الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 12:02

حل الدولتين في مصر!/ بقلم: فراج إسماعيل

كل العرب
نُشر: 16/07/12 15:36,  حُتلن: 15:39

فراج إسماعيل في مقاله:

فزاعة انتشار الميليشيات المسلحة وتأسيسها لشبه دويلات مستقلة مجرد "هشتقة" إعلامية لا تشرح واقعا صحيحا

الفلول في الأخيرتين تسمم الحياة ولا تترك مجالا للدولة لكي تستقر ولا للهيئات المنتخبة لكي تمارس نشاطها الطبيعي دون قلق

في الذاكرة التركية حكايا أليمة من أيام وليالي "الدولتين" لا نتمناها لمصر التي تولى الحكم فيها خلال الـ 60 عاما الماضية رؤساء ذوو خلفية عسكرية لكن هل كل ما لا نتمناه نستطيع تجنبه؟!

"نحن مللنا الفلول، فقد سمموا حياتنا، وهم الآن في كل المؤسسات، وموجودون في كل مكان ويشتموننا ليلا ونهارا". هكذا تحدث المفكر والرئيس التونسي منصف المرزوقي من القصر الجمهوري بالقبة أثناء زيارته للقاهرة نهاية الأسبوع الماضي، مقدماً وصفاً صحيحا لما يحدث في تونس ومصر اللتين شهدتا بالتوالي بداية ثورات الربيع العربي. أصبح مصطلح "الفلول" لازمة ربيعية مرتبطة بتونس ومصر واليمن، وأفلتت منها ليبيا التي فضلت ثورتها أن يكون التغيير جذريا رغم تكلفته العالية من دماء غزيرة روت المدن والصحراء. وأظهرت لنا الانتخابات التي فازت بها قوى التحالف الوطني المكون لوعاء الليبراليين، أن فزاعة انتشار الميليشيات المسلحة وتأسيسها لشبه دويلات مستقلة، مجرد "هشتقة" إعلامية لا تشرح واقعا صحيحا.

تأسيس الدولة الديمقراطية
ومع مضي الوقت واستمرار التجربة الانتخابية الليبية في حصد المزيد من المكاسب نحو تأسيس الدولة الديمقراطية، قد تخرج ليبيا بالمكسب الأكبر من دون بقية ثورات الربيع العربي، لا سيما بالمقارنة مع جارتيها تونس ومصر. فالفلول في الأخيرتين تسمم الحياة ولا تترك مجالا للدولة لكي تستقر ولا للهيئات المنتخبة لكي تمارس نشاطها الطبيعي دون قلق. تنبهت تونس لخطر "الفلول" داخل السلطة القضائية التي تبدو في نظر الآخرين تمكينا للقانون والدستور، لكنها في حقيقتها تمكن الفلول من الانقضاض على الثورة لصالح النظام القديم، فقامت بعزل ما يقرب من مائة قاض، لكن في مصر المهمة صعبة وعسيرة للغاية وسيستغرق الأمر وقتا طويلا، قد ينتهي به الوضع إلى ما يخطط له المجلس العسكري، أي التمتع بوضعية خاصة تجعل منه دولة داخل الدولة، وأن ترضخ القوى السياسية المدنية وميدان التحرير في النهاية لحل "الدولتين"!

المفاوضات العربية الإسرائيلية
"حل الدولتين" تعبير سياسي اختص المفاوضات العربية الإسرائيلية في بعض مراحلها، ويعني القبول بدولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام واستقرار مع الدولة اليهودية. ما جرى في مصر بدءا من 14 يونيو الماضي من حكم للمحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، إلى حكم آخر بوقف قرار الرئيس محمد مرسي بعودته إلى الانعقاد، وما بينهما من إعلان دستوري تكميلي يجعل السيادة للمجلس العسكري فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات والجمعية التأسيسية للدستور في حال تعرضها لما يعوق عملها، وهذا العائق قد يحدث غدا "الثلاثاء" عندما يحكم القضاء الإداري بحلها وقد باتت قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من الصيغة التوافقية للدستور الجديد. وعليه ومن باب "السيادة للمجلس العسكري وليس للشعب" سيشكل المجلس جمعية تأسيسية جديدة وفق إرادته، وستأخذ هذه وقتها في إنجاز دستور يؤسس لحل الدولتين، أي إعطاء وضع خاص وميزات رقابية وسيادية عليا للجنرالات الكبار، يشبه تماما ما تمتع به جنرالات تركيا طوال تسعين عاما تحت مظلة حماية الجمهورية العلمانية والمبادئ التي أرساها المؤسس كمال أتاتورك.

ديمقراطية صورية
تقوقعت تركيا طوال ذلك القرن من الزمان إلا قليلا في ظل ديمقراطية صورية على المسرح السياسي، ورؤساء دولة وحكومات صوريين لا سلطات واقعية لهم، فقد كان القرار في يد "الدولة العميقة" بسلطاتها العسكرية والأمنية والقضائية. من عام ونصف فقط تخلصت تركيا من "الدولتين" بالتعديلات الدستورية التي أنجزتها بذكاء وبرود أعصاب حكومة رجب طيب أردوغان، في مواجهة فلول تستعصم بالمحكمة الدستورية العليا التي تمكنت من هدم عدة حكومات ديمقراطية وحرمت على أحد رؤسائها، الراحل الدكتور نجم الدين أربكان، ممارسة السياسة، وحلت حزبه الحاكم وقتئذ وأسقطت حكومته.

الذاكرة التركية
في الذاكرة التركية حكايا أليمة من أيام وليالي "الدولتين" لا نتمناها لمصر التي تولى الحكم فيها خلال الـ 60 عاما الماضية رؤساء ذوو خلفية عسكرية. لكن هل كل ما لا نتمناه نستطيع تجنبه؟! ما يحملني على التشاؤم أن هناك "لا مبالاة" بين القوى السياسية والأحزاب تسيطر على الساحة حاليا "نكاية" في حكم الإخوان. وهذه النكاية قد تنتهي بنا إلى النموذج التركي قبل أردوغان.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة