الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 11:02

المستضعفون في الأرض وسُنَّة التمكين / بقلم:الشيخ حمَّاد أبو دعابس

كل العرب
نُشر: 12/02/12 20:23,  حُتلن: 08:19

الشيخ حمَّاد أبو دعابس:

الازمة السورية المتفاقمة لن تجد طريقها الى الحل إلا عبر الحسم العسكري ولن يسقط النظام السوري بمبادرات ولا بقرارات دولية

سقط القناع عن زعيم حزب الله اللبناني وعن حزبه وسقطت هيبته في عيون وقلوب المسلمين بسبب دعمه للنظام السوري وما عاد أحدٌ يأبه بايران ويتعاطف مع مشروعها النووي لنفس السبب

الاشد غباءًا والاكثر خسارةً هو النصير الشيوعي الروسي والصيني فهؤلاء جميعاً راهنوا على نظام متهالك وآيل للسقوط وخسروا الشعب السوري بملايينه وهو صاحب القضية وصاحب الارض وصاحب المستقبل

لا أحد على وجه الارض يصدق فيه اليوم وصف المستضعفين في الارض، مثل المسلمين، اهل السنة في بلاد الشام. فقد تكالبت عليهم الامم، كما تكالبت عليهم المحن.وقد استذلَّهم وأهانهم الضعيف قبل القوي، وطمع فيهم القاصي والداني، وتخلَّى عنهم القريب والبعيد. إلا ما جاءهم من دعم معنوي وسياسي، متأخراً وضعيفاً وناقصاً. ولكن ذلك كله يؤكِّد للمؤمن حتمية نصر الله لهم، وتمكينه لعباده المستضعفين، حتى يعلم كلُّ ذي بصيرةٍ ان النصر من عند الله وحده."وما النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم".

الإرادة الالهية
مرّت على البشرية فترات ما كان يخطر على بال أحد ان يتغيَّر فيها الحال بالشكل والسُّرعة التي شهدها العالم، لتكون دليلاً على تدخل الارادة الإلهية الحكيمة، وتحريكها لشئون البشر وفق مراد الله عزَّ وجلَّ. فقد استعبد فرعون مصر في حينه بني اسرائيل، فبات يذبِّح أبناءَهم ويستحيي نساءَهم. واستخدمهم لاعمال السُّخرةِ، واستعبد الشعب المصري كلَّه، فنصَّب نفسه الهاً من دون الله، وقال انا ربُّكم الاعلى. وبينما الامر كذلك وإذ بربِّك عزَّ وجلَّ، يُعدُّ تحت ناظري فرعون من سيخلعه، ويبدِّد ملكه، ويجعله عبرةً لمن بعده من الطواغيت واعوانهم. قال تعالى موثِّقاً ذلك في كتابه العزيز:" ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم، يذبِّح أبناءَهم ويستحيي نساءَهم، انه كان من المفسدين* ونريد ان نَمُنَّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمةً ونجعلهم الوارثين* ونمكِّن لهم في الارض ونُرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون". فكان ان ربَّى الله تعالى سيدنا موسى عليه وسلم في قصر فرعون، ليقيم الحُجَّة على فرعون ثم ليغرقه الله وجنوده، ويجعله عبرةً لمن بعده.
أمَّا بعثة النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلمَّ في الجزيرة العربية، فقد توافقت مع تقاسم قوتين عظميين للنفوذ في العالم القديم هما الفرس والروم. فأراد الله عزَّ وجلَّ ان يكون وريث تلك القوتين مجتمعتين من خارج دائرتهما، وبعيداً عن توقّعاتهما. وما هي إلا سنوات قلائل بعد أن استتبَّ امر الاسلام في الجزيرة العربية، واذ بجحافل المسلمين تدك حصون فارس والروم، لتقوم على انقاضهما دولة إسلاميه مترامية الاطراف، لتصبح بعد ذلك الدَّولة الاولى في العالم لمدة زادت على الألف عام.

 حصار من خمسة دوائر لا يفكُّه الا الله
في ظل التركيبة الطائفية في سوريا، والجغرافيا الاقليمية، والاطراف الدوليه المعنية بالشأن السوري، فإن المسلمين السُّنة شكلوا حتى أمد قريب الحلقة الاضعف في كل هذا الفسيفساء المعقَّد. فالمسلمون السُّنَّة يشكلِّون الاغلبية السكانية في سوريا. ولكنَّهم الابعد عن تبوؤ المواقع المؤثرة والفاعلة فيها. فيما يشكِّل النظام البعثي الطائفي في سوريا القوة الضاغطة، والطوق الاقوى الذي يطوِّق اعناقهم ويربض على صدورهم، وهذه هي الدائرة الاولى التي لا نجاة ولا نجاح للمسلمين في سوريا الأ بالانتصار على هذا النظام القمعي المجرم، وهاهم يخوضون معه معركتهم التي لا يتوقف فيها نزيف الدم، ونسأل الله لهم النصر والتمكين على هذا الغاصب المجرم.
اما الدائرة الثانية في هذا الطوق المحكم فهي الدعم الاقليمي الذي يلقاه النظام الاسدي من ايران وحلفائها الشيعة في لبنان. فهؤلاء يعتبرون المساس بالنظام السوري خطاً أحمراً. ويهددون بالتدخل واشعالها حرباً اقليميةً لا هوادة فيها دفاعاً عن حليفهم، وحلقة الوصل التي تربطهم، بل موطئ قدمهم في المنطقة. ثم الدائرة الثالثة التي تطوّق اعناق السوريين، وهي الدعم والمدد الدولي القادم من الشرق، تأييداً ودفاعاً عن النظام المجرم، متمثلاً في روسيا والصين. وبالمقابل فإن اسرائيل تقف متفرِّجة ومترقبِّة، تنتظر فرصتها ولا يهمها الدَّم السوري المسفوك، بل لعلها مسرورةً مبتهجةً على نزيف الدم السوري واستنزاف قوة الجيش السوري، الذي لن يكون بعد اليوم خطراً عليها، ولن يفطن للجولان المحتلّ في المستقبل المنظور على الاقل. فهو طوقٍ آخر إن سلم المسلمون في سوريا مما قبله، فسيجدونه ماثلاً امامهم باشكال متعددة. ثم الطوق الاوسع والاقوى دولياً وهو الغرب الامريكي الاوروبي، الذي يتهمم للتدخُّل، ويجَنِّد من اجل ذلك حلفاءَه في المنطقة من العرب والاتراك، وقد يكون تدخّله في صالح تحرّر الشعب السوري من قبضة النظام المجرم، ولكن بتضحيات واثمان فادحة، لا يدري احدٌ ما مداها.

بين خطر الحرب الاهلية والاقليميه او العالمية
طبيعي جداً ان يعتبر بشار الاسد ونظامه القمعي الهمجي في سوريا معركتهم حرب حياةٍ او موت. وفي حين يتخوَّف الجميع من تدخُّل اجنبي، فقد يلجأ الاطراف الى دعم الجيش السوري الحرّ بالسلاح، وحينها سيسعى النظام لتحويلها الى حرب اهلية تحرق كل شيء في سوريا، ولسان حال النظام السوري ان كان لا بد منها فعليَّ وعلى أعدائي. والى جانب ذلك فإن التهديدات المتبادلة بين اسرائيل وايران وحزب الله والتي تطال المنشآت النووية الايرانية قد تتحوَّل الى حرب اقليمية تزجّ فيها،حيث يرى الاطراف المتصارعة في سوريا أن في الحرب الاقليمية فرصةً للحسم. مع احتمال انجرار اطراف اقليمية إلى أتونها ومنها دول الخليج وتركيا. وليس من المستبعد ان تتدخل أطراف دولية خارجية، وقوى عظمى مثل امريكا واوروبا وروسيا لتتحوَّل ساحة الشرق الاوسط كلها إلى ساحة حرب عالمية مدمِّره، لا يعلم مداها إلأ الله عزَّ وجلَّ. فما بين خطر الحرب الاهليه او الاقليمية او العالمية، ما يزال شلال الدم السوري ينزف، ولا يبدو في الافق مخرج إلا ان يشاء الله. ونحن نحسن الظن في الله تعالى، بان يجعل للمستضعفين مخرجاً عاجلاً قريباً.
يبدو أن الازمة السورية المتفاقمة لن تجد طريقها الى الحل إلا عبر الحسم العسكري، ولن يسقط النظام السوري بمبادرات ولا بقرارات دولية. والمرجَّح ان المنطقة مقبلة على خلط اوراق فظيع يؤول الى حربٍ متدحرجة، اهلية في سوريا، اقليمية مع ايران واسرائيل ثم عالمية بتدخل امريكا واوروبا وروسيا. ولعلَّ في ذلك شرٌّ عظيم مستطير، يتسلل منه الخير، ليضرب الله قوى الشر بعضها ببعض، ثم يجعل للمسلمين المستضعفين من خلال ذلك فرجاً ومخرجاً. أليس هو القائل سبحانه :" ونريد ان نَمُنَّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمةً ونجعلهم الوارثين* ونمكّن لهم في الارض ونُرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون".

الخزي والعار لكل من يدعم بشَّار
سقط القناع عن زعيم حزب الله اللبناني وعن حزبه، وسقطت هيبته في عيون وقلوب المسلمين بسبب دعمه للنظام السوري. وما عاد أحدٌ يأبه بايران ويتعاطف مع مشروعها النووي لنفس السبب. اما الاشد غباءًا، والاكثر خسارةً فهو النصير الشيوعي الروسي والصيني. فهؤلاء جميعاً راهنوا على نظام متهالك، آيل للسقوط، وخسروا الشعب السوري بملايينه وهو صاحب القضية، وصاحب الارض وصاحب المستقبل مهما طال الزمن.
كان بمقدور روسيا والصين ان يعتلوا الموجه كما فعلت امريكا مع حليفها مبارك. فتقوم روسيا بالضغط على النظام السوري لاسقاطه، مع تأكيدها على ضمانات لدورٍ مستقبلي، والمحافظة على علاقات وعقود مع النظام الجديد في سوريا. ولكن يأبى الله تعالى إلأَ ان يُذِلَّ اعداءَه من الكافرين والمنافقين، والظالمين ليركمهم جميعاً، ويخزيهم ويعرِّيهم، حتى تقضي الثورة السورية عليهم جميعاً بركلةٍ واحدةٍ. لا ندري كيف ستكون ولكنها حتماً قادمة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة