الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 11:01

جريس بولس من كفرياسيف: مجتمعنا بعيد عن المحبة

كل العرب
نُشر: 08/03/11 13:35,  حُتلن: 13:37

جريس بولس:

المحبة لا تزال بعيدة عن قلوب الناس في مجتمع لا يحب الصديق فيه صديقه، ولا الاخ اخاه، فكيف يحب الانسان عدوَّه؟

القاضي يعاقب لان القانون يستوجب العقاب. ولكنه يكون محبّاً لا قاضياً حين ينقذ المجرمين ويساعدهم على رد مكانتهم الاجتماعية، وحين يجد استجابتهم للإصلاح

"كن من تَشاء، واحمل اية عقيدة، ودافع عن رأيك، وقاوم ما استطعت .... ولكن لا تنسى ألْمحبَّة التي تربط الانسان بالانسان، على اية صورة كان".
كم ترددت كلمة ألْمحبَّة الساحرة كل افواه الانبياء والمصلحين! وكم تكررت حروفها على اقلام المبشرين بالانسانية .... ومع ذلك، لا تزال بعيدة عن قلوب الناس في مجتمع لا يحب الصديق فيه صديقه، ولا الاخ اخاه، فكيف يحب الانسان عدوَّه؟

ألْمحبَّة هي أن تؤمن بالانسانية، ولذلك تقدس ألْمحبَّة معنى الانسانية في اي كان: في المجنون، والابله، والمجرم، والشقي، ولكنها كذلك تقدسها في ألغني، والقوي، والسكير، والقاسي، والغيور، والحسود أن تساعدهم على تطهير نفوسهم، ثم تعمل على محبتهم!

ليس الشأن في ألْمحبَّة، شأن صدقات تعطى، لان ألْمحبَّة الحق لا تعطي شيئاً، وانما تطلب!

أجل، انها تطلب الى الغير ان يكون إنساناً ....!

ان هنالك، ولا ننكر، لئاماً من الناس، وجبناء، وحمقى ولكن ألْمحبَّة تفتش، تحت مستنقع اللؤم نفسه، عن حنان عميق خفي .... وتبحث عن مهاد ألحمق والجهل، عن حكمة هادئة، رصينة. وفي اية خصومة مهما كان نوعها، تقوم هنالك حالتان ممكنتان: الأولى تقول فيها: "هذا إنسان، اعتقادُهُ سيء، يبحث عن مخادعتي، فلأردَّ على سوئه بسوءٍ مثله، ولاقابل خديعته بالخديعة".

في هذه الحالة لا تزيد من عاديتَه إلا عداوة وضراوة.

وسيردّ عليك عداوتك فيحمي نفسه منك بالاحتقار، وبذلك خلقت لنفسك عدوَّاً مبيناً.

والحالة الثانية تقول فيها: " ان هذا إنسان ذو عقيدة حسنة، يعمل ما يعمله بحق، فبأي قياس يا ترى قد خدع نفسه! وماذا استطيع ان افعل لاريه خطأه؟" لو فعلت ذلك لاكتشفت بإني أنا أيضاً على خطأ في بعض الاشياء، وربما اكتشفت خطأي قريباً او بعيداً، وإذ ذاك ارى في خصمي إنساناً مثلي، احترم معنى الإنسانية فيه.

ومثل هذا الاحترام الذي هو محبة ايضاً سيشعر به الاخر كما شعرت انت به. فتكون بينك وبينه صلات لا تقوم على مقاومة الغضب بالغضب، والحقد بالحقد، وإنما تقوم على ان هنالك إنساناً، يعامل إنساناً.

****

ألْمحبَّة لا تطلب إلينا أن نتراخى في الدفاع عن افكارنا، أو مصالحنا الكبرى المرتبطة بنا. ولكنها تطلب إلينا إن ندافع عنها دون أن نبغض الاخرين الذين يخالفوننا في افكارنا. أليست ألْمحبَّة تحترم "الإنسانية" في الغني والقوي والقاسي والغيور؟".

انها لا تفرض علينا ان ننظر إلى من يخالفوننا في عقيدتنا وطريقتنا نظرة العداوة، ولكنها تريد حتى في الخصومة، ان يؤدي كل دوره بشرف. وأنت في ساعة قتالك لخصمك لا تنقطع عن إحترامه .... بل محبته أيضاً.

ولا يحسبن احدٌ ان هذه الفضيلة التي نطلبها فضيلة لا تطيقها طبيعة النفس البشريَّة ... ففي العالم نفسه، حيث تصطرع الأهواء، وتتلاطم النزعات والانانيات لا نعدم ان نجد أمثلة رائعة للخصومة الشريفة التي تنتهي في حدود .....

ولا اذكر مرَّة من هو الذي أجاب حين سئل عن خصمه، " قولوا عنه ما تريدون .... ولكنه هو الشرف نفسه .... ولذلك احبه ....".

وهكذا، مرَّة اخرى، نجد ألْمحبَّة، لا تطلب إلينا أن نكف عن النضال فيما نجده حقاً وعدلاً، ولكنها ترجونا ألاَّ نجعل معارضتنا لاعمالهم إحتقاراً لأشخاصهم.

وإزاء العيوب نفسها ألا نجد ألْمحبَّة مشفقة فاللئام هم غالباً، أشقياء، واعطاؤهم الثقة في التغلب على مرضهم الاجتماعي إنما يكون في انتشالهم من عزلتهم السوداء، وإشاعة الاطمئنان فيهم، ورد حقوقهم وشرفهم اليهم.

فالقاضي يعاقب لان القانون يستوجب العقاب. ولكنه يكون محبّاً لا قاضياً حين ينقذ المجرمين ويساعدهم على رد مكانتهم الاجتماعية، وحين يجد استجابتهم للإصلاح.
ان ألْمحبَّة نفسها لا تيأس ولا تتعب ولا ترتد عن تجاربها الإنسانية، حتى الإنسان الذي آمن بها، وهمل عليها حياته ومات خاسراً فيها يترك لمن بعده مثلاً خالداً عن ألْمحبَّة لا يموت.
والتواضع هو ألْمحبَّة ولا ننسى قول السيد المسيح الذي قال: "من وضع نفسه ارتفع ومن رفع نفسه اتَّضع".

مقالات متعلقة