الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 04:01

العدوان على غزة، هل حقق أهدافه؟ وهل تعاني حماس من الإكتئاب / بقلم: أليف صباغ

كل العرب
نُشر: 15/03/12 19:13,  حُتلن: 21:22

أليف صباغ في مقاله:

هل تعاني حماس من مظاهر الإكتئاب الذي عانت منه فتح في بداية التسعينيات؟

من عادة الفلسطينيين أن يقلبوا صفحة كل عملية عسكرية أو حرب يواجهون بها إسرائيل دون تقييم لأهدافها وأدواتها وطابعها المميز

من تابع الإعلام الإسرائيلي خلال أيام العدوان ويتابعه اليوم أيضاً يستطيع أن يحدد أهداف العدوان وما إذا كانت اسرائيل قد حققت أهدافها أم لا وبالتالي يحدد الأسباب التي دعتها الى وقفه

المفاجئ في نظر اسرائيل هو موقف الإخوان والسلفيين في مصر لا جديد في الموقف المصري في ظل الحكم الجديد وهذا مريح جداً لإسرائيل بل هو مشجع للإستمرار في السياسة نفسها في المستقبل

اختبار هوية حماس ومصر الاخوانية –السلفية في ظل ارتباط وتأثر حماس بالاخوان المسلمين الذين يتزايد نفوذهم خاصة بعد تسلمهم للحكم في مصر وتونس فهل تشهد حماس تحولاً لتصبح حركة سياسية "عقلانية" و"واقعية"


لم يختلف إثنان أن التفاهم الإسرائيلي الفلسطيني بوساطة مصرية لن يصمد، كما لم يصمد أي تفاهم أو إتفاق مثله من قبل، وقد نعت اسرائيل هذا التفاهم الرمادي وغير المكتوب منذ اللحظة الأولى عندما صرح المبعوث الإسرائيلي عاموس غلعاد أن إسرائيل لم تلتزم بوقف الإغتيالات ولحق رئيس الحكومة ليؤكد أن إسرائيل ستلاحق كل من "يفكر" أو "ينوي" المساس بأمنها، وهل يوجد فلسطيني لا ينوي الدفاع عن نفسه؟ وكيف سنفند حجة إسرائيل إذا ادعت أن فلان كان "يفكر" في المساس بأمنها؟ ولا يختلف عاقلان أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة جاء في ظروف عربية وفلسطينية مؤاتية جداً، ففي حين انشغل الحكام العرب في تجييش العالم الغربي و"الأمة السنيّة" والحركات السياسية الإسلاموية التكفيرية ابتداءاً من الوهاببين والسلفيين مروراً بالإخوان المسلمين وصولاً الى القاعدة أو بالأحرى القواعد على اختلاف ارتباطاتها المخابراتية ودعائمها المادية، بهدف إسقاط النظام السوري "العلوي" في نظرهم، وتنصيب حكام جدد يمكنهم الإندماج في شرق أوسط جديد لا يهدد الأنظمة النفطية الرجعية كما لا يهدد حليفتهم الكبرى وسيدة نعمتهم، الويلات المتحدة الأمريكية.
 
حلم إسرائيل!
ما يؤكد ذلك أن وزراء الخارجية العرب تنادوا على عجل واجتمعوا في القاهرة، بقيادة حمد ونبيل، مع وزير الخارجية الروسي لافروف في ظل القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، والهدف؟ هو تغيير موقف روسيا المساند لشقيقتهم سوريا من أجل اسقاط الرئيس بشار الأسد "العلوي"، وقد سخروا كل طاقاتهم لأجل ذلك، دون أن يصدروا ولو موقفاً من العدوان الإسرائيلي على غزة أو حتى التذكير به. فهل كانت إسرائيل تحلم بظروف أفضل مما وفرها لها هذا "الربيع" العربي؟

