الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 09:02

احمد محاميد يكتب: الرأي العام وصدّ العنصرية ميدانيًا ( ٤-أ )

كل العرب
نُشر: 23/02/11 13:38,  حُتلن: 14:41

أحمد محاميد:

الرأي العام ضروري ايضًا لدعم سياسات والإشراف عليها بواسطة المتابعة والاهتمام الدائم ومحاولة التأثير على صانعي القرارات

الثورة الفرنسية خططت لها الطبقة البرجوازية العاملة والمتعلمة ولكنها جندت الفلاحين من ابناء الطبقة الثالثة لتنفيذ الثورة ميدانياً وقد نجحت بذلك الى حد ما

إن هذا العنوان الذي أختير لكتابة هذه المقالات والذي يحمل إسم الرأي العام، تم اختياره في أخر يوم قبل نهاية السنة الميلادية من العام ٢٠١٠، ومنذ بداية هذا العام الجديد لاحظنا العديد من موجات التغيير والغضب في العالم العربي التي لم تندلع إلا بفضل ومن قبل الرأي العام، وهذا يؤكد أن الرأي العام هو مصدر الصلاحيات لاي نظام حكم، وهو المرجعية الحقيقية لاي سياسة او رؤيا يمثلها قادة السلطة.
 
الرأي العام
الرأي العام ضروري ايضًا لدعم سياسات والإشراف عليها بواسطة المتابعة والاهتمام الدائم ومحاولة التأثير على صانعي القرارات. لذلك يجب التشديد اليوم على ضرورة تفعيل الرأي العام المحلي في اسرائيل وتفعيل الجماهير عرباً ويهوداً من مختلف الديانات ومن مختلف الطوائف في سبيل الحفاظ- هنا- على الديمقراطية التي مات من اجلها شباب الفيسبوك والتويتر في العالم العربي وبكى لاجلها كل عجوز تونسيّ ومصريّ وفحماويّ، واستغرب منها كل مواطن يهودي في الدولة. الديمقراطية في اسرائيل تعاني من مرض مزمن على الصعيد السياسي لكن على الصعيد الاقتصادي والقضائي التحقيقي ما زالت هذه الديمقراطية حيّة بدون شك، ولكن هذه الدولة لا تعيش في فراغ، فموقعها الجغرافي السياسي يحتّم عليها وعلى مواطنيها كافةً العمل على حماية هذه الديمقراطية، إذا رغب رجال السلطة في ذلك، ووقف زحفها نحو الهاوية على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي بالإضافة إلى السياسي طبعاً.

اجراءات تنظيمية دستورية !
وحتى اكون فعلاً مواطناً عادياً قررت أن اطرح امامكم ايها القراء الأعزاء سلسلة من المقالات التي سنحاول فيها سويةً قراءة تاريخ الثورة الفرنسية من أجل الديمقراطية، وصولاً الى مراحل الثورة والإجراءات التنظيمية الدستورية التي ظهرت في اعقاب الثورة ثم تغيرت مراراً، وحتى الوصول قليلاً الى فترة نابليون ، ومن ثم الى ظاهرة الرجعيّة في الفترة ما بين ١٨١٥ -١٨٤٨ ، ونهاية في الفترة التي تلت النصف الاول من القرن التاسع عشر والتي تميزت بعودة الانظمة الديمقراطية مجدداً من خلال ما يسمى هذه المرة " ثورات ربيع الشعوب " والتي عكست مدى إرادة التاريخ وصعوبة إعادة العجلة الى الوراء. إن إحدى ميّزات هذه الثورات – ثورات ربيع الشعوب- كانت اولاً حدوثها في عدة مناطق ودول في اوروبا وثانياً انها اندلعت بفضل العديد من القوى المنهاضة للرجعية والتي أطلق عليها اسم القوى التقدمية وشملت القوى القومية، القوى العمالية والبرجوازية المتعلمة والتطور التكنولوجي المستمر نحو الامام.

تأثير وتغيير ميداني
وحين نقوم بقراءة تاريخ الثورة الفرنسية وما بعدها، سيكون بوسعنا معاً الاجابة، كل حسب رايه ، على السؤال الاكثر اهمية اليوم وهو؛ إلى أين يقودنا هذا التغيير ؟ وكيف يجب علينا ان نتعامل معه بشكل فعّال على الصعيد المدني في المنطقة؟ هل من المفروض ان يكون التأثير والتغيير ميدانياً او الإكتفاء بالقيادة السياسية عرباً ويهوداً يميناً ويساراً؟ على كل مواطن غيور في هذه المنطقة ان يؤكد رغبته بالحفاظ على الديمقراطية واحترام سلطة القانون والاعتراف بضرورة التعددية السياسية والدينية والاحتماعية والاقتصادية بنفس المدى واحترام الجنس الاخر، واعطاء الاقليات الحق في الحفاظ على هويتها الخاصة بها، وتحقيق الحق في الاجراء القضائي المنصف، وتحقيق الحرية والمساواة وحق الجمهور في المعرفة. الجمهور الاسرائيلي بكافته غير واعي بتاتاً لما يجري حوله، فهو منهمك جداً ببرامج " الحمية " في القنوات الاسرائيلية و"الاخ الكبير" و" إيرتس نهديرت" و " هيفا فهخنون ". هذا المجتمع ، علينا نحن عرباً ويهوداً انقاظه من الكارثة، وهذا واجب اخلاقي وديني من الدرجة الاولى، حتى لا يحاسبنا أي إنسان إسرائيلي و يهودي أو عربي ليقول " لماذا لم تحاولوا ثنيناً عن ذلك؟

ضرائب بدون حقوق
قامت الثورة الفرنسية بشكل رسمي في تاريخ ١٤/٧/١٧٨٩ (تاريخ الثورة المصرية يجب ان يكون ١١/٢/٢٠١١- يوم الاطاحة برئيس الجمهورية)، هذه الثورة سبقتها أحداث سياسية، اجتماعية واقتصادية، كانت سببًا للثورة وبالتالي هناك ضرورة لمعرفتها هنا بشكل سريع نسبيا. في فرنسا عاش ما يقارب ٢٥ مليون مواطن فرنسي؛ ٢٪ من سكان فرنسا كانوا من النبلاء ورجال الدين والذين سيطروا على اقتصاد واراضي البلاد وقرارات الدولة السياسية ولكنهم اعفيوا بالمقابل من دفع الضرائب، أما السواد الاعظم من الشعب الفرنسي فقد كان في معظمه فقيراً لا يملك قطعة ارض وهو يعيش لخدمة الطبقات العليا ومعظم نفقات الدولة على كاهله ، كما ان الطبقة الثالثة لم تملك اي تأثير سياسي على الطبقتين الاولى والثانية ، فجاءت الثروة الفرنسية ورفعت شعار الثورة " لا ضرائب بدون تمثيل " او " لا ضرائب بدون حقوق " كما كان في الثورة الامريكية في ٤/٧/١٧٧٦ . لقد اخطأ الملك لويس السادس عشر حين قرر الوقوف الى جانب النبلاء ورجال الدين ولم يستمع الى مطالب عامة الشعب التى كانت تصرخ وتطالب باخراج البلاد من الازمة الاقتصادية الخانقة وانهاء سيطرة الطبقات الاولى والثانية على موارد الدولة، وتحقيق الحقوق السياسية والطبيعية لجميع المواطنين في فرنسا.

تقييد الدستور
هذه الثورة الفرنسية خططت لها الطبقة البرجوازية العاملة والمتعلمة ولكنها جندت الفلاحين من ابناء الطبقة الثالثة لتنفيذ الثورة ميدانياً وقد نجحت بذلك الى حد ما، اذ سرعان ما اعلن الملك لويس السادس عشر عن الرضوخ لمطالب الثورة في تاريخ ٤/٧/١٧٨٩ وحل مجلس الطبقات الامّة ( البرلمان ) وتأسيس الجمعية التأسيسية الوطنية التي تشمل جميع الطبقات والتي ستقوم بإعداد دستور جديد لفرنسا تقرر فيه ان تكون فرنسا ملكيّة دستورية، اي إبقاء الملك مع صلاحيات واسعة لكنه سيكون مقيد بواسطة الدستور. ان اول خطوة قامت بها الجمعية التاسيسية الوطنية هو اولاً الغاء نظام الاقطاع ونظام الطبقات بشكل رسمي،واصدار وثيقة حقوق الانسان والمواطن ( اول وثيقة في اوروربا ) التي اكدت ضرورة احترام حقوق الانسان والمواطن خاصة حق الحياة والحرية والمساواة، كما قامت الجمعية التاسيسية الوطنية بمصادرة اراضي الكنيسة واعلنت عن سن قانون الدستور المدني لرجال الدين الذي من خلاله اصبح رجال الدين في فرنسا عبارة عن موظفين داخل الدولة ويؤدون اليمين والولاء للدولة وليس للبابا او للكنيسة. اعلنت الجمعية التأسيسية عن الدستور الأول لفرنسا الثورة والذي سنتطرق الى بنوده في الاسبوع القادم، كما انها اعلنت بموافقة الملك عن اجراء انتخابات ديمقراطية وفق الدستور للسلطة التشريعية الاولى حتى موعد اقصاه ١٧٩٠. في المقالة القادمة سنقوم بدراسة تاريخ تطور الثورة في فرنسا والتغيّرات التي طرأت على الثورة خاصة فيما يخص قرار الثورة الفرنسية بنشر مبادءها خارخ فرنسا، الامر الذي ادى الى دخول فرنسا الثورة في حروب كثيرة مع اوروبا دامت ما يقارب ٢٥ عامًا كان لها تأثيراً كبيراً على الخارطة السياسية في بداية القرن التاسع عشر.

مقالات متعلقة