الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 13:02

راسم ناطور يكتب: فخ تعريف الهوية الشخصية

كل العرب
نُشر: 20/06/11 10:07,  حُتلن: 13:07

راسم ناطور في مقاله:

النظرية القومية الحديثة تقوم في الحقيقة على مسلمة رئيسية كبرى هي حتمية تطابق الهوية الثقافية مع الهوية السياسية

اذا اكتفيت بتعريف نفسك في إطار دائرة المكان مثلا: ابن الكر مل أو الجليل أو دائرة الطائفية مسلم أو مسيحيأ أو درزي - يعني انك تتنازل عن الدائرة كونك عربيا

الحتمية هي ان الكيان السياسي يعني إشراك الرعية فيها كفاعل سياسي بمعنى أن ليس لشعور فلاح بانتمائه لمجموعة بشرية تتكلم اللغة العربية علاقة بمعرفته في التماهي مع الكيان السياسي وخلق روح وطنية

لو طلب منكم ان تغمضوا أعينكم وتفكروا ما هي الهوية الشخصية لكل واحد منكم. لوجد انه ليس من السهل الإجابة على هذا الطلب بصورة قاطعه لان كل جواب يمكن أن يتناقض مع أكثر من تعريف وانه ليس هناك تعريف واحد يفي بالغرض. فاذا اكتفيت بتعريف نفسك في إطار دائرة المكان مثلا: ابن الكر مل أو الجليل أو دائرة الطائفية مسلم أو مسيحيأ أو درزي - يعني انك تتنازل عن الدائرة كونك عربيا وإذا اخترت دائرة اكبر مثل شرق أوسطي مثلا, فهذا يتناقض مع واقعك المادي أو العلمي أو الحضاري كونك موجود في دوله غربية متقدمة تتبع الحضارة الغربية. وإذا اخترت انتمائك إلى الأمة العربية يمكن أن تخسر الخط الذي يوصلك بمسار الحرية والتقدم العلمي أو الانزلاق في قضية الإسلام أولا أو في الحرب بين القبائل والمجموعات العرقية والإسلامية التي لا نهاية لها من كردي إلى علوي إلى بدوي إلى درزي إلى شيعي إلى أشوري إلى تركي إلى فرعوني أو بربري . وإذا اخترت أن تكون علمانيا تقدميا فأنت خائن تنتمي إلى الامبريالية والغرب والاستعمار وضد الدين وضد تاريخ العروبة .


وإذا اخترت أن تكون مصريا أو سوريا فأنت تخدم حكام الدولة الذين عينوا علي يد الاستعمار وتحقق الجمود السياسي لمصلحتهم ضد الإنسان البسيط العربي الفقير الذي ما زال خارج العملية السياسية في ممارسه الحريات والديمقراطيةً وبناء المجتمع المدني . وإذا اخترت الهوية الدينية فهي تتناقض مع واقعك اليومي وواقع العالم الذي يبني اليوم علي العلم والبحث وعلي الفكرة العلمانية الموضوعية وان ما كان يلاءم الماضي لا يستطيع أن يكون البديل لليوم .

الدائرة الأولى الضيقة
أما إذا اخترت أن تكون مثل جميع الإخوة العرب ابن عائلة فلان فانك تعلن عن نفسك انك ما زلت في الدائرة الأولى الضيقة التي تخلت عنها كل المجتمعات المتقدمة بضمنتها الإسرائيليون وهذه الدائرة هي التي تبقيك في شعور الانتماء البدائي تحمل داخلك شعور الولاء الطوعي الشوفاني والعصبية التي تدفعك لنبذ الأخر وبذلك تبعدك عن إنسانيتك المنشودة.  قبل أن تجيب عن أي دائرة كنت تختار لهويتك . يسأل السؤال الحتمي هل يجب علينا أن نختار هوية واحدة لنا ?
هل هناك هوية متحجرة متواجدة في الثلاجة التاريخية لكل منا علينا المحافظة عليها ?
في هذا تكثر النظريات ....

الواقع ليس كتلة صماء
يقول برهان غليون من مركز الدراسات القومية العربية إن الواقع ليس كتلة صماء علينا أن نميز بين واقع هوية الجماعة المادي والعملي وبين تصور الجماعة لهذه الهوية والقصد أن الهوية أي التصور الذي يكونه شعب ما عن ذاته لا قيمه لها إلا بقدر ما تساهم به أي مساهمة الهوية في تفتحها واستقرارها ومشاركتها في العملية الحضارية - والهوية التي لا تقود إلى مثل هذا البناء تتحول إلى وهم . أما علي حرب مفكر عربي بارز في النقد يقول لا هوية ذات بعد واحد أو وجه واحد بل هوية مركبة لها غير وجه وتنفتح على أكثر من عالم فانا اتماهى مع كل البشر والذوات فأنا وإن كنت عربيا مسلما فإنني مسيحي لاعتقادي بأن الحق يتجلى في الخلق ويهودي لأني أؤمن باصطفائي وأمارس نخبويتي وإغريقي لأني أمارس التفلسف وفرنسي لأنني تثقفت بثقافة فرنسية وبوذي لأني اتوق الى الفناء فيما أحب وقبل ذلك كله زنديق لأن هذه الحياة الدنيا تستغرقني بقضّها وقضيضها ادآ لا وجود لذات قائمه بمعزل عن الغير أو الأخر .

تعريف القومية والهوية السياسية
الآن بعد أن حددنا أزمة الهوية لا بد من التطرق إلى تعريف القومية والهوية السياسية. إن النظرية القومية الحديثة تقوم في الحقيقة على مسلمة رئيسية كبرى هي حتمية تطابق الهوية الثقافية مع الهوية السياسية . الحتمية هي ان الكيان السياسي يعني إشراك الرعية فيها كفاعل سياسي بمعنى أن ليس لشعور فلاح بانتمائه لمجموعة بشرية تتكلم اللغة العربية علاقة بمعرفته في التماهي مع الكيان السياسي وخلق روح وطنية من خلال تحقيق ذاته ماديا ومعنويا فرديا وجماعيا, بل العكس أن العلاقة بين الدولة والمواطن العربي هي علاقة مفروضة وولاء طوعي قمعي كما هو الحال وكما شهدت عليها الثورات الأخيرة. وأنه كما ظهر لنا في الأشهر الأخيرة وبرهن بشكل قاطع أن هناك شعور وطني جغرافي ضعيف على المستوى المحلي من منطق العصبية فقط وعلى مستوى الدولة الجغرافية فقط - عصبية مصرية أو سورية أو ليبية أو يمنية وهي موجود في كل مستويات البنية الاجتماعية مثل القبيلة القرية والعائلة كل هذا جاء يؤكد أن الدولة لم تنشا هنا .

الهوية السياسية
أي أن الشعور او الهوية السياسية التي تعتمد على التماهي مع دولة مؤسسات والدور السياسي غير متوفرة لذلك لا تطابق بين الهوية الثقافية والهوية السياسية مما يجعل الحس الوطني غير متواجد بل حس شوفاني محلي قطري بعيد عن بناء أمة . إن ربيع الثورات العربية أثبت انعدام آليات التداول للسلطة واحتكار مراكز القيادة وغياب للحريات وفرض المراقبة السياسية وهيمنة السلطة الشخصية من النمط الأبوي والخلط بين الدولة والحزب الواحد والقبيلة أو الطائفة.وهذا الانعدام السياسي يمثل العائق في تطابق الهوية الثقافية مع الهوية السياسة وهذا يعيدنا إلى الفخ.

دائرة الدم والقبيلة
فقبل أن نختار التعريف الذي نحبه أو تربينا عليه أو نخوضه اليوم في إسرائيل وفي العالم العربي علينا املآ رفض الكليشهات القديمة وإعادة النظر في الانسياق وراء تعريفات وهويات بعيدة عن واقعنا اليومي والحقيقي لا تجلب لنا غير حدود وهمية وتفكير رجعي آو عصبي ومع أن الآخرين يتجهون نحو العنصرية والعصبية فهذه مشكلتهم ولم ينجو شعب توجه إلى العنصرية من العقاب.
أما أنت أخي العربي ارفض! أن تكون في دائرة الدم والقبيلة المحلية والعائلة بالرغم من الشعور العام أن الأغلب يتجه نحو العصبية وأن الغرب أو الآخر لا يتعاون معنا أرفض لسببين الأول لأنك أنت ستكون الخاسر والثاني لأنك تمنحهم الحجة لإخفاقك. 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وصورة شخصية بحجم كبير وجودة عالية وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.co.il 
 

مقالات متعلقة