حملة عسكرية واعتقالات

ولأن من عادة الفلسطينيين أن يقلبوا صفحة كل عملية عسكرية أو حرب يواجهون بها إسرائيل دون تقييم لأهدافها وأدواتها وطابعها المميز... إلخ، لا بد لي من فعل ذلك هنا وإن لم أكن مسؤولاً في أي تنظيم أو سلطة.
ما ميز العدوان الأخير وقبل أن تتضح أهدافه الحقيقية، وبالرغم من عرضه إعلامياً وكأنه ردة فعل، أو عملية عسكرية محدودة، هو شمولية التخطيط والتنفيذ. أي، حملة عسكرية من البر والبحر والجو، بالإضافة الى حملة اعتقالات في منطقة الخليل من الضفة الغربية المحتلة، ترافقها حملة دبلوماسية دولية واقليمية اسكتت كل من يمكن أن يندد أو يعترض على العدوان، وتجنيداً شاملاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى وحتى اللحظة ما بعد الأخيرة مع تجند أكثر الإعلاميين الإسرائيليين خبرة في الحرب النفسية تجاه المواطن الاسرائيلي أو العربي، ولم ينس الإعلاميون ضرورة فحص ردود الفعل والأجواء النفسية لدى الطرف الآخر للتعرف على التأثير النفسي على القوى السياسية أو الشعبية الفلسطينية بحثاً عن شقوق يمكن أن تدق فيها أسافين الفرقة الدائمة.
 
التعويض والوعود
في الوقت ذاته بادرت الحكومة الإسرائيلية الى تقديم الوعود بالتعويض للاسرائيليين من أصحاب الممتلكات الخاصة أو العمال أو أصحاب العمل الذين تضرروا من الحملة العسكرية هذه، كما لاحظنا تجند خبراء علم النفس الحربي، إن كان من خلال استديوهات وسائل الإعلام أو ببث مباشر أعد له مسبقاً من المدارس وأماكن أخرى في جنوبي البلاد، بحيث بدت العملية العسكرية المحدودة للمراقب المختص وكأنها بداية حرب طويلة الأمد. ويبدو أن حكومة اسرائيل استعدت، ضمن سيناريوهات استعداداتها لهذا العدوان، لأن لإمكانية تدحرج هذه العملية الى حرب أكبر، وربما كانت ترى فيها تمريناً حربياً كاملاً لحرب منتظرة، أي تطبيق حي وليس مجرد مناورة عسكرية، وهذا ما يطلق عليه في اسرائيل بـ"الأمن الجاري"، أي، القيام بتدريبات حية في أرض العدو وعلى حساب دماء أطفاله وأرواح ابنائه، بين الحين والآخر، وهو فصل ومركب أساس في العقيدة العسكرية الإسرائيلية؟ أي، عمليات عسكرية ليس لها أسباب وإنما لها أهداف تكتيكية واستراتيجية في آن معاً.

تحديد أهداف العدوان
إن من تابع الإعلام الإسرائيلي خلال أيام العدوان ويتابعه اليوم أيضاً يستطيع أن يحدد أهداف العدوان وما إذا كانت اسرائيل قد حققت أهدافها أم لا، وبالتالي يحدد الأسباب التي دعتها الى وقفه، ولو لم يكن بالكامل، بعد أربعة أيام من القصف الدموي وفق تفاهم رمادي غير مكتوب. وفي أعتقادنا أن للعدوان أهدافاً عسكرية وسياسية عدة تكمن فيما يلي:
أولا، إختبار فاعلية منظومة القبة الحديدية، وفي هذا يجب أن نذكر أن وزارة الحرب الإسرائيلية كانت في منتصف شباط الماضي قد أوقفت شراء ثلاث بطاريات لمنظومة القبة الحديدية بسبب نقص في الميزانيات، وبسبب الشك الأمريكي في فاعلية هذه المنظومة، باهضة الثمن، مقابل الصواريخ الفلسطينية الرخيصة، وفي تقديرنا أن إسرائيل امتنعت عن القيام بعدوانها هذا قبل زيارة نتنياهو الى واشنطن، ولكنه أصبح ممكناً، وربما ضرورة، بعد عودته مباشرة، خاصة أن أمريكا أبدت شكاً في قدرة إسرائيل على مواجهة الصواريخ الإيرانية أو صواريخ حزب الله وحماس في حالة نشوب حرب كبرى. من هنا رأينا انشغالاً إعلامياً وعسكرياً كبيراً في أداء منظومة القبة الحديدية حتى وصلت التقييمات الى حد المبالغة المفضوحة والهدف من ذلك هو تجنيد الأموال اللازمة وشراء المزيد من المنظومات من الشركات المصنعة من جهة واقناع الولايات المتحدة والشعب الإسرائيلي بإمكانية خوض حرب أوسع وأكبر، وستثبت الأسابيع القريبة ما إذا كانت ستجد وزارة الحرب الميزانيات مجدداً لشراء منظومات جديدة. هذا مع العلم أن الجيش الإسرائيلي يستخدم حتى الآن ثلاث منظومات فقط ويخطط لشراء واستخدام 13 منظومة تصل تكاليفها، مع القذائف الضرورية لها، الى مليارات الدولارات. فهل يتجدد الحراك الإجتماعي الإسرائيلي في تل أبيب، كما كان متوقعاً مع حلول الربيع، أم أن قيادة هذا الحراك ستلتزم الصمت لأن الجيش أكثر حاجة الى الميزانيات من الأزواج الشابة؟

الهدف الثاني، يكمن في اختبار هوية حماس ومصر الاخوانية –السلفية، في ظل ارتباط وتأثر حماس بالإخوان المسلمين، الذين يتزايد نفوذهم خاصة بعد تسلمهم للحكم في مصر وتونس، فهل تشهد حماس تحولاً لتصبح حركة سياسية "عقلانية" و"واقعية" كما تحولت فتح في بداية التسعينيات؟
أم أنها تأخذ اتجاهاً أكثر عنفاً تجاه اسرائيل؟ إنه في الوقت ذاته إختبار لرد فعل الإخوان على أي عدوان اسرائيلي في ظل ما يسمى بالربيع العربي وتوجهاتهم المستقبلية بعد الوصول الى الحكم. ويبدو جلياً للمتابع أن عدداً من المحليين السياسيين في إسرائيل، وخاصة اولئك الذي يبحثون أو يتابعون الحالة العربية تابعوا ذلك وفوجئوا أن الإخوان، وخاصة في مصر، لم يختلفوا عن النظام المصري السابق، بل تركوا أمر معالجة العدوان على غزة الى طواقم النظام السابق وبالنهج نفسه، هروباً من المسؤولية ودون أن يحملوا انفسهم أي عبئ في ذلك.

الهدف المباشر
أمّا الهدف الإسرائيلي المباشر من هذا الإختبار، فيتمثل في محاولة عملية وميدانية لتحريك حماس من موقعها على مفترق طرق هام الى اتخاذ القرار الصعب، إما أن تعود الى ما كانت عليه تنظيماً مقاتلاً، أو أن تنتقل الى موقعها الجديد، موقع المهادن والمساوم و"المسؤول" و"المعتدل"، هذا الخطوة، من وجهة النظر الإسرائيلية، لا تحتاج الى مزيد من التحليل أو التأجيل وعلى حماس أن تقرر.
هذا الموقع الجديد هو ما وُعِدت به اسرائيل عشية صفقة شاليط، وهذا مطلبها اليوم، وهو الإمتحان نفسه الذي واجهته حركة فتح في بداية التسعينيات عشية اوسلو وبعد اوسلو. بمعنى آخر، كان على حماس أن تثبت قدرتها على ضبط النفس واستعدادها للدخول في انفاق التسويات مقابل احتفاظها بالحكم في القطاع، في ظل نظام شرق اوسطي جديد يكون فيه الحكم للتنظيمات الإسلامية المستعدة للتفاهم مع الولايات المتحدة واسرائيل ضمن تقاسم وظيفي معين، مع توجيه النيران الى "عدو مشترك" هو ايران والشيعة وحزب الله والنظام السوري "العلوي" على حد قولهم.
حماس بدت في ظل هذا العدوان كما كانت فتح في بداية التسعينيات خلال اوسلو أو بعدها، ونجحت في الإمتحان من وجهة النظر الإسرائيلية، ومن هنا جاء تصريح ليبرمان، وإن كان فيه شيء من الأمنية أكثر من الواقع، إن قطاع غزة قد فصل عن الضفة الى عقود قادمة. مع ذلك ربما بدت حماس، من وجهة النظر الفلسطينية، أسوأ من فتح التسعينيات، لأن فتح الرئيس عرفات لم تتخل عن العراق في ظل الهجوم الدولي والعربي عليها، بينما تخلت حماس عن سوريا وإيران وأعلنت مسبقًا أنها لن تقصف المواقع الإسرائيلية إذا ما وقع العدوان على ايران أو سوريا أو حزب الله، ولأن فتح لم تتخل عن الكفاح المسلح بسرعة، بينما تخلت حماس حتى عن نصرة إخوانهم من أبناء الجهاد الإسلامي في ظل عدوان إسرائيلي دموي. المفاجئ في نظر إسرائيل هو موقف الإخوان والسلفيين في مصر، لا جديد في الموقف المصري في ظل الحكم الجديد، وهذا مريح جداً لإسرائيل، بل هو مشجع للاستمرار في السياسة نفسها في المستقبل.

الضغط على السلطة
أخيراً، ربما أجازف إذ قلت إن "أحد أهداف العدوان الإسرائيلي أيضاً هو محاولة الضغط على سلطة أبو مازن وإعادتها الى طاولة المفاوضات بالشروط الاسرائيلية، خاصة وإن السلطة تحولت الى واسطة للتهدئة. إسرائيل لم تتردد ، حتى في اليوم الأول من عدوانها، من اقتحام منطقة الخليل واعتقال عدد من الأسرى المحررين، دون أي اعتبار للسلطة الفلسطينية أو أي رد فعل منها".
في الحقيقة، لم يتضح لأحد بعد، ما إذا إن كانت هناك اتصالات من تحت الطاولة مع السلطة لإعادتها لطاولة المفاوضات العبثية، ولكني لا أستبعد أن تكون أمريكا والأنظمة الرجعية قد قامت بالضغط على أبو مازن للقبول بالعودة مقابل وقف العدوان وربما حماس موافقة على ذلك أيضاً.
خلاصة الأمر، إن انتهاء العملية العسكرية بتهدئة هشة أصلاً كتفاهم مبهم لا قيمة له، وإن اعتبرته "الجهاد الإسلامي" انتصاراً، فهو انتصار وهمي واعتباطي بامتياز. "هدوء مقابل هدوء" من الذي فرض المعادلة؟ واسرائيل تؤكد مباشرة أنها مستمرة في سياستها بملاحقة كل من "ينوي" او "يفكر" أو "يخطط" للقيام بعمل ضد إسرائيل، وهذا يعني أن اسرائيل مستمرة في التذرع "بنية" المقاومة أو أنها "تخطط" أو "تفكر" ب... والأهم من كل ذلك هو سعي إسرائيل الدائم لأن يذوت العالم كله، والعرب بشكل خاص، والفلسطينيون أيضاً، بشرعية "محاسبة" المقاومة على ما "يفكر" أفرادها أو "ينوون" أو "يخططون"، ويبدو أن العالم والأنظمة الرجعية العربية، بما في ذلك الأنظمة الإسلامية الجديدة، قد ذوتت ذلك وهي تعلن عجزها المستمر عن مقاومة إسرائيل من خلال استجداء التهدئة وفق الشروط الإسرائيلية، والأنكى من ذلك، أو المحزن المبكي، إنها تسمي الوصول الى تهدئة انتصاراً "للحكمة" و"التعقل" و"الدبلوماسية" و"الواقعية"، وهي في الحقيقة تجسيد حسي للهزيمة الميدانية والنفسية وتعبير عن العجز العربي والإسلامي استمراراً لما سبق...
فهل حققت إسرائيل أهدافها؟ الجواب: نعم...

مدونة حيفا برس

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة