الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 16 / أبريل 14:02

المؤامرة على الثورة السورية/ بقلم: زياد دياب

كل العرب
نُشر: 19/01/12 16:17,  حُتلن: 09:25

أهم ما جاء في المقالة:
لو كانت أمريكا تضمن أن الإسلاميين سيحكمون سوريا كما في مصر وليبيا وتونس بعد سقوط نظام العائلة المستبد، لأسقطت هذا النظام البارحة قبل اليوم
 
حين يسقط النظام السوري المستبد والفاسد، والذي رعته ودللته أمريكا وحلفاؤها على مدى أربعين سنة، فالبديل أحد اثنين؛ نظام ديموقراطي، أو نظام ديني / طائفي

على العكس من النظام الديموقراطي فإن النظام الديني/ الطائفي يساعد على استمرار هذه الفوضى "المدمرة" التي تستنفر الغرائز وتثير الجدل البيزنطي حول مقاصد الدين وآراء الفقهاء فتشغل الشعوب عن أولويات حياتها وتمنع تطورها

أمام الثوار السوريين طريق واحد لمواجهة هذه المؤامرة هو المحافظة على سلمية الثورة وتصعيدها للوصول إلى عصيان مدني يقود إلى سقوط النظام وإفشال مخططات أمريكا وحلفائها

الفكر السني صاحب الحاضنة الغالبية بالمنطقة; فكر قاعدي تفجيري; وفكر وهابي تخديري; وفكر أخواني بلا ملامح باسثناء أقلية منه; الثلاثة يبجلون باغيا أمويا، والثلاثة يتنفسون طائفيا، والثلاثة يقبضون الحقيقة، والثلاثة يرفضون التعددية، والثلاثة يلعن بعضهم بعضا، والثلاثة يكفرون غيرهم كفرا; والفكر الشيعي وحاضنته إيران هو الوجه الآخر لعملة الظلامية والسلفية والأصولية والطائفية ودونك الحذاء بالحذاء.

ضاعت الأمة عقودا تحت استبداد أنظمة لعبت مع هذا الفكر بأقسامه، ولم تستطع منفردة أو مجتمعة إلا أن تكون مطية تركب أحيانا وتحلب أحيانا وتقتل أحيانا، وبقيام الثورات العربية في تونس ومصر على حين غرة من هذا الفكر نجحت هاتان الثورتان وانقلب النظامان المستبدان، ولكن ما أن تحقق النجاح بهذين البلدين حتى تنبه هذا الفكر ليلحق بالركب فكان شؤما في البحرين وسوريا حيث أفسد ثورتهما بطائفيته وعنجهيته أما الدول التي نجحت فيهما الثورات دون أن يحركهما بنفسه فقد نشط لتعطيل الحياة السياسية الجديدة فيهما من خلال الفكر السلفي المتطرف الذي يجد فيه كل لاعب داخليا أو خارجبا بغيته.


فإذا لم تتبنى الحركات السياسية الإسلامية في البلدان التي نجحت فيها الثورة نهجا جديدا وقطيعة مع أدبياتها الكسيحة فستصاب على ما بها بالعلة بعد العلة أو يخرج منها نهج جديد ومغاير ربما يفقدهما تسعين بالمائة من ملامحها ليضمن لها البقاء والاستمرار.
لو أرادت أمريكا أن تسقط نظام العائلة المالكة المستبد في سوريا لفعلت، وإذن فالسؤال هو: لماذا لم تفعل إلى اليوم ؟.

تأجيل إسقاط النظام
لو كانت أمريكا تضمن أن الإسلاميين سيحكمون سوريا، كما في مصر وليبيا وتونس، بعد سقوط نظام العائلة المستبد، لأسقطت هذا النظام البارحة قبل اليوم، لكن أمريكا، بالتحالف مع أوروبا وإسرائيل ودول الخليج، تخشى فشل التيارات الاسلامية ونجاح التيارات الديموقراطية في أي انتخابات حرة ستجري في سوريا، بعد سقوط هذا النظام، ولذلك فهي تتباطأ وتظهر كالمتردد وتؤجل وتطيل في عمر النظام في محاولة فرض أحد أمرين:
الأول: الإبقاء على هذا النظام، الذي كان حليفا استراتيجيا لها منذ أربعين سنة، مع بعض الإصلاحات الأساسية التي تلبي مطالب المحتجين; ما يعرقل هذا الحل هو المافيات الممسكة بعنق النظام لأنها تخشى أن تقود هذه الإصلاحات الأساسية إلى تفكيك النظام خلال بضعة أشهر.
الثاني: في حال فشل المفاوضات، التي تجري مع النظام من تحت الطاولة عن طريق الجامعة العربية، سيقوم هذا التحالف، الغربي العربي الإسرائيلي، بدفع الأوضاع إلى مواجهات عسكرية يقودها الإخوان المسلمون الذين يؤطرون اليوم ما يسمى بالجيش السوري الحر، بهدف أن يأتي الإخوان إلى الحكم على ظهر دبابة (تركية أو أطلسية) ، هذه هي المؤامرة التي تتعرض لها الثورة السورية اليوم.  حين يسقط النظام السوري المستبد والفاسد، والذي رعته ودللته أمريكا وحلفاؤها على مدى أربعين سنة، فالبديل أحد اثنين؛ نظام ديموقراطي، أو نظام ديني / طائفي..

المسألة الطائفية
في الحديث عن النظام الديموقراطي، إن هذا النظام يفكك المسألة الطائفية ويقوم بحلها كي يؤسس للسلم الاجتماعي القائم على قبول الآخر المختلف، هذا السلم الاجتماعي الشرط اللازم لتطور أي مجتمع وهذا السلم الاجتماعي لا يخدم مصالح أمريكا وحلفاؤها، الغرب وإسرائيل، من هنا نفهم حرصهم على نشر ما سموه بـ "الفوضى الخلاقة" التي وردت في أدبيات اليمين الأمريكي، والمقصود بها نشر الخلافات "المدمرة" التي تستنزف طاقة الشعوب وتسمح لهم باستنزاف خيراتها دون مقاومة تذكر، كما يشكل النظام الديموقراطي في سوريا تهديدا مباشرا لأنظمة الأسر الحاكمة في المنطقة لأنه سيعبر عن التطلعات المشروعة لشعوبها.
على العكس من النظام الديموقراطي فإن النظام الديني/ الطائفي يساعد على استمرار هذه الفوضى "المدمرة" التي تستنفر الغرائز وتثير الجدل البيزنطي حول مقاصد الدين وآراء الفقهاء، فتشغل الشعوب عن أولويات حياتها وتمنع تطورها.. (يكفي أن يلقي المرء نظرة على الفضاء "الخرافي" الذي تعج فيه الفضائيات والاذاعات والتسجيلات والكتابات الدينية، ويحسب مليارات الساعات التي تذهب هدرا كل يوم في ثرثرة صفراء مقيتة عن قال فلان وأفتى فلان وتجشأ فلان ودخل فلان المرحاض بقدمه اليسرى فشاهد جنية تتوضأ.

مصالح إسرائيلية
ولأن النظام الديني / الطائفي يستمد شرعيته من السماء التي ترسل "بريدها" من خلال هذا أو ذاك من "السعاة" المجتهدين بأجر أو بأجرين، فما أسهل من تطويع هؤلاء الفقهاء و"رسائلهم" لرغبة هذا الحاكم أو ذاك لأنه سيدفع الأجر دوما (ترغيبا أو ترهيبا).
إسرائيل أيضا تفضل نظاما دينيا / طائفيا في سوريا لأن نظاما كهذا لا يعادي اليهود (الحرب مع اليهود مؤجلة "شرعا" إلى يوم ظهور المهدي المنتظر، وقيامها قبل ذلك محرم بحسب غالبية العلماء; لهذا السبب لم تهاجم القاعدة إسرائيل أو شخصا أو موقعا أو مصالح إسرائيلية، ولم يجتمع "العلماء" على إعلان الجهاد ضد إسرائيل; ولهذا السبب، أيضا، تسعى إسرائيل حثيثا لإعلانها "دولة يهودية"، فتضمن بذلك عدم الاعتداء عليها من محيطها الإسلامي.

طريق واحد
أمام الثوار السوريين طريق واحد لمواجهة هذه المؤامرة هو المحافظة على سلمية الثورة وتصعيدها للوصول إلى عصيان مدني يقود إلى سقوط النظام وإفشال مخططات أمريكا وحلفائها; عندها سيتمكن السوريون الأحرار من بناء دولة ديموقراطية حقيقية تكون طليعة لسواها من الدول العربية في المنطقة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة