الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 23:02

ألحياة مدرسة ومدرسة ألحياة - بقلم المحامي جريس بولس

كل العرب
نُشر: 29/04/11 14:40,  حُتلن: 07:53

المحامي جريس بولس في مقاله:

تألمت كثيراً من انتصار لئام الناس ولكن ألحياة علّمتني ان الاعمال الانسانية تخضع لانظمة ثابتة كقوانين الينابيع والغدران

آمنت ان ألحياة جديرة بالحياة! فانا مؤمنٌ بالصداقة، والحب، والعدالة، ... أقابل العداوة بالمحبة فأقتلها، والحقد بالتسامح فأصرعه

ماذا عسى ان يكون عالم القرن الواحد والعشرين؟ إنه سيكون العالم الذي تريدونه. "فما الانسان إلا قصبة جوفاء إذا قيسَ إلى كائنات الطبيعة

"كُلّ مصيبة تُصيبني في مدرسة ألحياة فإنما هي قوَّة جديدة لي" (ابن حزم الأندلسيّ). إنني لا أستطيع بأن أعتقد اني قد تجاوزت الاربعين، دون ان يشتعل رأسي شَيْباً، أو تشيخ نفسي تحت وطأة تكاليف ألحياة .... بل لا يكادُ إخواني يعتقدون ذلك، لانهم يحسدونني على فُتوّة نفسي ومرح روحي، وهم الذين لا يزالون شبَّاناً باعمارهم، كهولاً بانفسهم وافكارهم. أتراهم يعتقدون بإنني ضعيف التكاليف في حياتي، او قليل الشعور بالمسؤولية؟ وهم يعلمون انني غارق في هذه التكاليف .... ولكنني حرصت على ان أحفظ لنفسي فُتوّة النفس التي لا تتأثر في الاعوام. فجعلت عواطفي تتجدد دائماً وأفكاري تقبل على ألحياة متطورة بتطورها. وآمنت ان ألحياة جديرة بالحياة! فانا مؤمنٌ بالصداقة، والحب، والعدالة، ... أقابل العداوة بالمحبة فأقتلها، والحقد بالتسامح فأصرعه، يتردد في نفسي دائماً قسم الشاعر "شيلي": "أقسم بان أكونَ عاقلاً، عادلاً، حُرَّاً ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، واقسم باني اكرّس حياتي للجمال...."

الجمال يغلب على القبح
أجل، لكم رأيت في حياتي حقَّاً مخذولاً، وبريئاً مهضوماً، وظالماً معبوداً ولكني اعتقدت دائماً بان الجمال يغلب على القبح، والعدالة تنتصر على الظلم. أجل، لقد عاشرت الناس وبلوتهم ضروباً، ولكني عاشرت أكثر من الاحياء، اولئك الموتى الخالدين، الذين رافقوا فتوّتي، وقاتلوا معي بمثلهم العليا – هذه التفاهة والدناءة، واعطوني العزاء والرَّجاء.
لقد تألمت كثيراً من انتصار لئام الناس ولكن ألحياة علّمتني ان الاعمال الانسانية تخضع لانظمة ثابتة كقوانين الينابيع والغدران. ففي اعمق فجوة من الموجة أيقنتُ ان نظام الوجود الرَّتيب سيحملني عاجلاً أو آجلاً إلى القمَّة .... فالقمَّة للعظماء والهوَّة للأدنياء.

الثقة في ألحياة
أجل، لقد ساورتني الأحزان، وخشيت ان تحني رأسي، وها أنا لا أزال احفظ في اغوار عينيّ اللامعتين كل لمعان فتوّتي. لقد اخترت طريق الحياة، وفيها مزالق خطرة، ومشاكل معقدة .... ولكنها لم تخل من منعطفات جميلة، ولحظات حلوة، ومشاهدات رائعة. فيا من تقومون اليوم بهذا المطاف اقول لكم بثقة وايمان: "لتكن لكم الثقة في ألحياة ...  فان ألحياة قد تكون حيناً قاسية، وحيناً مؤلمة ولكني وجدتها برغم كرائهها – جميلة فتانة". إنني اسمع فيكم المتذمِّر من حياته لانه يرى انه اقبل على حياة معقدة تختلف عن حياة السابقين التي يراها أسهل وأهنأ!

قد تكون حياتكم الحاضرة أو المقبلة معقدة بمشاكلها، ولكن متى كانت ألحياة غير معقدة؟

هذا هو المتنبي يَصيحُ:
صحب الناس قبلنا ذا الزَّمانا
وعناهم من شأنه ما عنانا
وتولوا بغصة كلهم منه
وان سرَّ بعضهم أحياناً

قصة الاجداد
هذه القصة التي شكا منها الاجداد ويشكو منها الأحفاد هي القصة الدائمة الدائرة التي لا تنتهي!
هذه القصة التي جعلت المتنبي نفسه يتمنى ان يخلق في زمان غير زمانه، وتمنى الزمان السابق، ولكنه لم يدرِ ان حياته كانت للزمان اللاحق .... إنه اعتقد ان الزمان السابق كان فتى يفيض بالخير على الناس، اما زمانه فهو كهل ومشوه الوجه قبيح التجاعيد:
أتَى الزمان بنوه في شبيبته
فسرهم، وأتيناه على الهرم!

زمن مثقل بالتكاليف
إنني لم أندم على وجودي أبداً بل اعتقدت ان من البطولة أن أحيا في زمن مثقل بالتكاليف .... والان، ماذا عسى ان يكون عالم القرن الواحد والعشرين؟ إنه سيكون العالم الذي تريدونه. "فما الانسان إلا قصبة جوفاء إذا قيسَ إلى كائنات الطبيعة". ولكنه مع ذلك، يستطيع ان ينتصر على العالم بالخضوع للعالم نفسه، فإذا ادّرعتم بقوة ملتهبة، مؤمنة، مزودة بسلاح الإرادة والحكمة والايمان فلن يخيفكم شيء ....

لا تستخفوا بالبلاء
إنني لا أعدكم حياة سهلة، ولا حياة سعيدة، لأنني أشعر بقيمة ألأحداث التي تعترضكم. ولكني افرض عليكم شيئاً واحداً هو "أن تتركوا الحادث الذي يواجهكم، إذا جاءكم يوماً رآكم جديرين بلقائه، مستخفين ببلائه". 

مقالات متعلقة