الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 21:01

في رثاء الدّكتور سليم مخّولي (أبي حبيب) بقلم المحامي:جريس بولس

كل العرب
نُشر: 09/01/12 08:05,  حُتلن: 07:42

خبرٌ عَز عليَّ مستمعه، واثر في قلبي موقعه. خبر تستاءُ له المسامعُ وترتجُّ منه الأضالعُ، خَبَرٌ يهُدّ الرواسي ويقلقُ الحجر القاسي. كادت له القلوبُ تطير، والعقول تطيش، والنفوس تطيح. خبر يشيب الوليدَ، ويذيب الحديد، قد كاد من الحزن ان تنقبض الألْسُن عن هذا النعي الفادح وتخرسُ، وتقصر الأيدي عن التعزية بهذا الرّزء الفادح وتيبَسُ.

ولقد كنت من الاوائل الذين علموا بوفاة المرحوم ورأوه راقداً في فراشه ساكناً لا يتحرَّكْ، فتسمّرت في موقعي من الحزن أتمزَّقْ، وقلبي من الألم يتحرَّق، ودمعي كاد يفضحني ويتدفقْ.

سليم مخّولي ... أبو حبيب

عرفته أخاً واباً عزيزين، كنت ازوره وأحياناً برفقة ابي يزيد، المرحوم العزيز فريد سعيد، تشدّه إليَّ محبّة خالصة، يحدثنا في شؤونه وشجونه، يبثنا لواعج نفسه عن فلسطين التي تشغل منه البال والضمير، فلسطين مسقط رأسه، ومحط آماله وأحلامه، ومصدر قلقه وآماله، فلسطين الوطن السليب والحق الجهيض. فلسطين الارض والشعب، فلسطين هي ذاكرته ورؤياه، وهذا ما عبّر عنه في شعره وأدبه ورسوماته وفنه، هي المحور وهي القضية. هكذا كان طوال حياته، هكذا كان في شبابه، كما في كهولته وحتى لحظة رحيلِه.

وكنا نلتقي في الرَّأي ان قضية فلسطين هي قضية وجود لا مجرَّد قضية حدود، لذا فانها قضيّة انسان سلب حقه في الحريَّة وتقرير المصير قبل ان تكون قضيّة ارض، وبناء عليه فان الحل المنشود للقضيّة ليس في القرار 242 الصادر عام 1967 وانما في القرار 194 الصادر عام 1948. قضيّة فلسطين بعبارة موجزة تعادل حقّ العودة للاجئين إلى ديارهم.

شهد أبُو حبيب حال الاقتتال الانتحاريّ بين حركة حماس وحركة فتح على أرض فلسطين في تناحر على السلطة، في وقت كانت اسرائيل تواصل اعتداءاتها على الشعب والارض، ثم على الحرم الشريف، المسجد الاقصى وغيرها من المقدسات الاسلاميّة والمسيحيّة.

فقال كما قلت: لم قيَّض الله تعالى لي العيش لأبلغ من العمر عتيَّا فاشهد هذه الحال المزرية غير المسبوقة من الفرقة بين اخوة في النكبة والنضال في فلسطين وبين اخوة على خطوط التمايز المذهبيّ والطائفيّ المقيت في لبنان؟

عرفته صديقاً وفيَّاً حميماً. أبثه لواعجي القومية فيشاطرني أفراحي وأتراحي، همي ورجائي، حيال ما يواجه الوطن العربي في شتى الاقطار من تحوّلات وتغيّرات وتقلّبات، ما يحل بالشعب العربي في مشرق العالم العربي ومغربه من نمو ونكسات، من ازدهار وكساد، من بحبوحة وعجز، من نعيم ورزايا، لا بل ما يقع فيه من خطوب وما ينتظره من تطلّعات وآفاق.

الى ذلك أبو حبيب شاعر وأديب وفنان ورسّام، رجل ناجح وبارع وهو فوق ذلك محترم، كان يجلُّهُ كل من يعرفه لانه كان يحترم نفسه، أرسى قواعد ابداعه بيديه، بكدِّه وجدّه وعقله، فولد الابداع في حضنه وترعرع ونما، فكانت حيوية الابداع آية من آيات حيوية الرّجُل، تنعكس فيه رصانته وحصافته، ويستمد صلابته من قوة ارادته.

كان الرجل واثقاً من نفسه مطمئناً الى منعته اطمئنان المؤمن بامكانات الوطن المدفوع بزخم دافق لشعب بلا حدود.

وكان الرجل انساناً كبيراً في حنانه، في عطاءه، قلبه مع المحتاج، مع الملهوف، مع الفقير، مع البائس هذا هو سليم مخّولي، أبو حبيب، الذي عرفته وكما عركته.

كانت لحظة فراقه الحياة لحظة ألم ولوعة لي شخصياً ولكل من عرفه وخبر مزاياه، مزايا ذلك الانسان الكبير والفذ. بغيابه افتقد شخصيَّا صديقاً وفيَّاً صدوقاً ورجلاً مميّزاً.ً

والموت خطب قد عظم حتّى هان، وأمر قد خشن حتى لان، ولعل هذا السهم قد صار آخر ما في كنانتها وأزكى ما في خزانتها، ونحن معاشر التبع نتعلم الادب من اقواله، والجميل من افعاله، فلا نحثه على الجميل وهو الصبر، ولا نرغبه في الجزيل وهو الاجر، فلير فيهما رأيه.

رحم الله ابا حبيب، وحفظ ذكره مصدر إلهام للانسان المنفتح الخلاَّق، للمواطن الصالح، كان كذلك في مجتمعنا، كان يجسّد في شخصه القيم الوطنيّة والقوميّة في فلسطين والامّة العربيّة في أبهى صورة. وتكريمه فعل إيمان في تلك القيم. سيبقى ذكره خالداً في ضمير احبائه والمعجبين به، وستبقى سيرته قدوة لمن يقتدي.

وأختم عزائي بالقول: العزاءُ على الأعزَّة رشد كأنّه الغيّ، وقد مات الميّت، فليحيَ الحيّ.
 

- في رثاء الدّكتور سليم مخّولي (أبي حبيب) -

بقلم المحامي: جريس بولس.
كفرياسيف.

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة