الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 10:02

يوم الشهداء شذرات وزغاريد بين الأضرحة والرفات/بقلم: فؤاد الخفش

كل العرب
نُشر: 05/06/12 10:23,  حُتلن: 08:21

كان يوم استشهاد زهير لبادة وتسليم رفات الشهداء يوماً من أيام الله بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، يوم فيه بكت العيون وهتفت الحناجر وزغردت النساء وضمت الأرض أحبة كراماً نعرف بعضهم ونسمع عن آخرين صيتهم وفعالهم ضجت بها الدنا. زهير لبادة ترجل عن صهوة جواده بعد حياة طويلة وحافلة بالجهاد والتضحيات تجلّى في يوم استشهاد زهير حب الشباب لهذا الشيخ وهنا أقول حب وليس تعاطف ، فالشيخ القائد الميداني والذي لم يترك حجة لأي قاعد ، كان حاضراً في قلوب الحاضرين صرخت باسمه كل الجموع وهتفت بحياته ونادت السماء أن تزيني يا سماء فها هو زهير قد أتاك .

هتافات مؤثرة
لفت انتباهي أثناء المسيرة هتاف كان يردده الشباب المحب لزهير يقولون فيه (يا خالد بن الوليد جبنالك شهيد جديد) ويصرون على هذا الهتاف فما وجه الشبه بين زهير وخالد الذي مات على فراشه قائلاً ها أنا أموت وفي كل مكان في جسدي طعنة أو ضربة أو علامة كناية عن جهاد طويل قاده الصحابي الجليل وهكذا أرى زهير فجسده كله أزرق من محاولات البحث عن شريان لوضع إبره هنا أو هناك وآثار عملية جراحية هنا .. جسد زهير كان أزرق من آثار العلاج وهو في مستشفيات الاحتلال شاهدتها بأم عيني وشاهدها كل من زاره وعاده في مستشفى المدينة ، وهنا زهير المجاهد زهير الثائر زهير الرافض للاستكانة جسده كجسد خالد جاهد في الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية، وفي السجون كان له صولات وجولات وها هو يموت على فراشه كخالد الذي استقبل مع من استقبل شهيد نابلس الجديد.

استلام رفات الأحباب
بعد ساعة انتقلنا في يوم استلام رفات الأحباب.. خلف من نبدأ السير ومع من نمضي خليل الشريف؟؟ أم عاصم صوافطة ؟؟ ام شهداء عصيرة الشولي وياسين وجرارعة؟؟ أم نصر عصيده وتل الشهداء؟؟ من نحضن ومن نقبل ومن نودع لا أعلم فكلهم أحباب وجميعهم خط اسمه بعمق في سويداء قلوبنا يوم أن قرروا أن يعيدوا لنا كرامتنا وكان ما كان . خليل الشريف الاستشهادي الذي أصرت عائلته وضعه بجوار رفيق دربه الشهيد أمجد الحناوي كان الكيس الأسود الموضوع فيه به آثار دماء استفزني بشدة (البطانية) الملفوف بها جثمانه الطاهر إنها بطانية السجون وجهاز الشباص سكنية اللون خشنة يعرفها كل من دخل السجون بها ملفوف فرحت حين نزعها عن جسده أحد أصهاره وارتاحت نفسي لذلك .

اسم كبير
وُوري الثرى لترتاح عائلته وبكت هناك في سجن إيشل عيون معاذ بلال رفيق دربه والذي اختار لنفسه اسم أبي الشريف تعبيراً عن حبه للبطل رفيقه بالجهاد وبابن مجموعته التي كان لها اسم كبير في تاريخ الشعب الفلسطيني.  ليس بعيداً عن نابلس وفي عصيرة الشمالية كان اللقاء وكان عناق البلدة بكل أطيافها وعائلاتها مع رفات من خرج منها مع أستاذ المقاومة محمود أبو هنود ، الكل يهتف للمقاومين ، الكل ينادي الشهداء الكل نزع عن قلبه ونفسه شبح الخوف وهتفوا (يا عمر بن الخطاب جبنا لك شيخ الشباب) . ما بكم يا شباب فلسطين تستحضرون عمر وخالد من جديد وتنادون السماء وتهتفون للشهداء ... يا الله يا رب .. عادت بي الذاكرة إلى بداية انتفاضة الأقصى واقترب مني أحد الشباب مذكراً إياي بتلك الأيام وبهذه الهتافات وبروح المقاومة التي أعادتها أرواح وجثامين الشهداء. في مسجد عصيرة ووقت خروج الرفات وبعد أن ألقت أمهات وأخوات الشهداء السلام والنظرة الأخيرة عليهم خرجت من افواه النسوة (الزغرودة) التي اشتهرت بها الفلسطينية وقت وداع فلذة كبدها زغردت النساء آآآه لوقع هذه الزغرودة في النفوس لم يملك أحد نفسه ... ترنمنا مع هذا الصوت وبكينا وبكت الجموع وأتبع النسوه الزغرودة بقول روحوا الله يرضى عليكم . نعم لقد أعادت هذه الرفات للناس عافيتها وأثبتت هذه الأجساد وما تبقى منها أن الشعب يقدّر مقاوميه ويعشق ذكرهم ولم ينسهم رغم ما به من جراحات فخرج خلفهم وهتف لهم . 

حالة هجوم
لم يكن هؤلاء الشهداء ممن استشهدوا بعد قصف عسكري أو اغتيال في أحد المنازل بل استشهدوا وهم في حالة هجوم بعد أن أوجعوا وقرروا أن يثأروا للشعب المعذب ، فكانوا مهاجمين مقاومين بكل ما تحمل الكلمة من معنى . عدنا أدراجنا نحمل معنا بقايا من ترابهم وشيئاً جميلاً من رائحتهم وبعضاً من الكرامة التي كدنا ننساها في خضم الأحداث والمذلات وبت أكثر ثقة بالناس وأنها ما زالت تحب المقاومين . عدت وسمعت من أخ فاضل كان يشارك في جميع هذه الأحداث وله شقيق لم يسلم رفاته كنت أتمنى أن يكون محمد بين الجموع بكى وأبكانا فقلت له قريباً بعون الله سيأتي محمد الحنبلي لنقبّل قدمه ونضعه بجوار من نحب . لم يكن يوماً عادياً ولن تمحوه الأيام من ذاكرتنا يوم أن عادت لنا كرامتنا وتقديرنا للسادة المقاومين الشهداء فهنيئاً لك أرض فلسطين ضمّ هذه الأشلاء والراحة لمن تبقى من أمهات هؤلاء الشهداء والعودة القريبة لباقي الشهداء المأسورين في مقابر الأرقام .

فؤاد الخفش كاتب وباحث مختص في شؤون الأسرى الفلسطينيين

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة