الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 16:02

على هامش الصّراع: لبنان بلد التصدِّي وسوريا بلد الصمود بقلم المحامي: جريس بولس

كل العرب
نُشر: 25/09/11 12:08,  حُتلن: 14:46

أهم ما جاء في المقالة:
تحرير الجنوب اللبناني قد تميَّز بأنَّه حقق إنسحاباً غير مشروط. وما سمِّي صلحاً على الجبهتين المصريَّة والاردنية لم يكن اكثر من تسوية

إن سوريَّا كانت دوماً القدوة في الصمود ولكنها لم تكن القدوة في التصدِّي. لبنان هو الذي كان القدوة في التصدِّي، بما حقق من إنجاز على صعيد المقاومة

القضية هي حاجة لبنان الواضحة الى المقاومة ما دامت هناك ارض لبنانية تحت الاحتلال، وما دام لبنان يتعرض لاعتداءات جويَّة شبه يوميَّة من الطيران الحربيّ الإسرائيليّ 

كل مشاريع التسوية التي تمَّت وتلك التي ما زالت مطروحة، بما فيها المبادرة العربية المقرَّة في قمة بيروت في عام 2002 وخارطة الطريق ألتي تبنتها الرّباعية الدولية، كلها مبنية على القرار 242

إننا نعتزّ بتحرير معظم الجنوب اللبنانيّ عام 2000 من دون قيد أو شرط. ولم يكن التحرير بفضل الأمم المتحدة أو الدولة العظمى أو الدول الكبرى بل على الرغم منها.

فما كانت الأمم المتحدة، التي تتحكم الدول الكبرى الى حد بعيد بقرارها، تطالب قوة الأحتلال بالانسحاب أو تضغط عليها لتنفيذ القرار 425، الذي صدر إثر الاجتياح الاسرائيليّ للأرض اللبنانيّة وقضى بجلاء الأحتلال عن أرض لبنان. ولم يتم التحرير عملاً بذلك القرار الدوليّ. وانما أنجز بفضل المقاومة الوطنية الباسلة. فكان يوماً تاريخياً مشهوداً على مستوى الصراع العربيّ الاسرائيليّ.

تحرير دون قيد أو شرط
كانت المرة الأولى والوحيدة حتى اليوم التي تتحرّر فيها أرض عربيّة محتلَّة من دون قيد أو شرط: من دون الاعتراف بالدولة العبريَّة، ومن دون التوقيع مع اسرائيل على صك يسمّى تسوية أو صلحاً أو سلاماً. كان أول انتصار عربي حقيقي في معركة مع الصهيونيّة.وكانت أول هزيمة نكراء للصهيونيّة. جلت إسرائيل عن ارض كانت تحتلّها في مصر ولكن بموجب إتفاق كامب دايفيد، الذي اعترف بإسرائيل وحقق ما سُمِّيَ صلحاً. وكذلك كان مع الاردن في إتفاق وادي عربة. كان الانسحاب الاسرائيلي في الحالتين مشروطاً بتنازلات قوميَّة، منها الاعتراف بإسرائيل، ومنها الانفراد في التوقيع من دون التوصّل الى حَلٍّ عادل لقضية العرب المركزية في فلسطين فبقيت عالقة. أما تحرير الجنوب اللبناني فقد تميَّز بأنَّه حقق إنسحاباً غير مشروط. وما سمِّي صلحاً على الجبهتين المصريَّة والاردنية لم يكن اكثر من تسوية.

 السلام والتسوية
وكما كتبت في مقالات سابقة، نحن نميِّز بين السلام والتسوية. فالتسوية اتفاق ينهي حال الحرب المسلَّحة: أمّا السلام فيفترض رضا الشعب، الشعب الفلسطيني خصوصاً والشعب العربي عموماً، عن التسوية المعقودة. بذلك يقترن السلام بالاستقرار، ويؤول الى تطبيع العلاقات على المستوى الشعبيّ مع إسرائيل على كل صعيد. فرضا الشعب عن التسوية كفيل بذلك. فهل كان إتفاق كامب دايفيد أو إتفاق وادي عربة على هذا المستوى؟. في الحالتين عقدت تسوية أنهت حال الحرب المسلحة ولم تحقق سلاماً حقيقياً، بدليل ان الاتفاق في الحالتين لم يستتبع تطبيعاً على غير الصعيد الرسميّ الضيّق. إنك لا تجد سياحاً إسرائيليين يتجولون بحريّة في القاهرة أو عمَّان، ولا تجد سياحاً مصريين أو اردنيين يتجولون في تل-أبيب. كذلك لا تجد سلعاً إسرائيليّة قيد التداول في اسواق مصر أو الاردن. ثم ان لفظة "العدو الإسرائيلي" ما زالت تتردد على شفاه السياسيين والمعلِّقين في القطرين العربيين، وهي في ضمير الشعبين المصريّ والأردنيّ.

منذ التحرير في لبنان يحتدم الجدل حول ما إذا كان ثمَّة مبرِّر لاستمرار المقاومة وسلاحها. وصدر القرار 1559 في عام 2004، فكان من شأنه تصعيد حدَّة السِّجال لا بل إطلاق أزمة وطنية مستحكمة ما زال لبنان يَعيش تداعياتها حتى يومنا هذا، بدليل ان بين المواضيع العالقة من جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني، والذي لم يزل على استعصائه، موضوع سلاح المقاومة، إلى مسألة رئاسة الجمهورية ومحورها الذي كان المطالبة بتنحية الرئيس السابق.

سوريا قدوة في الصمود
في سياق الحملة الداعية الى وقف المقاومة يروّج تساؤل مشروع: لماذا يطالب لبنان بمواصلة صراعه المسلّح مع إسرائيل من دون سائر الدول العربية، ولماذا تحديداً يراد لجبهة لبنان ان تكون مشتعلة مع إسرائيل وتبقى سائر الجبهات العربية ولا سيما منها جبهة الجولان ساكنة؟ وفي الرد على هذا السؤال الملغوم نقول: إن سوريَّا كانت دوماً القدوة في الصمود ولكنها لم تكن القدوة في التصدِّي. لبنان هو الذي كان القدوة في التصدِّي، بما حقق من إنجاز على صعيد المقاومة. صمدت سوريَّا قوميَّاً في وجه ضغوط دولية شديدة فلم توقِّع حتى اليوم على صلح منفرد مع إسرائيل كما فَعل سواها.
لذا القول إنها قدوة في الصمود. ولكنها لم تطلق حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيليّ للجولان. لذا القول إنها ليست قدوة في التصدِّي. ولو اقتدى لبنان بسوريا على هذا الصعيد لكان مصير الجنوب اللبنانيّ اليوم كمصير الجولان، اي لكان اليوم ما يزال يرزح تحت نير الاحتلال. فإذا سلّم جميع اللبنانيين بمنطق المقاومة في تحرير معظم الجنوب، وقد سلّم الجميع به فعلياً، فإنهم يجب ان يسلِّموا بمنطق المقاومة في تحرير ما تبقى من الجنوب وتحديداً مزارع شبعا. هناك ما يشبه الاجماع بين اللبنانيين على ان مسألة سلاح المقاومة، التي ينص عليها القرار 1559، يجب ان تكون موضع حوار بين اللبنانيين. والحوار لا بد ان يدور حول إشكالية محدّدة هي: كيف يوفَّق بين المشكلة والقضية.

مشكلة لبنان
القضية هي حاجة لبنان الواضحة الى المقاومة ما دامت هناك ارض لبنانية تحت الاحتلال، وما دام لبنان يتعرض لاعتداءات جويَّة شبه يوميَّة من الطيران الحربيّ الإسرائيليّ وكذلك اعتداءات على مياهه الاقليميّة، وما دام لبنان منكشفاً على احتمال اعتداءات بريَّة في اية لحظة، وما دام هناك اسرى لبنانيون في المعتقلات الإسرائيلية. ولكن لا بد من الاعتراف بان في مقابل القضية هناك مشكله بوجود فريق لا يستهان به من الشعب اللبنانيّ يتوجّس خوفاً من وجود السلاح في يد فئة من دون سائر الفئات، علماً بان المقاومة تطلق على نفسها صفة الإسلاميَّة. ولا يجدي الرد على هذه المخاوف بالقول أن سلاح المقاومة موجه حصرًا ضد إسرائيل.
فالجواب يأتيك عند ذاك بالقول: ولكن هذا السلاح هو في يد فريق معيَّن، وليس من يضمن ألا يصوّب في اتجاه الآخرين في يوم من الايام أو في ظرف من الظروف. الحوار بين اللبنانيين إذن مطلوب من اجل التوصل الى صيغة توفق بين المشكلة والقضية، بحيث تضمن قدرة لبنان على المقاومة وتزيل مخاوف الآخرين من وجود السلاح في يد فئة من دون الاخرى. والسؤال المركزيّ الذي لا بدّ من طرحه في هذا الحوار: هل تعتبر الصهيونية عدوّّاً للبنان ام لا؟ فاذا كانت كذلك، فاللبنانيون بحاجة الى التفاهم حول استراتيجيَّة فاعلة لحماية لبنان من عدوانيّتها التي لم تعرف ولن تعرف حدوداً.

سياسات انفتاح
أخيراً، يهمنا ان نسجِّل ان المقاومة لا تكون بالسلاح فقط. فالمقاومة يمكن ان تكون سلميَّة مدنيّة وتكون في منتهى الفاعليَّة. هكذا حَرَّر المهاتما غاندي الهند من الاحتلال. والمقاومة المدنيَّة لن تكون فاعلة حقاً إلا إذا عمَّت الوطن العربي من أقصاه الى أقصاه. ووسائل المقاومة تشمل الاضرابات والتظاهرات والتحركات السياسية والدبلوماسية والعصيان المدني، وتبقى المقاطعة التامَّة والمحْكَمة لاسرائيل والمتعاملين معها أمضى تلك الوسائل.
ونحن امام إحتمال حقيقي لان تتقاطر الدول العربية على التوقيع على تسويات مع إسرائيل. هذه السياسة التي اعلنت بالماضي القريب من السلطة الفلسطينية ومن السلطة السورية على أعلى المستويات. ثم ان عدداً، من سائر الاقطار العربية تنهج سياسات انفتاح على التعامل، ولو الخجول، مع الدولة العبريَّة. فنحن مقبلون على تسويات تنهي حال الحرب المسلحة مع إسرائيل إن عاجلاً أم آجلاً. ولكن هذا لا يعني نهاية الصراع العربيّ الإسرائيليّ، فهذا الصراع سوف يتواصل إلى ان يتحقق الحلم القوميّ في فلسطين، وهو يتجسد في فلسطين واحدة وموحّدة، يتعايش فيها العربيّ واليهوديّ بسلام جنباً الى جنب، ويعود اليها اللاجئون الفلسطينيون، كل اللاجئين، إلى ديارهم في فلسطين، كل فلسطين في امتدادها التاريخيّ، بما فيها ما ألحق من الارض بالدولة العبريَّة، وذلك بموجب القرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية للامم المتحدة.

 قضية فلسطين اكثر من قضية أرض
 انهي مقالي في القول: كل مشاريع التسوية التي تمَّت وتلك التي ما زالت مطروحة، بما فيها المبادرة العربية المقرَّة في قمة بيروت في عام 2002 وخارطة الطريق ألتي تبنتها الرّباعية الدولية، كلها مبنية على القرار 242. ونحن نُصِرّ على انَّ الحل لن يستقيم إلاَّ بناء على القرار 194 ذلك لاننا نرى في قضية فلسطين اكثر من قضية أرض، إنها قضية إنسان كما نوّهت في مقالات سابقة، إنها ليست مجرَّد قضية حدود، بل قضية وجود. فالحل العادل إنما يتحقق بعودة جميع اللاجئين إلى ديارهم من دون إستثناء.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة