الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 01:01

دور الإخوان المسلمين في الثورة المضادة/ بقلم: رجا زعاترة

كل العرب
نُشر: 29/06/12 09:56,  حُتلن: 13:17

رجا زعاترة في مقاله:

مثلما لا يرى الأمريكيون في الإسلاميين تهديدًا لمصالحهم لا يرى الإسلاميون في أمريكا و"الغرب" الشيطان الأكبر

جزء كبير من الذين منحوا مرسي أصواتهم في الجولة الثانية فعلوا ذلك رغم كونه إسلاميًا وليس بسبب كونه إسلاميًا


"النموذج التركي" يؤكد أنّ وصول الإسلاميين إلى الحكم لا يعني بأي حال المساس بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية


المخابرات البريطانية موّلت "الإخوان" منذ 1942 والأمريكيون يرون فيهم شريكًا مريحًا لتأمين مصالحهم في المنطقة


الإخوان غير مؤهلين لقيادة "التحوّل الديمقراطي" وهناك من يفصّل "الربيع العربي" على مقاسات مصالح الاستعمار والرجعية
 

الشعب المصري لم يثر من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة حدودها ولا من أجل قنونة ختان الإناث أو إلغاء حرية الفكر والإبداع

ممارسات الإخوان الانتهازية وصفقاتهم مع المجلس العسكري الحاكم وتخلّيهم عن القوى الثورية أماطت اللثام عن طبيعتهم المخاتِلة
 

جزء كبير ممّن صوّتوا لمرسي فعلوا ذلك فقط لصدّ شفيق والعكس صحيح ويؤكد عزوف نصف المصريين عن التصويت إدراكهم بأنّهم أمام خياريْ السيء والأسوأ

الجماعة ما زالت تستخدم الدين استخدامًا رخيصًا وتعتبر مرشحها "مرشح الله"وتكفّر من يعارضها وما زالت تبيع الناس أوهام "دولة الخلافة" و"الولايات العربية المتحدة

قد يبدو فوز محمد مرسي، مرشح جماعة "الإخوان المسلمون"، بانتخابات الرئاسة المصرية، للوهلة الأولى، إنجازًا كبيرًا لحركات الإسلام السياسي، ورافدها الأساسي الممثل بالجماعة. إلا أنّ التفاصيل (والشيطان، والعياذ بالله، دائمًا في التفاصيل) تؤكد أنّ هذا النصر شرّ من هزيمة. جزء كبير من الذين منحوا مرسي أصواتهم في الجولة الثانية فعلوا ذلك رغم، وليس بسبب، كونه إخوانيًا. ويؤكد الفارق الضئيل بينه وبين "الفريق شفيق"، الخارج من صلب النظام، أنّ جزءًا كبيرًا من جمهور الثورة (خصوصًا مؤيدو المرشح الناصري اليساري حمدين صباحي) آثروا مرشح النظام و"الفلول" و"الدولة العميقة"، سمّها ما شئت، على مرشّح الإخوان. جزء كبير ممّن صوّتوا لمرسي فعلوا ذلك فقط لصدّ شفيق، والعكس صحيح. ويؤكد عزوف نصف المصريين عن التصويت إدراكهم بأنّهم أمام خياريْ السيء والأسوأ.

تجارة بالدين وصفقات مع العسكر
من أجل الفوز بنسبة 51% فقط، اضطر مرسي لإخفاء برنامج جماعته وحزبه، وشعاراته، بل وحتى لونه. فقد استخدم الإخوان اللون الأحمر في حملتهم، وتخلوا (تكتيكيًا طبعًا) عن خطابهم الديني المتشدّد وعن طروحاتهم الرجعية والطائفية التي طرحوها بشكل أوضح في الجولة الأولى، بغية المزايدة على "الإسلامي المعتدل" أبو الفتوح ومغازلة السلفيين. إنّ تحوّل مرسي من "مرشح التيار الإسلامي" في الجولة الأولى، بقدرة قادر، إلى "مرشح الثورة" في الجولة الثانية، هو مثال ممتاز على انتهازية هذا التيار المنهجية. ويزداد الطين بلةً حين يبرَّر هذا النهج الانتهازي بالمفهوم الديني المعروف بـ"التُقية"، القاضي بجواز إخفاء العقيدة الدينية لدرء الخطر عن المؤمن. وفي التحوير السياسي: إنكار القناعات والنوايا الحقيقية، حتى بلوغ الغاية، على النسق الماكيافيليّ. ومع أنّ هذا المبدأ تطوّر وتوسّع بالأساس في الفقه الشيعي نظرًا للاضطهاد في العصرين الأموي والعباسي، إلا أنّ الجماعة "السنيّة" تذهب في هذه القضية مذهب الإمام جعفر (ر) القائل بأنّ التقية تسعة أعشار الدين، أو، في الحالة الإخوانية، "تسعة أعشار السياسة".. والله أعلم!

نية الإخوان
هذا الاستخدام الانتهازي للدين في السياسة قد ينطلي على بعض الناس لبعض الوقت، ولكن من الصعب أن ينطلي على الجميع طويلاً. ففي الانتخابات البرلمانية، قبل أقل من ثمانية شهور، حصل الإسلاميون على نحو 70% من مقاعد مجلس الشعب. إلا أنّ ممارسات الإخوان في هذه الفترة - من تحالفات وصفقات مع المجلس العسكري الحاكم، ومن تخل منهجي عن القوى الثورية في مفترقات نضالية حاسمة - أماطت اللثام أمام الكثير من المصريين عن الطبيعة المخاتِلة لهذه الجماعة.
فسرعان ما اتضحت نية الإخوان الاستئثار بالسلطة، أو كما يقول المصريون "التكويش". فلم يبق عهد إلا حنثوه ولم يبق وعد إلا نكثوه، طامعين في الاستحواذ على البرلمان (مع أنهم قالوا إنهم سيتنافسوا على 30% من المقاعد) وعلى الرئاسة (قالوا إنهم لن يرشحوا أحدًا، فرشحوا اثنين) والآن على الحكومة (التي سال لعاب بعض الليبراليين عليها) وعلى الجمعية التأسيسية للدستور. وقد اختزلت شابة مصرية محجّبة سورياليةَ المشهد الإخواني فقالت: "هم ازاي بيقولوا عاوزين يطبّقوا الشريعة لما همّ بيرشوا الناس؟"، في إشارة إلى صفائح الزيت وأكياس الرز والسكر التي أغدق بها الإخوان على فقراء المصريين، ناهيك عن استخدام المنابر الدينية والدعوية والوعودات بالجنة ومنع المواطنين الأقباط بالقوة من الإدلاء بأصواتهم في قرى الصعيد. ورغم كلّ هذه الأحابيل حصل مرسي على 25% فقط من الأصوات في الجولة الأولى، و51% فقط في الثانية.

ثورة مضادة بوجهين
مثلما أشّرت هرولة بعض القوى والشخصيات الليبرالية إلى حضن الإخوان على نزعة بعضها للهلامية وبعضها الآخر للانتهازية، يؤشر رفض صباحي ومؤيديه دعم مرشح الإخوان في الجولة الثانية، بالمقابل، على وعي حاد يسود قطاعات واسعة من المصريين، بأنّ الجماعة، وإن انضمّت إلى الثورة في مرحلة ما ودعمتها إلى حد ما ثم امتطتها، هي وكيل رئيسي للثورة المضادة، وأنها متوغلة في التواطؤ مع النظام القديم ومع الاستعمار القديم والجديد. فالحقيقة هي أنّ الثورة لم تخض الجولة الثانية. بل كان المرشحان – مرسي وشفيق – مرشحيْ الثورة المضادة بامتياز. لقد كانت ثورة 25 يناير، بروحها وشعاراتها وهتافاتها، مدنية في طابعها، اجتماعية في جوهرها، تحرّرية في تطلعاتها؛ عيش-حرية-عدالة-كرامة. لم يكن الإخوان جزءًا من ثورة 25 يناير، بل نسّقوا مع الأمن وتفاوضوا مع النظام ولم يخرجوا إلى الشوارع إلا بعد الانسحاب الأمني. أما السلفيون فخرجوا ضد الثورة والثوار، في بداية الأمر، تحت شعار "طاعة الحاكم".

تطبيق الشريعة الإسلامية
لم يثر الشعب المصري من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة حدودها، ولا من أجل قنونة ختان الإناث أو إلغاء حرية الفكر والإبداع. لكن القوى الثورية التي قادت الجماهير لم تملك البنى التحتية والتجربة والنضوج الكافيين لتحويل هذا التأييد الشعبي إلى قوة سياسية منظّمة وموحّدة. بينما الإخوان - الذين ازدهروا منذ الردّة الساداتية وتغوّلوا في عصر مبارك - مدجّجون بتنظيم هرمي صارم وتجربة طويلة وشبكات اجتماعية ورأسمال محلي ودعم خليجي سخي، وبخطاب ديني يبتز مشاعر الطبقات الشعبية ويخدّر عقولها.
جرت جولة الإعادة على محور واحد، فرَضَ فرزًا أحاديَّ البعد، بين مؤيدي "الدولة المدنية" وأنصار "الدولة الدينية". وكان من مصلحة المرشحيْن تغييب القضايا السياسية (اصطفاف مصر العالمي ودورها العربي والإفريقي) والقضايا الاجتماعية-الاقتصادية (الموقف من السياسات الرأسمالية التي نهبت عرق وحقوق وكرامة عشرات ملايين المصريين). فما يطرحه المرشحان في هذه المضامير متشابه جدًا. بل إنهما متشابهان جدًا أيضًا في تشكيلهما، كل بطريقته، خطرًا على الديمقراطية والحريات العامة والخاصة. ومتشابهان جدًا في سعيهما إلى وأد الثورة، إما بالاكتفاء بإصلاح النظام وتجميله، وإما باختطاف ثورة مصر وشعبها إلى "ولاية المرشد" على غرار "ولاية الفقيه" في السيناريو الإيراني.

النموذج التركي وفرصة إسرائيل
يكثر الحديث عن "النموذج التركي" لحكم الإخوان في مصر. إلا أنّ الجماعة ما زالت بعيدة عن التطوّرات الفكرية والسياسية التي مرّت بها الحركة الإسلامية في تركيا ("الفضيلة" ثم "العدالة والتنمية") حتى وصلت إلى نمطها الحالي، الليبرالي المحافظ "ذي الجذور الإسلامية". إذ يرفض الإخوان ما أقرّ به حزب رجب أردوغان صاغرًا من مبادئ الجمهورية التركية ومن بينها العلمانية. وقد طوّر "العدالة والتنمية" مشروعًا للأمن القومي التركي يدور في الفلك الأمريكي، لا علاقة له بالخلافة الإسلامية، ولكنه يفيد من توهّمات وتهويمات بعض العرب بشأن "الخلافة" ليلعب دورًا إقليميًا "سنيًا" بمقتضى المشاريع المصنّعة في سراديب ومعاهد أبحاث المخابرات الأمريكية، كما يظهر الآن بوضوح في المسألة السورية.

التلاعب المجاني بالقضية الفلسطينية
وطبعًا ما زالت تركيا، رغم كل الزوبعات الإعلامية والتلاعب المجاني بالقضية الفلسطينية، حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، وما زالت عضوًا في حلف شمال الأطلسي العدواني الذي يشكّل ذراع الإمبريالية الضارب، كما رأينا في ليبيا المغتصبة. هذا النموذج يؤكد أنّ وصول "إسلاميين" إلى الحكم لا يعني بأي حال المساس بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية. بل على العكس، وخصوصًا عندما يتم الرضوخ لإملاءات العولمة الرأسمالية وتبنّيها بـ"نكهة" إسلامية.
من الناحية الاقتصادية يؤيد الإخوان سياسات "السوق الحرّة" بلا تحفظ. وبعض رموزهم (كخيرت الشاطر) يعتبرون من كبار الرأسماليين في مصر، ناهيك عن علاقاتهم الحميمية مع أنظمة الخليج وخدماتهم المرتقبة لمصالحها الأخطبوطية، لا سيما في قناة السويس. وللمفارقة، فقد تخلت الجماعة بهذا عن ميراث مفكّرها الأبرز، سيد قطب، الذي إضافة إلى كتابه الشهير "معالم في الطريق" (الذي أسّس للفكر التكفيري وولّد التنظيمات الجهادية وآخرها "القاعدة")، وضع مؤلّفيْ "العدالة الاجتماعية في الإسلام" و"معركة الإسلام والرأسمالية"، كان واضحًا فيهما تأثره بالفكر الاشتراكي والماركسي تحديدًا.

