والأوتار تعرفنا
والعزف والقصف والإدبار والهرب
وقد حذرنا الله ورسوله من ذلك.. حيث قال الله تعالى آمراً سيدنا داود عليه السلام: { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (ص: 26) ..
والعقل والحق يحرران من
رق الهوى ويدعوان للعلا
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : << ثلاث مهلكات وثلاث منجيات وثلاث كفارات وثلاث درجات فأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه>> (المعجم الأوسط :ج6 ص47).. وصدق الشاعر حين قال:
وآفة العقل الهوى فمن علا
على هواه عقله فقد نجا
إن تبادل التهم.. وتخطئة الآخرين.. والتعصب لرأي أو لفكرة.. وعد م التنازل عن رأيه أو وجهة نظره.. بعد أن يرى أنه على خطأ.. تعتبر مهاترات لا تصل إلى نتيجة.. ولا تستنبط الحلول.. ولا تعالج الواقع.. ولا تحل المشكلة.. وإنما تزيد من التردي والانحطاط.. وتزيد من النفور والابتعاد.. وتزيد من الشقاق والنزاع.. فإذا أردنا أن يكون الاختلاف حميـداً وصحـياً.. فعلينا أن نبعـد الأنانيـة من نفوسنـا.. والانفعالات العاطفية.. والأهواء النفسية.. عند عرض المسائل المطروحة.. والقضايا المعروضة.. حتى يكون للنقاش جدوى.. ولعرض القضية معنى.. وليكن لنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل.. وأسوة حسنه.. وبهذا.. ستجتمع الأمة الإسلامية على كلمة واحدة.. وهدف واحد.. وغاية واحدة.. بعد أن تشعبت بهم الخلافات.. وفرقتهم الآراء.. وشتتهم الغايات والأهداف..
إن يختلف نسب يؤلف بيننا
دين أقمناه مقام الوالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا
عذب تحدر من غمام الواحد
فتوحد الأمة الإسلامية ممكن عقلاً.. مستحيل عادة!! .. وإذا أراد الله أمراً كان.. { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (الأنفال: 63).. فعليهم أن يعودوا إلى ما صلح به أولهم { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } (آل عمران:19) .. فإذا عادوا إلى الإسلام.. وأجابوا إلى هذه الخصلة العظيمة.. ذهب عنهم حب النفس.. واتباع الهوى.. وذهب عنهم الشقاق والنزاع.. وذهب عنهم الخلاف والعداوة.. وذهب عنهم الغل والحسد..
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس
لأن الحكم موجود بكتاب الله.. وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .. وإن اختلفوا بعد ذلك.. فإن اختلافهم يصبح اختلافاً حميداً لا خوف منه. هذا ما بدا لي في هذه المسألة.. والله الموفق لما فيه خير..
من لم تفده عبر أيامه
كان العمى أولى به من الهدى

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع علي العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة