الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 21:02

بروفيسور محمد أمارة...امتحانات اللغة العربية: بداية حل أم فقدان بوصلة

كل العرب
نُشر: 13/08/11 16:31,  حُتلن: 07:39

بروفيسور محمد أمارة:

يُمتحن الطالب العربي باللغة العربية في مراحل مختلفة في المدرسة الابتدائية والإعدادية لامتحان النجاعة

لا أشكك بنوايا القائمين على اللغة العربية ورغبتهم في تعزيزها وتحسين الأداء بها. لكن، هل الإفراط في استعمال الامتحانات هو الحل؟

بات التوظيف المفرط لامتحانات اللغة العربية في البلاد سمةً بارزة في التعليم العربي. ففي السنة الماضية، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إجراء امتحان لغة عربية لكافة المتقدمين بطلب عمل في الوزارة قبل تعيينهم في المدارس العربية، وذلك ابتداءً من العام الدراسي 2010-2011. وكما جاء في بيان وزارة التربية والتعليم فإنّ الهدف هو تعزيز اللغة العربية ورفع مكانتها.

بداية حل للوصول الى كفاءة
وطالعتنا الوازرة بامتحان جديد في اللغة العربية للمرشحين للدراسة في الكليات العربية للعام الدراسي 2011-2012. هذا إضافة إلى مساقات الأساسيات في اللغة العربية والتي يتعلمها الطلاب في الكليات العربية. والهدف أيضا تعزيز اللغة العربية ورفع مكانتها، أليس كذلك؟!
هذه ليست الصورة بمجملها. يُمتحن الطالب العربي باللغة العربية في مراحل مختلفة في المدرسة الابتدائية والإعدادية لامتحان النجاعة والنماء (מיצ"ב)، وامتحان "البجروت" في نهاية المرحلة الثانوية، وامتحان "البسيخومتري" عند دخوله المؤسسات الأكاديمية. إذًا نحن بصدد سياسة سمتها الاختبارات. ونتساءل، لماذا هذا النهج؟ هل هو بداية حل للوصول الى كفاءة أفضل في اللغة العربية؟ أم فقدان البوصلة؟

تنمية حب الاستطلاع
ليكن واضحًا منذ البداية، لا أشكك بنوايا القائمين على اللغة العربية ورغبتهم في تعزيزها وتحسين الأداء بها. لكن، هل الإفراط في استعمال الامتحانات هو الحل؟ الى حد يتعقد المتأمل للمشهد الحالي أن الامتحان اللاحق أتى ليفحص الامتحان السابق؟ هل مسار الاختبارات هو ما سيوصلنا الى كفاءة وظائفية أفضل في اللغة العربية؟
الإجابة ببساطة لا. إذا سألنا، هل تغيّر الوضع بعد استعمال الامتحانات في جهاز التعليم العربي؟ فالتنائج تبيّن بوضوح وجود وضع متدن، ولا وجود لتغيير جوهري. وإذا نظرنا لحالات أخرى في العالم، كالولايات المتحدة المغرمة بالافراط في إستعمال الامتحانات، نرى أن الامتحانات لم تؤد الى تغيير جوهري في التعليم ومن ثم التحصيل. مثال مغاير نجده في فلندا، فهذه الدولة في خلال أربعة عقود أصبح جهاز التعليم فيها الافضل في العالم، وخفضوا نسبة الامتحانات الى النصف. ونرى نتائج هذا الدولة تتصدر الامتحانات الدولية. أدركت هذه الدولة أنّ بيئة غنية للتعلم والبحث وتنمية حب الاستطلاع، هي مركبات هامة لإحداث التغير في العملية التعليمية.

المناهج والمضامين والكتب
أدعي أنه ما لم يحدث تغيير جوهري في مركبات التربية اللغوية العربية المختلفة، لن تتغير الصورة بشكل جوهري في جهاز التعليم العربي عما هي عليه اليوم. وأدعي أيضًا أنه بتعزيز اللغة العربية وقيامها بالمهام المنوطة بها، سنتمكّن من تعزيز ليس فقط الكفاء في اللغة العربية، وإنما أيضًا التحصيل في المواضيع الأخرى وبناء إنسان قادر على مواجهة حاجاتها الأكاديمية والمهنية بشكل أنجع.
فاللغة العربية في جهاز التعليم العربي في إسرائيل لم تف بالدور المنوط بها إلى اليوم.. اللغة العربية هي لغة التدريس في المدارس العربية، ولكنها لا تؤدي جميع الأدوار لتلبية الحاجات المجتمعية والهوياتية للمتعلم، وفي أغلب المناهج والمضامين والكتب التدريسية هنالك محاولات واضحة لإفراغها من مكوّناتها القومية والوطنية. اللغة ليست فقط أداة، وانما عامل هام في تشكيل هويتنا الفردية والجمعية. غربتنا عن اللغة لن يساعدنا على اتقانها وظائفيًا، لأن هناك صلة وثيقة بين المستوى الأدائي والمستوى الرمزي للغة.

 التعامل مع اللغة العربية
كلنا نقرّ اليوم بأنّ الواقع الحالي للغة العربية نتائجه محدودة تحصيليًا، وفيه الكثير من الإشكاليات القيمية. إذا كان الهدف لإجراء الامتحانات هو تحسين وتعزيز اللغة العربية، لأنّ النتائج في لغة الأم العربية منخفضة جدًا، فحريُّ بالوزارة أن تقوم بعملية أكثر منهجية لفحص النتائج المتدنية واقتراح حلول أكثر فاعلية، وخلق الظروف المؤاتية لتعلم اللغة. فقد علمتنا السياقات المختلفة أنّ الامتحانات لا تساعد على إعطاء الحلول، وإنما تأتي لتعكس واقعًا معينًا.
نتحدث عن مشكلة عميقة بحاجة إلى جهود جبارة ونوايا صادقة ومهنية لبناء تربية لغوية عربية غنية، ويكون استخدام اللغة العربية الوظيفية أمرًا بالإمكان تحقيقه، ولا تستعمل الامتحانات لإثبات أمر ما وإنما لتحسين أداء الطلاب باللغة العربية. ما لم يكن تغيير في النهج، لن تجدي الامتحانات نفعًا ولن تغيّر الواقع. علينا أن نبحث الأسباب لتغيير السلوك.. وإلا ستبقى البوصلة توجه متخذي القرارات إلى الأماكن الخطأ، ونعود ونتساءل بعد عقد من الزمان، أين تكمن المشكلة؟
أدعي أنّ هناك حاجة لكسر النمط الحالي في التعامل مع اللغة العربية، واتخاذ خطوات من نوع آخر أشرتُ إليها سابقا، بذلك تكون بارقة أمل للتغيير. فالطرح الذي أسوقه يبغي تغيير السياسات التربوية الحالية، وعلى رأسها القضية اللغوية والهوياتية، وذلك بهدف إعادة تشكيل الفضاء البيداجوجي-التربوي لجهاز التعليم العربي.
* رئيس المجلس التربوي العربي

مقالات متعلقة