النموذج الباكستاني
وهناك من يرجّح حظوظ "النموذج الباكستاني"، وهو خليط بين سلطة إسلامية ودكتاتورية عسكرية. ومنهم المفكر الماركسي المصري البارز سمير أمين. وسواء سار الإخوان في مصر على المنهج التركي أو الباكستاني، فمن الواضح أنّ التغيّرات لن تفضي إلى أكثر من إعادة ترتيب العلاقة مع الهيمنة والمصالح الأمريكية دون الخروج من فلكها وعن طاعتها. وقد أكدت مصادر إسرائيلية رفيعة في الأيام الأخيرة أنّ تل أبيب تلقت تطمينات، عبر واشنطن، من الإخوان. لا بل يذهب بعض المحللين الإسرائيليين إلى اعتبار تسلّم الإخوان دفة الحكم في مصر فرصةً ذهبية لـ"تخليص إسرائيل من عبء غزة"، استكمالا لمخطط "فك الارتباط" وتعميق الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود العام 1967. أما النماذج الأخرى، كالجزائري والسوداني، وحتى الفلسطيني، تبدو مستبعدة ولكنها غير مستحيلة. فما من كيان سياسي عربي حكمه الإسلاميون إلا وعرف الانقسام السياسي والجغرافي والعنف الدموي وقمع النساء والمجموعات المستضعفة وانتهاك الحقوق السياسية والاجتماعية وتقويض الحريات الخاصة والعامة. وتختلف الحالة التونسية نظرًا لجذور حركة "النهضة" الإصلاحية، ولكنّها تتعرّض بدورها لنفس التفاعلات والتأثيرات الاستعمارية والرجعية.

علاقات تاريخية مع الاستعمار
الحماس الأمريكي لـ"الإخوان" (الذي انعكس في تصريحات اعتبرتها القوى الوطنية والثورية تدخلاً مرفوضًا في شؤون مصر) ليس مفاجئًا وليس جديدًا. فقد بدأت موجته الأولى عام 1979 إثر دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان، ثم أفل بعض الشيء في التسعينيات ليعود بقوة مطلع القرن الحادي والعشرين مع صعود تيار "المحافظين الجدد"، وتحديدًا مع مخططات "الشرق الأوسط الكبير" في عهد بوش الابن والتي أبقت عليها وطوّرتها إدارة أوباما.
لكن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين حافل بالعلاقات المشبوهة مع الاستعمار ومصالحه. فمع نشأتها عام 1928 وخلال الثلاثينيات استُخدمت الجماعة للحد من نفوذ التيارات القومية واليسارية المعادية للاستعمار، وحظيت بدعم الملك الذي اعتبر الإخوان قوة يواجه بها الوفد والشيوعيين. وكشف الصحافي البريطاني مارك كيرتس (Mark Curtis) في كتابه "العلاقات السرية - التحالف البريطاني مع الإسلام الراديكالي"، الصادر عام 2010، بالوثائق، أنّ المخابرات البريطانية بدأت تمويل الجماعة، ومؤسّسها حسن البنا شخصيًا، منذ عام 1942، وبالتنسيق مع القصر الملكي. وقد كشف رئيس بلدية لندن السابق كين لفنجستون (Ken Livingstone) في آذار 2008 أنّ الجماعة كانت تتلقى أموالا من جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني المعروف بـ MI6 ، وأنّ تلك الأموال قد ساعدت الجماعة على أن تظل قادرة على أن تشكل "تهديدًا وخطرًا حقيقيين لنظام عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات".

ممارسات إرهابية ظلامية
يزعم الإخوان بأنهم جاهدوا بألوفهم المؤلفة في حرب فلسطين عام 1948. والحقيقة هي أنهم أرسلوا عددًا ضئيلاً من المتطوعين (280 حسب التقديرات، من أصل نحو 2000 متطوّع) ضمن القوات المصرية التي بلغ مجمل تعدادها عشرة آلاف عنصر. ورفض هؤلاء تسليم سلاحهم بعد انتهاء الحرب وعادوا به إلى مصر لاستخدامه على يد "التنظيم السري" وتنفيذ سلسلة اغتيالات سياسية وافتعال فتن طائفية. لكنّ "إسهامهم" الأساسي، إن جاز التعبير، في القضية الفلسطينية في تلك الفترة، كان تنفيذ أعمال إرهابية استهدفت ممتلكات المصريين اليهود وكُنسهم لحثهم على ترك بلادهم واللجوء إلى "دولة اليهود" الفتية، مسدين بهذا خدمة جليلة للحركة الصهيونية. وعمومًا، قلّ ما استخدم الإخوان مقدّراتهم العسكرية لمقاومة المحتلّ، واقتصرت عملياتهم على تفجير دور السينما وما شابهها من ممارسات إرهابية ظلامية. بعد الحرب العالمية الثانية وحلول الولايات المتحدة مكان بريطانيا في المنطقة بدأت اتصالات الإخوان مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، دون أن تنقطع مع الاستخبارات البريطانية. وقدّمت الرجعية العربية (خاصة السعودية والأردن) المتواطئة مع قوى الاستعمار دعمًا سياسيًا وماليًا للجماعة، خصوصًا في عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. ويذهب بعض المؤرّخين إلى أنّ محاولة اغتيال عبد الناصر في الإسكندرية عام 1954 (حادث المنشية) جاءت بتنسيق مع المخابرات البريطانية، وتضمّنت تفاهمًا على سيطرة الإنجليز على قناة السويس في حين كان عبد الناصر يفاوضهم على الجلاء. ورفض الإخوان المشاركة في حرب العام 1967 بحجة أنّ سلاح عبد الناصر "كافر" لأنّ مصدره "دول شيوعية ملحدة". وما زال إسلاميون كثيرون حتى يومنا هذا "يحتفلون" بالنكسة، لا بل صرّح مرشد الإخوان محمد بديع العام الماضي بأنّ هزيمة مصر في حربي 56 و67 "انتقام إلهي بعد اعتقالات الإخوان"!

توغّل رأسمالي وتغوّل إسلامي
استخدم السادات الإخوان في السبعينيات لمواجهة وتحجيم القوى الوطنية واليسارية وإرهاب الحركة الشعبية والطلابية الواسعة الرافضة لانضواء مصر في المشروع الأمريكي-الإسرائيلي، والانقلاب الحاد على أهداف وقيم ثورة 23 يوليو وعلى النهج الناصري التحرّري المتحالف مع الاتحاد السوفييتي وحركات التحرّر العربية والعالمية. ومع تعاظم التغلغل الإسلامي في مصر السبعينيات وتفاقم التناقضات السياسية والاقتصادية والثقافية برزت ظاهرة تفريخ جماعات تكفيرية وسلفية متطرّفة من عباءة الإخوان، انقلبت بدورها على السادات بعد إبرام اتفاقية "كامب ديفيد" فكفّروه واغتالوه.
وتطلب توغل نظام مبارك في الثمانينيات في المشروع الأمريكي وسياسات "السوق الحرّة" إطلاقَ العنان للحركات الإسلامية، فوضعت يدها على النقابات المهنية والمجالس المحلية وتغلغلت في قطاع الأعمال ومؤسسات الدولة. وشهدت التسعينيات، مرة أخرى، إفرازات تكفيرية ورجعية عنيفة (خصوصًا مع عودة "المجاهدين" الذين ذهبوا إلى أفغانستان بتمويل سعودي وموافقة نظام مبارك)، كان أحد مؤدياتها اغتيال المفكر فرج فودة عام 1992. وحين سئل قاتل فودة في التحقيق عن سبب اغتياله ردّ "لأنه كافر"، فسأله المحقق عن الكتب التي عرف منها أنه كافر، فأجاب أنه لم يقرأ كتبه وأنه لا يقرأ ولا يكتب. وفي المحكمة جاءت شهادة الشيخ محمد الغزالي (الذي اغتيل فودة إثر مناظرة معه) لتبرّئ المجرمين، وهي شهادة دعّمها لاحقًا الشيخ يوسف القرضاوي، المقيم في قطر.. وما أدراك ما قطر!

تيّار إسلامي
مع مطلع القرن الحادي والعشرين موضعت الجماعة نفسها كتيّار إسلامي معتدل، تنفيذًا لما يُعرف بـ"خطة التمكين" أو "قضية سلسبيل". ورأى الأمريكيون في الإخوان وريثًا ووكيلاً يمكنهم التفاهم معه والاتكاء عليه لتأمين مصالحهم بعد الانسحاب الأمريكي الاستراتيجي من المنطقة من خلال إنشاء أنظمة مهادنة بواجهات إسلامية. وحصل الإخوان في انتخابات العام 2005 على 88 عضوًا في مجلس الشعب، بتنسيق مسبق مع النظام وأجهزة الأمن، وبضغط من إدارة بوش. وفي ظل سياسة القمع والاحتواء التي مارسها نظام مبارك تجاه المعارضة بات الإخوان القوة المنظمة الوحيدة تقريبًا في الشارع المصري، في ظل صعود خيار التوريث وشبكة المصالح المرتبطة به والسياسات النيولبرالية المتطرّفة تحت مسمّى "الفكر الجديد". ومع أنّ الجماعة اتبعت أسلوبها المخاتل واعتبرت التوريث ورقة تفاوض وليس خطًا أحمر، قلّص النظام من تمثيل الإخوان في الانتخابات البرلمانية عام 2010 لضمان سيطرة الحزب الوطني الحاكم وتمرير مشروع التوريث.
ومثلما لا يرى الأمريكيون في الإسلاميين تهديدًا لمصالحهم، لا يرى الإسلاميون في أمريكا و"الغرب" الشيطان الأكبر. وللمفارقة فقد تبيّن أنّ والدة المرشح السلفي حازم صلاح أبو اسماعيل حاصلة على الجنسية الأمريكية، وكذلك ابن وبنت مرشح الإخوان محمد مرسي. كما تبيّن أنّ مرسي نفسه سافر للعلاج في لندن، التي تعتبر، وبحق، مربطًا عريقًا لخيول الرجعية العربية.

الإخوان وأضغاث التحوّل الديمقراطي
يراهن البعض على حصول تغييرات فكرية وسياسية لدى الإخوان المسلمين تؤهلهم لقيادة "التحوّل الديمقراطي" في مصر والمنطقة. معظم المؤشرات تنفي هذا الاحتمال. فالجماعة ما زالت تستخدم الدين استخدامًا رخيصًا وتعتبر مرشحها "مرشح الله" (كما قال محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق) وتكفّر من يعارضها، وما زالت تبيع الناس أوهام "دولة الخلافة" و"الولايات العربية المتحدة". وهناك منظّرون للعروبة والديمقراطية يلعبون دور عرّاب الإخوان والدفاع عنهم وتبرير انتهازيتهم وتواطؤهم والدعوة إلى "إعطائهم فرصة"، في إطار خدمة المشروع الأمريكي-الخليجي لتكريس الهيمنة على المنطقة وشعوبها ومقدّراتها وتفصيل "الربيع العربي" على مقاسات مصالح الاستعمار والرجعية ووكلائهما القدامى-الجدد، في مصر كما في سوريا ولبنان وليبيا وتونس والسودان.

معارك جديدة
بالمقابل هناك مؤشرات أخرى - كتمرّد شباب الإخوان وامتعاضهم من الدوغمائية الفكرية والرجعية الاجتماعية والتساوق مع النيولبرالية - ما زال من الصعب تقدير حقيقة حجمها وأثرها. ولكن الأهم هو أنّ المعارك التي تنتظر الشعب المصري في سعيه لاستكمال ثورته وإيصالها إلى سدّة الحكم، وإسقاط النظام حقًا وليس إصلاحه أو تجميله أو تبديل واجهاته، هذه المعارك ستفرز، بل بدأت تفرز، قوًى جديدة، وطنية يسارية متنوّرة وأصيلة، بمقدورها تنظيم الطاقات الشبابية والنسائية والعمّالية الظاهرة والكامنة، وبلورة مشروع سياسي يكسر احتكار اليمين الرجعي للدين والثقافة الدينية، لينتشل مصر من بين فكيْ الكمّاشة ويقودها إلى المستقبل الذي يستحقه شعبها العظيم وتستأهله مكانتها التاريخية.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة