الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 15:02

سليمان جبران: كيف نقول موتاج في العربية؟!

كل العرب
نُشر: 17/10/12 11:41,  حُتلن: 11:46

قبل ثلاث أربع سنوات، اتّصل بي صديق يعمل في مجال التسويق والإعلان. بعد السلام والكلام، قال إنه يتّصل سائلا عن بديل عربي للمصطلح العبري موتاج (מותג). أجبته أن لي، قبل اقتراحي بديلا عربيا، تحفّظات كثيرة على مثل عملنا هذا:
1) نحن هنا نتأثر بالعبرية، والعبريّة ليست الأصل في المصطلحات الجديدة، على اختلاف مجالاتها طبعا. الأصل، كما تعرف يا صديقي، هو الإنجليزية، فحيث تكون المخترعات تكون التسميات طبعا، وما أكثرهما في عصرنا المدهش هذا!
2) التحفّظ الثاني أني رجل أدب لا رجل لغة. وفي لغتنا المحكيّة نقول: "أعطِ الخبز لخبّازه"! حتّى في الأدب، تتناول أبحاثي كلّها الأدب الحديث والشعر منه بوجه خاصّ. لستُ الفارابي فأجيد الموسيقى والفلسفة معا!! من ناحية أخرى، لا أحبّ التواضع الكاذب أيضا، فأقول إني لا أعرف العربيّة وقواعدها. فقد كنتُ ذات يوم، في أيّام الشباب، قبل معرفتي بالشدياق العظيم، مهووسا باللغة تماما، أحسب "أنّ النحو أساس العلوم، وكل العلوم مفتقرة إليه افتقار البناء إلى الأساس". مع ذلك، فإني إذ أحاول "الاجتهاد" في اللغة، أخشى الوقوع في "مطبّات" غير محسوبة، فتكون الخسارة أكثر من الأرباح بكثير. نحن اليوم في عصر الاختصاص لا عصر الشموليّة، ورحم الله امرأ عرف حدّه فوقف عنده!
3) ثمّ إنّ هذا العمل؛ ابتكار مصطلحات جديدة، هو عمل جماعي حتى بين المحترفين من رجال اللغة، فما بالك برجال أدب مثل حالتنا؟ مثل هذا العمل تقوم به عادة لجنة أو مجموعة من المتخصّصين لا فرد واحد مهما كان متميّزا!
4) أخيرًا، نحن العرب في إسرائيل نسبة لا تكاد تُذكر من الناطقين بالعربية؛ لا نكاد نؤثّر في "البحر" العربي الزاخر، فهل نبتكر لنا مصطلحات حديثة خاصّة بنا، حتى إذا كانت ضروريّة وسليمة، تبتعد بنا عن محيطنا الحيوي، كما يفعل كثيرون من الإخوة المغاربة؟


قرأت مرة كتابا لأحد الإخوة المغاربة، في التربية، فأحصيت فيه أكثر من مئتي مصطلح من ابتكار المؤلف نفسه، ولا يعرفها القارئ العادي!! لا تنسَ، رفيقي العزيز، أن اللغة هي العامل الأوّل في تقريب العرب الكثيرين، المختلفين المتناحرين رغم اللغة الواحدة!! رغم التحفّظات المذكورة، سأحاول، صديقي العزيز، البحث معك عن بديل للمصطلح العبري المذكور، وأجري على الله. قد لا ننجح لكننا، على الأقل، نحاول، وقد لا يسمعنا أحد للأسباب التي أوردناها أعلاه، وقل اعملوا...

الاصطلاح العبري المذكور، موتاج، هو مختصر كلمتين: מוצר+ תג أي: مُنتج له شارة أو تميّز. بناء عليه، فالموتاج منتج تجاري متميّز، لكن ليس كلّ منتج موتاجا طبعا! المصطلح في الإنجليزية  و: brand، وهذه تعني: الوسم، أو الميسم، أو علامة بالحديد المحمى على الدابّة. بذلك نرى أن المصطلح الإنجليزي هو مصطلح تجاري لكنه مستمدّ من المجال النفسي، كأنما يترك المنتج وإعلاناته أثرا في ذهن أو فكر المستهلك يصعب عليه محوه أو التخلّص منه! هكذا نرى أن العبرية لم تترجم المصطلح المذكور حرفيا، وهذه تُحسب لها طبعا. ثمّ إنّ الموتاج ليس ماركة ولا علامة تجاريّة (Trade mark)، فهذه تكون لكلّ منتج، أمّا البراند فهو المنتج المتميّز، كأنّما يترك أثره، كما الكيّ، في خيال أو فكر المستهلك!

في العربية يمكننا اشتقاق كلمة وسيمة وجمعها وسائم، ذلك أن الوسم في لغتنا، بمعناه الأصلي، هو الكيّ أو العلامة التي يعرف بها من يحملها، ومن هذا الأصل و س م، في رأينا، تطورّت كلّ الدلالات الأخرى، وهي كثيرة جدا، منها ما هو سلبي ومنها ما هو إيجابي وفقا للسياق. الموتاج إذن يمكن أن تكون الوسيمة بديلا عربيا له، وهذه أقرب إلى الأصل الإنجليزي من المصطلح العبري الموفّق موتاج، كما يمكن من الوسيمة اشتقاق كلّ الألفاظ المشتقة من براند الإنجليزية. على كل حال، هذا ما نراه، وهو لا يلزم أحدا، بل لا يلزمك أنت أيضا، مع أنك اتّصلت بنا، يا صديقنا العزيز، فكنت السبب في "اجتهادنا" أعلاه؟! 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة