الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 16 / أبريل 20:01

المطران عطاالله حنا: الربيع العربي ليس وقتا لهروب الكنيسة التي يجب أن تقول كلمتها

كل العرب
نُشر: 10/12/11 07:49,  حُتلن: 11:55

 سيادة المطران عطاالله حنا:

كما تجسد يسوع المسيح في أرضنا نحن ايضا نتجسد في أوطاننا ونعمل مع الجميع لخير وتقدمه

السيد المسيح لم يهرب أمام التحديات بل واجهها لعلمه أن الآب السماوي يدير الأحداث لخير من يحبونه

الشارع العربي تحرك ليقول كلمته بعد أن عاش فترة طويلة من القمع والظلم داخل مجتمعاته ومن جراء التدخلات الخارجية

المسيحي لا ينغلق على ذاته بل يظل قلبه مفتوحا لجميع الناس ذوي الارادة الصالحة من أيه فئة لكي نعمل معهم جنبا الى جنب من أجل خير

الهروب يجعل الساحة فارغة من وجودنا ومن لا يقف مع شعبه اليوم لا يحق له في المستقبل أن يطالب بموقع غاب عنه في الأوقات العصيبة

كنائسنا مدعوة أكثر من أي وقت مضى أن تكون بجانب مجتمعاتها كما كانت دائما ولكن الأحداث الجارية تتطلب المزيد من الدراية والحكمة والجرأة

الأحداث الجارية في العالم العربي ليست أحداثا عابرة بل مصيرية وهي شديدة التعقيد ومتعددة الجوانب وقد يكون فيها ايضا الكثير من اللبس والنوايا الخفية

الأوقات التي نعيشها ليست اوقاتا للهروب أو غسل ايدينا بل هي أوقات يجب أن نعرب فيها عن التزامنا الواقعي والملموس في خدمة امتنا العربية ومجتمعاتنا

الالتصاق ببلداننا في هذه الظروف هو الطريق الصحيح الذي يجب أن نسلكه بالرغم من جميع تحدياته وصعوباته ومشاقه لأن الأوقات الصعبة هي المحك الحقيقي لالتزامنا في مجتمعاتنا

مقدمة
يمر العالم العربي بمخاض مؤلم نرجو أن يحضر لميلاد شيء جديد في مجتمعاتنا لم يكن يخطر على بال. لقد تحرك الشارع العربي ليقول كلمته بعد أن عاش فترة طويلة من القمع والظلم داخل مجتمعاته ومن جراء التدخلات الخارجية. وهذه فترة صعبة تتطلب منا الكثير من الوعي والإدراك والتحليل كي نجد موقعنا في المكان الصحيح في خضم تلك الأحداث. أما كنائسنا، فهي مدعوة أكثر من أي وقت مضى أن تكون بجانب مجتمعاتها، كما كانت دائما. ولكن الأحداث الجارية تتطلب المزيد من الدراية والحكمة والجرأة. مطلوب من كنائسنا في هذه الظروف الحالية أن تكون على مستوى الأحداث. إن ما يجري يتطلب من كل مواطن جهدا استثنائيا ليفهم ما يجري وليجد موقعه في كل ما يجري من أجل خير الوطن ومن خير الانسان في هذا الوطن. إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لكل مواطن، فالكنائس هي أيضا مدعوة إلى جهد استثنائي كي تقرأ الأحداث قراءة عميقة وتأخذ منها المواقف التي تكون لصالح الانسان العربي في هذه الظروف الصعبة.


المطران عطا الله حنا

المطلوب من كنائسنا
من هنا نلفت النظر إلى مجموعة من النقاط التي فيها نلخص ما ننتظره من كنائسنا في هذه اللحظة الراهنة. وقد تكون هذه النقاط عمومية ونظرية، ولكنها، في الواقع، تشكل القواعد الثابتة التي ننطلق منها كي نبلور ما ننتظره من كنائسنا في هذه الظروف الراهنة.

 1) الإنسان يتكلم بالأحداث والتفكير. وكلما كانت الأحداث متسارعة وحادة، كان التفكير أكثر الحاحا، ويتطلب المزيد من الجهد كي لا تبتلعنا الأحداث من غير أن ندري إلى أين تسير بنا. والأحداث الجارية في العالم العربي ليست أحداثا عابرة، بل مصيرية. وهي شديدة التعقيد ومتعددة الجوانب، وقد يكون فيها ايضا الكثير من اللبس والنوايا الخفية، بحيث لا تكفي الشعارات أن تلمّ بها وتحيط بأبعادها. من هنا تأتي أهمية التفكير، أي التحليل وربط الأحداث باسبابها وحيثياتها ومحاولة النظر في نتائجها، ومَن المستفيد منها. ما هو مطلوب من كنائسنا هو هذا التفكير الرؤيّ والهادئ والموضوعي، كي يصب هذا التفكير في خير كنائسنا وخير شعوبنا وبلداننا. بدون هذا التفكير يتحول عملنا ارتجاليا ومتقلبا ومزاجيا تتقاذفه الرياح من كل جانب. وهذا يتطلب من الكنائس اللجوء إلى ذوي الاختصاص كي نحيط بما يجري من كل جوانبه، الانسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمعيشية. ماذا يحدث؟ لماذا؟ وما هي اسبابه؟ ومن يتحرك على الأرض؟ ومن هم الفاعلون؟ ولمصلحة من؟ وإلى أين نحن متجهون؟ وما هي مصلحة شعوبنا الحقيقية وسط ما يجري؟... وهذا التفكير يجب أن يكون موضوعيا، بعيدا عن الإفكار المسبقة وعن الأحقاد القديمة والقوالب الجاهزة والخطابات الجاهزة.

2) قراءة الأحداث قراءة إيمانية- لا يحق لكنائسنا مقاربة الأحداث مقاربة بشرية فحسب، بل يجب أن تعمل على استنطاق إيمانها كي يكون البوصلة التي توجه تفكيرها. وهذا ما يتطلب عدم الرضوخ للانفعالات الآنية والمشاعر المتسرعة التي قد تؤدي بنا إلى منزلقات لا تحمد عقباها. فالتفكير الكنسي يجب أن ينطلق من هوية كنائسنا ورسالتها وشهادتها. ولكن هذا الإيمان ليس ايمانا مجردا، بل متجسدا في الواقع. والواقع هو حقيقة مجتمعاتها وما تعاني من شدائد وصعوبات وقضايا. ينطلق تفكيرنا من إيماننا من جهة، ومن حقيقة مجتمعاتها وخيرها، حاضرا ومستقبلا، من ناحية أخرى. إن التفكير المسيحي والكنسي يجب أن يمسك بطرفيه، إيماننا وحقيقة مجتمعاتنا.
 
3) أن تقول كنائسنا كلمتها-
إن كنائسنا عريقة في القدم في هذه المنطقة، وهي ملتصقة بشعوبها وبلدانها. فمن حقها، لا بل من واجبها، أن تقول كلمتها فيها، فلا تظل على هامش الأحداث تنتظر ما تؤول اليه، بعقلية قدرية تعفينا من أن نقول كلمة الحق. والكلمة التي نقولها قد تكون كلمة اصيلة لا يستطيع أحد غيرنا أن يقولها، لأننا أحرار من كل ايديولوجية أو مصلحة أو ارتباط خارجي. وهذا ما قد يجعلها كلمة صريحة وصادقة في خدمة مجتمعاتنا وشعوبها التي يبدو أن الأحداث تسير بها حيث لا تريد، أي إلى مزيد من التقسيم والشرذمة خدمة لمصالحة قوى لا تريد الخير لمجتمعاتنا وشعوبنا وبلداننا. وعليه، يجب أن تكون كلمتنا مدروسة ونابعة من مصلحة أمتنا. وبهذا تكون على غرار الآباء القديسين الذين لم يخافوا من سلطان ولم يتراجعوا أمام مصالح الأقوياء، بل كانوا بجانب شعوبهم في السراء والضراء.
 
4) الالتزام وتجنب الهروب-
إن الظروف الحالية قد تحمل بعض المسيحيين على الاعتقاد أن الأمر لا يعنيهم، وأن هذا العالم ليس عالمهم. إن هذا الاتجاه يضع المسيحيين في حالة انعزالية لا يمكن أن تتناسب مع إيمانهم وضرورة تجسيده في الواقع المعاش. إن الأوقات التي نعيشها ليست اوقاتا للهروب أو غسل ايدينا، بل هي أوقات يجب أن نعرب فيها عن التزامنا الواقعي والملموس في خدمة امتنا العربية ومجتمعاتنا. إن الهروب يجعل الساحة فارغة من وجودنا. ومن لا يقف مع شعبه اليوم، لا يحق له في المستقبل أن يطالب بموقع غاب عنه في الأوقات العصيبة. إن الهجرة، الداخلية (عدم الاهتمام والاكتراث لما يجري) والخارجية (اللجوء إلى الخارج وهجرة بلدانهم)، ليست الحل الأمثل. إن الالتصاق ببلداننا في هذه الظروف هو الطريق الصحيح الذي يجب أن نسلكه، بالرغم من جميع تحدياته وصعوباته ومشاقه. إن الأوقات الصعبة هي المحك الحقيقي لالتزامنا في مجتمعاتنا.
 
5) التشاور بين الكنائس- إن الآفة الكبرى التي تعاني منها كنائسنا هي انقساماتها، مما يحول دون أن تجتمع على كلمة واحدة توجهها لمجتمعاتها ومؤمنيها. إن الانفراد والاستفراد لا يفيد كنائسنا. من الواضح أن الصعوبات التي تواجهها مجتمعاتنا وتواجهها كنائسنا في هذه المجتمعات، ليست قضايا تهم هذه الكنيسة فقط أو تلك، بل تنال من واقع وحاضر ومستقبل جميع المسيحيين في بلادنا ومنطقتنا. وهذا ما يتطلب الوقوف معا من أن أجل أن نبلور موقفا موحدا يكون لخير مجتمعاتنا وشعوبنا وكنائسنا. إننا نرجو من مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي التئم مؤخرا في جمعيته العمومية، والذي جدد أجهزته، ويستعد لانطلاقة جديدة، أن يكون المنبر الذي من خلاله تجتمع كلمة كنائسنا. وهذا التشاور يجب ألا يكون الهدف منه فقط مصلحة كنائسنا فحسب، بل مصلحة شعوبنا العربية بأسرها.
 
6) الحوار مع الجميع- لا تتقوقع كنائسنا على ذاتها، بل تعمل بالتعاون والتحاور مع الجميع. لقد كنا دائما في علاقة وثيقة مع جميع ابناء مجتمعنا. وفي هذه الأوقات الصعبة والمصيرية والحاسمة، لا نريد أن ننعزل عن جميع مكونات مجتمعنا، لكي نعمل معا في سبيل نهضة بلداننا. إن المسيحي لا ينغلق على ذاته، بل يظل قلبه مفتوحا لجميع الناس ذوي الارادة الصالحة، من أيه فئة كانوا، لكي نعمل معهم جنبا الى جنب من أجل خير مجتمعاتنا. لقد ارادنا الله معا في هذه البقعة من العالم، فلن نقبل أبدا أن نتخلى عن أي كان، بل نقف بجانبه ونعمل معه. إن السيد المسيح لا يشكل حاجزا أمام مكونات مجتمعنا، بل إنه الجسر الذي يقودنا الى مجتمعاتنا ويقود مجتمعاتنا الينا، في سبيل العمل معا من أجل الانسان في منطقتنا.
 
7) أن نقف بجانب مؤمنينا- في خضم الأحداث الجارية، نلاحظ، في بعض الأحيان، أن المسيحيين يعيشون في حالة من القلق والمخاوف والتساؤلات، خصوصا وأن الأحداث الجارية تمس وجودهم ويتأثرون بها ويتحملون نتائجها. وهذا كله يتطلب من كنائسنا أن تقف بجانب مؤمنيها، على جميع الأصعدة، فلا يشعرون أنهم رعية بغير راع، لا يعرفون إلى من يتوجهون وكيف يتصرفون وكيف يلتزمون. إن مرافقة كنائسنا لمؤمنيهم يجب أن تأخذ اشكالا متعددة، منها: مساعدتهم والتحاور معهم لكي نفهم معا معنى ما يجري، العمل على مساعدتهم ماديا بكل الطرق الممكنة، وبث روح الرجاء في قلوبهم، وتشجيعهم. إن السيد المسيح لم يهرب أمام التحديات، بل واجهها لعلمه أن الآب السماوي يدير الأحداث لخير من يحبونه. بكلمة، يجب أن يشعر مؤمنونا أنهم ليسوا وحدهم وسط الأمواج العاتية، بل إن كنائسهم تتعاطف معهم، وترافقهم، وتساعدهم، وتقف بجانبهم. ولكن يجب ألا يكون ذلك من باب المصالح الطائفية الضيقة، بل من باب الانفتاح على المجتمع كي يساهم المسيحيون في حراك بلدانهم بغيه الوصول بها إلى برّ الأمان.
 
8) من أجل الانسان والوطن- لا تبتغي كنائسنا مصلحتها الذاتية، ولا تسعى لامتيازات ومكاسب، بل تعمل من أجل الإنسان. لقد خلق الله الانسان على صورته ومثاله، وعليه فإن التزام كنائسنا هو لخير الانسان. والمعروف أن الانسان المعني هو انسان مجتمعاتنا بكل آلامه وآماله وصعوباته وتعثراته. هذا هو الانسان الذي يجب أن نتضامن معه، في كل الظروف والحالات، لا طلبا لمكسب، بل من أجل الخير العام. إن الاهتمام بكنائسنا ومؤمنينا يجب ألا يحول دون القاء نظرة على هذا الانسان المتألم والمطحون والمقموع، من الداخل ومن القوى الخارجية. وهو الانسان الذي نتعاطف معه، بعيدا عن الحسابات الطائفية والمذهبية والدينية والاجتماعية والثقافية. إن الانسان كإنسان هو الهدف الأخير الذي نسعى إليه. والإنسان يعيش في وطن. ونحن جزء من هذا الوطن. فالإنسان ليس انسانا مجردا، بل هو جماعة وطنية نحن جزء لا ينفصل عنها. إن الاهتمام بالوطن السماوي لا يعفينا من الاهتمام بوطننا الأرضي، لا بل إن اهتمامنا بالسماويات هو دافع للاهتمام بموطننا الأرضي. إن إيماننا يرتكز على سر التجسد حيث ربط الله في يسوع المسيح الله بالانسان، والأرض بالسماء، وملكوت الله بملكوت الارض، والوطن السماوي بالوطن الأرضي.  كما تجسد يسوع المسيح في أرضنا، نحن ايضا نتجسد في أوطاننا ونعمل مع الجميع لخير وتقدمه.

خاتمة
ننهي من حيث بدأنا. إن مجتمعاتنا تعيش ظرفا استثنائيا يؤثر على حاضرها ومستقبلها. وهذا ما يتطلب من كنائسنا تفكيرا استثنائيا، ووقفة استثنائية، وعملا استثنائيا، والتزاما استثنائيا. وكلنا أمل، بفضل الواعين من ابناء مجتمعنا، أن تكون هذه الظروف انطلاقة جديدة لمجتمعاتنا نحو مزيد من الاستقرار، والتقدم، والنمو، من جميع النواحي، الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، فنعمل في سبيل مستقبل واعد لبلداننا ومجتمعاتنا ومؤمنينا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.76
USD
3.99
EUR
4.67
GBP
236334.43
BTC
0.52
CNY