الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 00:02

جريس بولس يكتب: نقاط مُهمَّة بخُصُوص الأمَّة

كل العرب
نُشر: 20/08/11 11:29,  حُتلن: 14:17

جريس بولس:

قضية فلسطين هي اولاً وآخراً قضية إنسان سُلب حقّه في حريته وكرامته كما حقّه في أرضِهِ

التركيز على الارض تستغله اسرائيل بلؤمِها ودهائها لتجعل من قضية المصير مجرد قضية حدود

 بإي حق أو منطق يُزَجّ بمن ينادي بالحريَّة لقومه في غياهب السجون لسنوات وسنوات ولا من يسأل أو يُحاسب؟ اين هي حقوق الإنسان؟

إنني من المصرِّين على ضرورة إيلاء الأولوية في قضية فلسطين للإنسان نَظراً لغير إعتبار. فقضية فلسطين هي اولاً وآخراً قضية إنسان سُلب حقّه في حريته وكرامته كما حقّه في أرضِهِ. وكان هذا في واقع الحال سبيل الصهيونية إلى إرْساء قضية اليهود في العالم ومطالبتهم بوطن قوميّ في فلسطين، أي بالتركيز في الاستراتيجيّة الصهيونيّة عالمياً على كون اليهود شعباً مشرَّداً لا وطن له. فصُوِّرَ زوراً ان فلسطين هي وطنه السليب وعاصمته القدس.

تداعيات قضية فلسطين
إن الإنسان هو الذي يعاني تداعيات قضية فلسطين، والإنسان عمره محدود، مما يبرِّر تقديم قضية الإنسان على أي اعتبار آخر. أما الارض، فعلى أهميتها، فباقية ولا بدَّ من استعادتها مهما طال الزمن. وقد باتَ من المسلَّمات ان التركيز على الارض تستغله اسرائيل بلؤمِها ودهائها لتجعل من قضية المصير مجرد قضية حدود، وقضية فلسطين في جوهرها قضية مصير لامَّة قبل ان تكون قضية بقعة من الارض، على قدسية هذه الارض.

تطبيق القرار 194
ثم ان التركيز على الوجه الإنساني للقضية إنما يتمثل في المطالبة بتطبيق القرار 194 الصادر عن الهيئة العامَّة للامم المتحدة منذ اكثر من نصف القرن، مع إعادة تاكيده سنوياً بقرارات من الهيئة العامَّة ردحاً طويلاً من الزمن قبل ان يُصار الى تهميشه تحت ضغط الصهيونية العالميَّة فيتناساه او يتجاهله المجتمع الدولي، مع التنبيه في كل الاوقات الى ان القرار 194 صادر عن الهيئة العامة للامم المتحدة وليس عن مجلس الأمن. ويراد لنا ان نصدِّق ان لا قيمة لقرار من الهيئة العامة كما لقرار من مجلس الأمن، علماً بإن قرارات الهيئة العامة تستمد قيمتها المتميزة من كونها ثمرة توافق أو إجماع دوليّ، وعلة قرارات مجلس الأمن هي في كونها نتاجاً للعبة دولية سادتها الدول ذات العضويَّة الدائمة في مجلس الأمن، وهي خمس، المتحكم الاكبر فيها الولايات المتحدة الاميركية، فاذا تم يوماً تنفيذ القرار 194 بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين، وبينهم نحو اربعمائة الف من المقيمين في لبنان، فان إسرائيل ستفقد عملياً مبرر وجودها القائم مبدئياً على الصّفاء العنصريّ. فإمَّا ان تكون كياناً يهودياً أو لا تكون.

قضية اللاجئين
من هنا فإن قضية اللاجئين ليست هي الوجه الإنساني الساطع في القضية الفلسطينية فحسب وانما هي ايضاً، عبر المطالبة بعودتهم الى ديارهم، السلاح الامْضى في ايدي العرب في صراعهم مع الصهيونية. فهذه الاعتبارات جميعاً تدعو الى تقديم أولوية الوجه الإنساني في قضية فلسطين على أي اعتبار آخر. وقضية الأسرى والمعتقلين هي من صلب هذا الوجه الإنساني للقضيَّة. بإي حق أو منطق يُزَجّ بمن ينادي بالحريَّة لقومه في غياهب السجون لسنوات وسنوات ولا من يسأل أو يُحاسب؟ اين هي حقوق الإنسان التي يتشدّق بها الغرب ويضعها في مقدم القيم الحضاريَّة في العصر الحديث؟!

الوجه الإنساني للقضية العربية
ثم أن تركيزنا على الوجه الإنساني للقضية العربية يحدونا الى رفض كل أعمال التفجير التي لا تميِّز بين مسلَّح وأعزل ولا توفِّر الابرياء من المدنيين بصرف النظر عن هويّتهم أو انتمائهم. أن استهداف المدنيين الأبرياء أتاح للصهيونية، وهي الارهابيّة بامتياز، ان تصوِّر للناس ان المقاومة والارهاب سِيَّانْ. إلى كل ذلك لا بد لنا من التأكيد على ضرورة الحرص على مبْدأ تلازم المسارات الفلسطيني واللبناني والسوري في أيَّة محادثات للتسوية قد تجرى مستقبلاً. (وهنا نتمنى ان تنتهي المشكلة السورية قريباً وتفشل المؤامرة الاميركية - الصهيونية التي حيكت ضدَّها وتعود سوريا موحدة وقويَّة رافعة لراية المقاومة والممانعة مع قيامها بالاصلاح الحقيقي واشاعة الديموقراطية الحقَّة وليس الديموقراطية بحسب المشروع الاميركي في المنطقة).

تسوية مع الدولة العبرية
فلا قِبَل للسوري أو اللبناني ان يسير الفلسطيني في طريقه منفرداً فيوقّع على تسوية مع الدولة العبرية من دونهما، ففي تلك الحال لن تتورع الدولة العبريّة عن اهمال كل الحقوق اللبنانية والسورية واهدارها. ولا قِبَل للفلسطيني في المقابل ان يسير اللبنانيّ أو السوريّ، لا قدَّرَ الله، في طريقهما فيوقعا على تسوية مع الدولة العبريّة من دون الفلسطيني، ففي تلك الحال لن تتردد الدولة العبريّة في اهدار الحقوق الفلسطينية الحيوية، وبذلك يكون اللبناني أو السوري قد تنكرا لأي فضل لشعبيهما في النِّضال من أجل قضية فلسطين عبر اكثر من نصف قرن، وكأنَّ هذا النِّضال لم يكن. من هنا القول بحتميَّة تلازم المسارات الفلسطيني واللبناني والسوري في ايَّة محادثات للتسويَة قد تجرى مستقبلاً. وإنْ لم يكن تلازم، فتنسيق وثيق في أضعف الايمان. ولا غلوّ في القول إن تلازم المسارات هو من تلازم ألمصائر. ونحن من الذين يعتقدون ان الانتفاضة المباركة في الأرض المحتلة، في فلسطين، كانت ستواجه ظروفاً أصعب وأعتى مما واجهت لو كانت الجبهتان اللبنانية والسورية قد سلكتا طريق التسوية على غرار ما كان على الجبهتين المصريَّة والارْدنية. بعبارة اخرى، كان صمود لبنان وسوريا حتى اليوم من مقومات صمود الجبهة الفلسطينية، وهذا ما لا يجوز قومياً إنكاره أو التقليل من شأنِه. ونحن نتحدث عن التسوية ولا نتحدث عمَّا يسمى سلاماً.

انهاء الحرب المسلّحة
فالسلام لا يتحقق إلاَّ بِرِضا ألشعوب واقتناعها. امَّا التسوية فتكون بانهاء حال الحرب المسلّحة. والصراع قد يستمر سلمياً لأجيال وأجيال بعد انتهاء الحرب المسلحة حتى إنجاز الحقوق القومية المشروعة وفي مقدمها عودة اللاجئين، كل اللاجئين، الى ديارهم في فلسطين، كل فلسطين، ولنذكر ان اتفاق كامب دايفيد مع مصر، كما اتفاق وادي عربة مع الاردن، لم يرتقيا الى مستوى السلام، بدليل عدم تطبيع العلاقات بالمعنى الحقيقي للكلمة، فلا الاسرائيليون يتجولون أحراراً في شوارع القاهرة او عمَّان، ولا المنتجات الاسرائيلية قيد التداول في الاسواق المصرية أو الاردنية، وما زالت إسرائيل هي العدو في الخطاب الإعلامي كما في الادبيات السياسية.
ويجب ألاَّ يُستهانْ بفاعلية استمرار الصراع غير المسلَّح بعد إنهاء حال الحرب، فالهند تحررت بفعل المقاومة السلميَّة بقيادة المهاتما غاندي، وتحرر ألأفارقة في جنوب افريقيا بقيادة مانديلا بفعل الكفاح غير المسلَّح. فالمقاومة السلميَّة المدنية قد تتخذ شكل التظاهرات الشعبيّة والاضرابات والاعتصامات والعصيان المدني والحملات الاعلاميَّة والسياسية وسائر مبادرات التوعية والتعبئة، ومن أكثر الوسائل فاعلية استمرار لا بل تصعيد المقاطعة وسد كل ابواب التطبيع ومنافذه على شتى الصعد: السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياحية والثقافية. ويبقى السؤال الكبير: اين للعرب غانديهم أو مانديلاهم؟ إذا كان لنا ان نتكهَّن بمسار الصراع العربي الاسرائيلي المرتقب عبر العقد القادم، فاننا نجيز لانفسنا رسم المحطات والتوجهات الاتية:

ماذا الآن؟
- من جهة نحن لا نسقط من الحساب ان تسير السلطة الفلسطينية وسوريا ولبنان ودول عربية اخرى في طريق التسوية فتوقعْ مع الدولة العبرية على صك بانهاء الحرب معها اسوة بمصر والاردن، وذلك تحت ضغط المجتمع الدولي؟ لا سيما الدولة العظمى اميركا بدعوى نشر ألوية السلام في المنطقة، وكذلك تحت وطأة تشرذم القوى العربية ووهن جامعة الدول العربية ، وبفعل ضياع الموقف العربي على صعيد الراي العام، فيما الانسان العربي غارق في يمِّ من الهموم، وقد علمتنا التجارب ان الانسان، إذا واجه مشكلة وقضية، فان المشكلة مُرشحة لان تطغى في نفسه على القضية. لا تسَلْ أمَّا تبحث عن قوت لطفلها الجائع كيف تحرر القدس، فجوابها سيكون هات خبزاً لطفلي. وهذه حال قطاع واسع من المجتمع العربي في غمرة معضلات الفقر والجهل والتخلُّف. من جهة ثانية، ليس من المستبعد أن تعمل دول عربية من خارج إطار الطوق المحيط بفلسطين الى التهافت على الانفتاح على الكيان الصهيوني في شكل أو آخر، وبعضها شرع في سلوك هذا السبيل رضوخاً لإدارة دولية عليا أو استرضاء لها او تحقيقاً لمكاسب آنيّة رخيصة. وبعضها يتنطح الى دور الوسيط المحايد بين أخ مظلوم وعدو ظالم. من جهة ثالثة، نحن على يقين من ان التسويات لن تفضي الى سلام حقيقي في الافق المنظور الى ان تتأمن عودة اللاجئين، كل اللاجئين، الى ديارهم في فلسطين، كل فلسطين، وستكون المقاومة السلميَّة هي سمة المرحلة المقبلة بكل اشكالها وعلى اوسع نطاق.

الحياة الديموقراطية
هذا مع العلم ان المقاومة الفعّالة تقتضي وعيَاً ونضجاً على الصعيد الشعبي على امتداد الوطن العربي أجمع، وهذا يفترض على تنمية الحياة الديموقراطية في المجتمعات العربية كافة، إذ من دونها لن تكون أمام الشعب العربي فرصة حقيقية للتعبير عن ارادته الحرة. من هنا نرى تلازماً وثيقاً بين افاق استمرار النضال القومي لتحرير فلسطين وبين آفاق تطور نظام الحريات والديموقراطية في العالم العربي بمفهومها الصحيح وليس على شاكلة تصدير الديموقراطية الاميركية – الصهيونية.
اننا نعتبر النضال في سبيل التنمية الديموقراطية في المجتمع العربي جهداً رافداً أو متمماً للنضال القومي من اجل التحرير، لا بل هو جزء لا يتجزأ من هذا النضال. الرهان يبقى معقوداً على صحوة شعبية عربيَّة صحيحة مقرونة ببروز قيادة عربيّة استثنائيّة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة