الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 06:02

الحروب الأهلية في لبنان.. سهيل فراج


نُشر: 11/02/08 07:54

ملاحظات حول كتاب  "الحروب الأهلية في لبنان ومشروع تهجير الموارنة إلى الجزائر 1840 – 1860 "

صدر مؤخرًا عن دار النهضة للنشر في الناصرة الطبعة الأولى (2007) للكتاب المذكور أعلاه من تأليف الدكتور إلياس سليمان إبن قرية الجش وفيه يتناول أحداث الحروب الأهلية في لبنان بين الدروز والموارنة ومشاريع تهجير الموارنة إلى الجزائر . ونظرًا لأهمية هذه الدراسة التاريخية ارتأيت أن أُسجل بعض الملاحظات حول هذا الكتاب .
لقد أورد المؤلف في المقدمة أنه انتهج الموضوعية والعقلانية في دراسته مستندًا إلى "وثائق وزارة الخارجية الفرنسية والمستندات الجزائرية والمراسلات الدبلوماسية وعشرات الدراسات والمصادر التاريخية" . ومع أني لا أشك في أن المؤلف قد حاول انتهاج الموضوعية والعقلانية إلا أنه لم ينجح تمامًا في مهمته هذه . فكما هو معلوم فإن مصادر دراسة هذه الحقبة الزمنية من تاريخ لبنان 1840 – 1860 هي متعددة ومتنوعة فمنها المصادر المسيحية والمصادر الدرزية والأجنبية والعثمانية ولهذا فإن مهمة المؤرخ لهذه الحقبة الزمنية ليست بالأمر السهل وعليه أن يكون حذرًا في اختيار المصادر المستند عليها خاصة وأن الدراسة هذه تتركز في الأساس على صراع بين فئتين من أبناء الشعب الواحد ، وكل فئة تحاول عادة إلقاء مسؤولية ما حدث على الفئة الأخرى . والحق يقال أن المؤلف حاول انتهاج الموضوعية في استخراج حقائق الماضي وقد برز ذلك عندما استعرض سياسة الأمير المسيحي بشير الشهابي الثاني (1788 – 1840) الطائفية حيث يروي حوادث عديدة أظهر فيها الأمير بشير عدائه للدروز مثل قتل زعيم الدروز بشير جنبلاط وتوليه للمسيحيين على الشوف .. وسماحه للمسيحيين باضطهاد الدروز وإرغامهم على النزوح إلى حوران .. (ص23) ثم يضيف أن المسيحيين لم يتورعوا عن اقتراف القتل بوحشية .. وتعذيب الأطفال والنساء (ص24) . وفي موقع آخر يذكر الكاتب أن نيّة الموارنة هي طرد الدروز من لبنان في القريب العاجل (ص53) ولهذا تسلّم البطريرك مبلغًا من المال من فرنسا لتنفيذ ذلك (ص54) .
وعن بداية الأحداث الدموية بين الدروز والموارنة عام 1841 يكتب المؤلف ".. لم يرَ الدروز بُداً وقد هوجموا بوحشية من اللجوء إلى السلاح والدخول في المعركة (ص55) .. وقد فقد الدروز أربعة من شيوخهم المهمين قتلوا في بعقلين مع بعض نسائهم (ص57) ويؤكد الكاتب أن الحرب الأهلية الأولى هذه قد أسفرت عن مقتل مئة رجل معظمهم من الدروز (ص64) ومع ذلك يذكر الكاتب أن القاطنين من الموارنة بين الدروز كان يردّدون "أنه من المستحيل أن نتعايش مع الدروز فعلى أحدنا إما الرحيل أو الهلاك" (ص78) رغم أن الدروز كانوا قد دخلوا في محادثات مع الموارنة ليؤلّفوا جبهة واحدة ضد الحكومة العثمانية (ص70) .
أما عن الحرب الأهلية الثانية 1845 فيكتب أنه في شهر نيسان 1845 انفجرت العاصفة عندما قام الموارنة بهجوم شامل على الدروز (ص80) .
إن هذه الحقائق التي أوردها الكاتب اتفق عليها معظم المؤرخين لهذه الحقبة الزمنية الحساسة في تاريخ جبل لبنان لكن الكاتب عندما ينتقل إلى استعراض الحرب الأهلية الثالثة 1860 فأنه يلتجأ إلى مصادر أخرى غير موضوعية تحاول إلقاء اللوم والتهم على فئة دون أخرى . فحول بداية أحداث 1860 يكتب المؤلف "إن أصل هذا العراك مشادة بين صبي درزي وآخر ماروني فأخذ بعض الدروز يطلقون النار فقط لعرض العضلات فما كان من الموارنة إلا أن اندفعوا إلى سلاحهم وأمطروا الدروز بوابل من الرصاص .. وقد هُزم الموارنة رغم أن عدد قتلى الدروز فاق الموارنة بـ 28 قتيلا " (ص137) لكنه يعود ويكتب في الصفحة التالية (ص138) أن الدروز قد هُزموا الأمر الذي دفعهم للقيام بحرق بعض القرى المسيحية .. ومهاجمة المسيحيين المعزولين (ص140) ومداهمة دير ماروني وقتل رئيس الدير وهو في سريره .. ثم يقومون بقتل 1000 من المسيحيين في حاصبيا و 800 في راشيا (ص141) ثم يورد الكاتب على لسان نايفه جنبلاط "لن يترك على قيّد الحياة مسيحي بين السابعة والسبعين من العمر" (ص142) وأنه لم يعد هناك شك في طبيعة التعدّي الدرزي (ص143) مع أن الأحداث الدموية السابقة قد أثبتت أن المسيحيين كانوا هم البادئين وكذلك فإن الملاحظة الهامشية (ص143) تؤكد الأمر ذاته .
وعن تطور أحداث 1860 يورد الكاتب رسالة بعثها سعيد جنبلاط أحد زعماء الدروز إلى دروز حوران طالبًا النجدة مبيّنًا كيف دمر المسيحيون بيوتهم واعتدوا على حرمة نسائهم لكن من جهة ثانية يكتب أن سعيد جنبلاط قد غدر بالموارنة في جزين وذبح 1200 منهم (ص150) وأنه لم يوفر الكنائس والأديرة .. وأن الراهبات طُردن من الأديرة شبة عاريات وفي بعض الأحيان تعرضن لاعتداءات جسدية أما الرهبان فقد ذُبحوا بلا رحمة ثم أُضرمت النار في الأديرة بعد نهبها (ص151) وفي دمشق قام مسلمو المدينة بحرق الحيّ المسيحي الأعزل وبقتل الآلاف واصفًا الأحداث بمذبحة دمشق (ص160) .
بعد هذا الاستعراض أود الإشارة على أن الكاتب قد كررّ مرات عديدة استعمال مصطلح "مذبحة" وبذلك فهو يتخذ موقفًا من الأحداث ، وهذا هو من حقه كمؤرخ فالموضوعية لا تعني دائمًا التجرد من اتخاذ مواقف ولكن على المؤرخ تقع مسؤولية كبرى وقد وُصف كأنه "شرطي مرور يُمرر الوقائع على مفترق الطرق الصعبة وعند الدوارات ذات الاتجاهات المتنوعة" ولذلك كان من الأجدر على الكاتب أن يتجنب استخدام هذا المصطلح لعلمه الأكيد بأن "الماضي لا يبعث على القلق وإنما هو القلق من الحاضر والمستقبل" وأن "المواقف المتخذة من الماضي تتأثر بمعتقدات الحاضر وآمال المستقبل" خاصة وأن الكاتب يختم كتابه بدعوة طيبة إلى التعايش والتوافق بين أبناء الشعب الواحد (ص185) .
أما عن مشاريع تهجير الموارنة والتي ذُكرت وكأنها جاءت كرد فعل على "المذابح" ضد الموارنة (ص10) فأكتفي باقتباس حرفي مما أورده الكاتب في الخاتمة حيث كتب هو بنفسه "مشاريع التهجير التي كشفت أحد أوجه سياسة فرنسا الخارجية التي دعمها بعض رجال السياسة والدين الموارنة في مشروع مشترك فرنسي – ماروني بإعطاء حلول لمصير الموارنة إبان الحرب الأهلية ولخدمة المصالح الفرنسية أولا ً وأخيرًا ".

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.66
USD
3.95
EUR
4.62
GBP
257238.76
BTC
0.51
CNY