الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 16 / أبريل 14:02

على هامش الصِّراع بقلم:جريس بولس

كل العرب
نُشر: 28/10/11 15:38,  حُتلن: 13:47

جريس بولس في مقاله:

مصيبة العرب أن الشرعية الدولية كثيراً ما تبدو وكأنها دمية في يد الدولة العظمى

امتلكتني القشعريرة عندما رأيته في الخريطة أن هضبة الجولان مصنفة كمنطقة إسرائيلية

الانتفاضة هي الوجه الآخر لأمن إسرائيل الذي يستطيع أن يقدمه الفلسطيني في مقابل كل ما يطالب به

القدس مهدّدة في عروبتها فهي مطوقة بالمستوطنات من كل جانب وحركة الاستيطان ما زالت ناشطة ومكثفة من حولها وفيها

ليس بيننا من يتصوّر حلاًّ لقضية فلسطين لا تكون فيه القدس عاصمة الدولة وكيف ستكون عاصمة إذا ما نجح الصهاينة في سلخها جغرافياً عن محيطها العربي؟

القوة التفاوضيّة الإسرائيلية محصَّنة برجحان قوة إسرائيل العسكرية بفعل الدعم اللا محدود الذي تتلقاه من أعظم قوة في العالم هي الولايات المتحدة الاميركية

 حين كنت جالساً في مكتبي، مفكِّراً بما يدور من حولنا من أحداث، دخل إبني رفول وطلب مني أن أشرح له تفصيل خريطة "إسرائيل" الموجودة في المقرّر في كتاب الموطن، وما أن نظرت الى الخريطة حتى أصابتني الدهشة من وقاحة واضع الكتاب وامتلكتني القشعريرة، فرأيتها تحوي على هضبة الجولان "كمنطقة إسرائيلية" ويطلق على المناطق الفلسطينية فيها: يهودا والسامرة، هذا بالإضافة الى العديد من الأخطاء المقصودة، فاستشطت غضباً وبدأت أشرح له الحقيقة وأخبرته أن هضبة الجولان تابعة للدولة العربية السورية وهي منطقة ترزح تحت الاحتلال الاسرائيليّ وأن يهودا والسامرة ما هي الا مناطق فلسطينيّة وأخبرته عن نابلس وجنين ورام الله والقدس (كما سيفصل لاحقاً) وغيرها.

 الصراع العربي الصهيوني
وأفهمت إبني ان واضع المقرّر يريد تزوير الحقيقة كي يصدّق هو وامثاله منذ نعومة أظفارهم هذا التزوير، لذا أهيب بكم أيها الاباء ان تنتبهوا لهذه الامور الخطرة التي هي جزء لا يتجزأ من الصراع العربي – الصهيوني وان تلقنوا ابناءكم الحقيقة كاملة.
"القدس عروس العروبة" ومنطق المقاومة ضد الاحتلال: ألقدس إسم على مسمّى، هي المدينة المقدسة عند المسيحيين، وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين عند المسلمين. واليهود يصرّون على الاستئثار بها، فلا يرتضون بشريك لهم فيها. والعالم لا يرى هذا الظلم، ويدع الدولة العبريَّة تنفذ مآربها فيها. المدينة مهدّدة في عروبتها، فهي مطوقة بالمستوطنات من كل جانب، وحركة الاستيطان ما زالت ناشطة ومكثفة من حولها وفيها. واهلها العرب يتعرضون للمضايقة اليومية فتضطر اعداد منهم الى مبارحتها. فالمدينة تتضاءل في مساحتها وتنكمش في تعداد سكانها وحركة تهويدها مستمرة بلا هوادة، والمقدسات المسيحيّة والاسلاميّة في خطر متعاظم. القدس الى كل ذلك رمز قضية العرب المركزية.

السلخ الجغرافي
ليس بيننا من يتصوّر حلاًًّ لقضية فلسطين لا تكون فيه القدس عاصمة الدولة. وكيف ستكون عاصمة إذا ما نجح الصهاينة في سلخها جغرافياً عن محيطها العربي؟ فالخطر الذي يحيق بالقدس هُو خطر على الوجود الفلسطينيّ، على قضية فلسطين ومصيرها. أين هي الاصوات الزاجرة والتحركات الرادعة؟ لايكاد يكون لها وجود أو هي خافتة. من المسلّم به ان لا حل لقضية القدس من دون حل عادل لقضية فلسطين. فالقدس رمز القضية ومحورها. فأين هو الحل العادل للقضية القوميّة؟
ليس من حلٍّ عادلٍ مطروح في التداول. ولن يكون حل ما دامت إسرائيل لا تنشد حلاً. إسرائيل اليوم هي دولة بلا حدود. وكأنما هي مُصمّمة على ان تبقى بلا حدود، محتفظة بهامش التمدد ساعة تشاء على حساب عرب الارض. والغريب ان العالم المتحضّر يطالب العرب، ويطالب فصائل فلسطينية معينة بالاعتراف بدولة اسرائيل والاعتراف بها كدولة يهوديّة. والسؤال البديهي هو: كيف يمكن الاعتراف بدولة بلا حدود؟ هل يراد الاعتراف بدولة تتمتع بحق التوسّع متى وكيفما تشاء على حساب الغير؟ وكيف يمكن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة وهناك أقليّة فلسطينيّة بها، من أهل البلاد الأصليين، هذا بالإضافة أن هذا الاعتراف يتناقض مع حق عودة اللاجئين الى ديارهم، الذي هو حق مقدس، لا تراجع عنه .

سلام مع اسرائيل
إذا كان الحل لقضية القدس مرتبطاً بالحل المرتجى لقضية فلسطين، فما هو هذا الحل؟ يراد للعرب أن يعقدوا سلاماً مع "اسرائيل" في ظل انعدام التكافؤ في القوى التفاوضيّة بين الجانبين. فالقوة التفاوضيّة الإسرائيلية محصَّنة برجحان قوة إسرائيل العسكرية بفعل الدعم اللا محدود الذي تتلقاه من أعظم قوة في العالم، هي الولايات المتحدة الاميركية. فهي تتلقَّى من اميركا إمداداً بآخر التكنولوجيا العسكرية وأحدثها وأفتكها، وتتزود بالعتاد العسكري المدمِّر والاكثر تطوراً، من طائرات ودبَّابات وصواريخ ومدافع ووسائل الاتصال. يراد لمحادثات التسوية أن تكون بين الأقوى والأضعف. فكيف يكون تكافؤ في المواقع التفاوضيّة؟ بعبارة اخرى، يراد للعرب ان يستسلموا. وهذا لن يكون إلا على حساب سلامة المصير العربي وعلى حساب إستقرار المنطقة برمّتها.
لا مناص من الاستقواء بالشرعية الدولية، المتمثلة بالامم المتحدة ومتفرعاتها. ولكن مصيبة العرب أن الشرعية الدولية كثيراً ما تبدو وكأنها دمية في يد الدولة العظمى. فهي التي تحاول السيطرة على قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا يحول دون تماديها في ذلك في كل الأوقات سوى مواقف معترضة تتخذها احياناً دول اخرى من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة، ولا سيما منها روسيا والصين (كما فعلتا في القضية السوريَّة مؤخراً حين استخدمتا حق النقض- الفيتو ضد اميركا).

مشروع الرباعية الدولية
مشاريع الحل المتداولة ليست في مصلحة العرب. وأبرزها مشروع الرباعية الدولية المسّمى خارطة الطريق، والمشروع العربي المُقرّ في قمة بيروت عام 2002 ثم قمة الرياض بعد ذلك. نحن نرى في قضية فلسطين قضية وجود ويُراد لنا أن ننظر اليها كقضية حدود. كِلا المشروعين الدولي والعربي، يعتمدان القرار الدولي 242، الصادر إثر حرب عام 1967 أساساً للحل. وهذا القرار يجعل من القضية مسألة حدود. أما القرار 194 الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة عام 1948، والذي تكرر تأكيده عشرات المرات في قرارات لاحقة، فهو إذ يحفظ للاجئين الفلسطينيين حقهم في العودة الى ديارهم التي هجّروا منها إنما يجعل من القضية قضية وجود، وجود شعب تعرض لأفدح ظلم في التاريخ. لذا نحن نرى في القرار 194 مفتاح الحل العادل. فإذا ما عاد اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم في فلسطين في إمتدادها التاريخي من البحر إلى النهر، أي إلى حيفا ويافا وصفد وعكا وخلافها، فلا يعود يهمنا أين وكيف ترسم الحدود كما لا يعود للجدار الفاصل الذي بناه شارون أي قيمة.
مأخذنا على مشروع خارطة الطريق أنه يجرد المفاوض الفلسطيني من ورقة التفاوض الوحيدة التي في يده، إذ دعا إلى إنهاء الانتفاضة في المرحلة الأولى من المشروع. والانتفاضة هي الوجه الآخر لأمن إسرائيل، الذي يستطيع أن يقدمه الفلسطيني في مقابل كل ما يطالب به: القدس، وإسترجاع الأراضي المحتلة، وعودة اللاجئين الى ديارهم. فتأتي المرحلة الثالثة من خارطة الطريق، مرحلة التفاوض، وليس في يد المفاوض الفلسطيني أي ورقة يساوم عليها. فإذا به في حكم المستجدي وليس المفاوض.

حفظ حق العودة
أما المشروع العربي فيعيدنا الى الوضع الذي كان قبل حرب العام 1967، وكأنما لم يكن ثمّة مشكلة مع إسرائيل قبل ذلك العام. لو كان هذا صحيحاً، فعلام كانت حرب العام 1967 إذاً؟صحيح ان المشروع ينص على حفظ حق العودة، ولكن المزاج السائد بين الحكام العرب للأسف يصب في قناة البحث عن حلول بديلة كالتعويض والتوطين في زوايا الأرض الأربع. إننا نرى الحل في فلسطين موحّدة، يتعايش فيها العربي واليهودي بِسلام، وتكون عاصمتها القدس، ويعود اليها جميع اللاجئين الى ديارهم. المنطلق هو القرار 194. والسبيل الى الحل هو المقاومة غير المسلحة ضد الاحتلال وليس الحرب.
إسرائيل كانت هي المنتصرة في كل حروبها مع العرب، حيث المواجهه بين جيوش نظامية. ولكنها خذلت دوماً في مواجهة المقاومة، عجزت عن إلغاء المقاومة الفلسطينية منذ العام 1948 حتى اليوم، وانسحبت من غزّه وانتصرت المقاومة اللبنانية عليها إذا أخرجتها من بيروت عام 1982، ومن الجنوب بإستثناء مزارع شبعا، عام 2000، وأحبطت المقاومة هجومها على لبنان وخذلتها عام 2006، فاعترفت إسرائيل نفسها بهزيمتها النكراء. ربما لن تكون حرب عربية- إسرائيلية بعد اليوم مع إستمرار الصراع العربي الاسرائيلي، فتبقى الكلمة في الجانب العربي للمقاومة ضد الاحتلال.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة