الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 05:02

مفصل تاريخي في تطور الإنسان مغارة القفزة/ بقلم: فيصل طه

كل العرب
نُشر: 02/07/12 15:34,  حُتلن: 08:26

الناصرة بلد عامر غائر في التاريخ وقدسية هذا البلد، بلد البشارة تعود إلى ألفي عامٍ مضى بينما حضارته البشرية تمتدّ إلى بدايات ظهور الإنسان القديم في مُغرها وفي كهوف أرجاء الجليل والكرمل منذ ما يقارب مائة ألف عام. قدسية المدينة واستيطانها بطلائع الإنسان القديم يثريها إسمًا وموقعًا وتاريخًا فريدًا يُحمّل أبناءها اليوم مسؤولية حفظ هذه المكانة الخاصّة وتحويلها إلى موقع أثريّ سياحيّ يشمل التراث الإنساني العلمي والديني ليرتقي بالمدينة وأهلها إلى مركز حضاري ثقافيّ متطوّر يتّسع لجميع قاطريه، زائريه، ضيوفه وحجّاجه ترحيبًا وحبًا وسلامًا.

تجمع قمة جبل القفزة في الناصرة البعد الديني الحديث نسبيًّا بالبعد التاريخي البشري الغائر قِدماً في مغاوره. إذ قبل رواية قفزة السيد المسيح الأولى والأخيرة من على جبل القفزة إلى جبل الطور هروبًا من مطارديه بفترة تفوق المائة ألف عام، استوطن الإنسان القديم في مغارة الجبل.

تعتبر مغارة القفزة حالة فريدة في مسار تطوّر الإنسان، إذ تشير الحفريّات التي بدأت في أوائل سنوات الثلاثين من القرن الماضي والتي أجريت من قبل الباحثين "ليفين وشتكليس" وذلك بإيعاز وتمويل القنصل الفرنسي في القدس، ومن ثم "تشيرنوف وهاس" إلى اكتشاف عدد من هياكل عظمية بشرية كاملة مدفونة بطقوس دفنٍ خاصّة في أرض المغارة. تنتمي هذه الهياكل والجماجم كما أشارت نتائج الأبحاث إلى النوع البشري "هوموسابيانس" (الإنسان العاقل) وهو نفس النوع الذي ننتمي نحن إليه الآن، والذي قد قُدّر عمره عشوائيًّا بثلاثين ألف عام بإعتبار أنه لا يمكن أن يكون قد عاش في بلادنا في الفترة المستيريّة، وهي تعتبر الفترة الأطول والتي تمتد إلى مئات آلاف السنين. تميّزت الفترة المستيريّة بوجود إنسان "نيانديرتال" الأوروبي الأصل والأقل تطوّرًا.
 
أكدت طرق القياس الحديثة أن عمر "إنسان القفزة" والذي قطعيًّا هو من نوع "هوموسابيانس" يصل إلى مائة ألف عام، وبهذا حُسم الجدل القائم حول عمر هذه الهياكل الإنسانيّة إلى ما يقارب المائة ألف عام، وبذلك ساهمت هذه الحقائق العلميّة في الكشف عن وجود نوعين من البشر عاشا متجاورين بشكل متوازي زمانًا ومكانًا وهما "هوموسابيانس" والنوع الآخر هو "نيانديرتال" الذي انقرضت آثاره قبل أكثر من ثلاثين ألف عام، وبقي نوعنا المستقل غير المتفرّع عنه إلى يومنا هذا. وأشارت الأبحاث إلى أن هذين النوعين من الإنسان نشئا منفصلين تمامًا ولم يتطوّر أحدهما كفرع من الآخر ولا يمثّل أحدهما الأب المشترك للآخر بل لكلاهما أب مشترك آخر.

كشفت الحفريّات بمغارة القفزة عن ثراء أحفوري لنتاج بشري كمواقد نار وأجزاء لأدوات خزفية، إضافة إلى أحافير لكائنات حيوانية كالقوارض وعظام متحجّرة لأنواع كائنات أخرى أتتها من أفريقيا. تشير جميع هذه الموجودات والأحافير إلى باكورة استيطان الإنسان من نوع "هوموسابيانس" في الكهوف حمايةً وأمنًا ومعيشةً ومدفنًا له.

وبذلك اعتبرت مهارة القفزة بموجوداتها الأثرية مَفصَلاً وجوابًا واضحًا لمسألة تطور الإنسان المعاصر "هوموسابيانس" ولعمره الحقيقي، وإقراراً بموازاة حياة الإنسان المعاصر "هوموسابيانس" مع إنسان "نيانديرتال" لمدة لا تقل عن أربعين ألف عام وبعدها اندثر هو، وبقينا نحن لنعمل على تطوّرنا وحفظنا من الإندثار.

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة