الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 19:01

محمود صالح عودة يكتب: فتوى الثورة

كل العرب
نُشر: 03/02/11 22:37,  حُتلن: 17:04

محمود صالح عودة

مبارك ونظامه الآن يلفظون أنفاسهم ويخوضون معركتهم الأخيرة

مظاهر إفلاس إسرائيل إزاء الثورة المصرية، فظهرت عند افتضاح الموقف الإسرائيلي الذي يؤيد الديمقراطية

بداية الاحتجاجات - التي تمّت بمبادرة شباب الطبقة المتوسطة عبر الإنترنت - بطريقة سلمية، إلا أنها تحوّلت إلى حمّامات دم

ما يجري في الشارع المصري منذ 25 يناير هو رد فعل طبيعي على سنوات طويلة من الظلم والفساد وكمّ الأفواه ومصادرة الحقوق والحريات، وهو واجب إنساني بالدرجة الأولى؛ فمن يرضى بالذل والهوان والظلم يفقد من مميزات إنسانيته الكريمة التي وهبه الله إياها.

بالرغم من بداية الاحتجاجات - التي تمّت بمبادرة شباب الطبقة المتوسطة عبر الإنترنت - بطريقة سلمية، إلا أنها تحوّلت إلى حمّامات دم بعد إصرار أجهزة أمن نظام مبارك على استخدام العنف ضد الشعب المطالب بحقه وحريته، وبيد أن أجهزة الأمن تحمل وزر اعتداءاتها الهمجية، فإن حامل الأوزار الأكبر هو الذي أمرها بالقيام بتلك الاعتداءات، الرئيس حسني مبارك.

لم يفاجئنا مبارك بتصرفاته الأخيرة، فالشخص يملك عنادة شديدة بشهادة المقربين منه، عنادة يرافقها حب كبير للكرسي والرئاسة، التي هي على واقع الأرض رئاسة عصابة محترفة بإفساد البلاد ونهب الثروات، تتفنّن بتزوير الحقائق وتلبيس الحق بالباطل. فليس غريبًا تمسّك مبارك بالكرسي حتى بعد المظاهرات الشعبية المليونية، التي أوضح المشاركون فيها مطالبهم بزواله وزوال نظامه، وبالحرية والعدالة والإصلاح، بالرغم من إعلانه عن عدم نيته الترشح لفترة رئاسية أخرى.

إن مبارك ونظامه الآن يلفظون أنفاسهم ويخوضون معركتهم الأخيرة، وهو ما يفسّر القتل والعنف الذي تمارسه أجهزتهم ضد الشعب، ومحاولاتهم البائسة لتشويه صورة الثورة وأهلها، فقد رصدت منظمة حقوق الإنسان "هيومان رايتس ووتش" عدّة عمليات تخريب قام بها أشخاص بزي مدني يحملون بطاقات الشرطة، إلى جانب المجرمين والمقهورين وضعفاء النفوس، الذين استغلّوا الفوضى للسرق والتخريب، بعد تخلّي أجهزة الأمن عن حماية البلاد والتفرغ لقتل أهلها وتخويفهم.

وقد أدّت أضاليل بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام إلى استقالة موظّفين منها، منهم المذيعة في التلفزيون المصري سها النقاش، التي كانت حجّتها "افتقاد الأخلاقيات المهنية" للقناة التي زوّرت حقائق ما دار في الشارع المصري بداية أيام الغضب.

من مظاهر الإفلاس الأخرى لنظام مبارك، كان إجبار موظفين يعملون في هيئة الإذاعة والتلفزيون للمشاركة في تظاهرات مؤيدة لمبارك، إضافة إلى دفع مبالغ بين 50 و100 جنيه وتقديم وجبات الطعام للأهالي ليشاركوا بتلك المظاهرات المزيّفة، إلى جانب دفع البلطجية المأجورين لإثارة الفوضى بين المتظاهرين المطالبين بإسقاط الرئيس ونظامه ومحاكمتهم. إنما لم تمنع تلك المحاولات الشعب من حماية البيوت والأحياء وتنظيف شوارع المدائن ومساعدة المحتاجين خلال الانتفاضة المجيدة.

أما مظاهر إفلاس إسرائيل إزاء الثورة المصرية، فظهرت عند افتضاح الموقف الإسرائيلي الذي يؤيد الديمقراطية، ولكن بذات الوقت يرفضها "دعمًا للاستقرار"، حتى أن أحد الساسة الإسرائيليين طالب بتغيير أسلوب التربية في البلاد العربية قبل دعم الديمقراطية فيها حتى لا تنتخب جهة "متطرّفة". ولم تختلف بعض الدول الغربية كثيرًا عن إسرائيل في ذلك.
أضف إلى ذلك تصرياحات رئيس الأركان الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز حول التطورات الأخيرة في مصر، وأن هناك خطر نشوء "حلقة شيعية" حول إسرائيل، وهو ما يشير إلى حجم المحاولات الإسرائيلية المتكررة لإثارة الفتن في العالم العربي والإسلامي.

فاجئتنا سذاجة فتاوى بعض الشيوخ المعروفين قبل الثورة المصرية، إذ أفتى بعضهم بأن الاحتجاجات "لا ترضي الله"، وبأن "الخروج على الحاكم حرام ولو كان ظالمًا فاسقًا" وفتاوى أخرى من هذا القبيل، ولا أدري إلى أي كتب استند هؤلاء قبل إصدار فتاويهم، إنما على الأرجح أنها كانت من صنع علماء البلاط وفقهاء السلاطين والمستعمرين، مع الذكر بأن بعضهم غيّر موقفه بعد اندلاع الانتفاضة والبعض الآخر "ركب" عليها. جدير بالذكر أنه كانت هناك مواقف محقّة ومشرفة لكبار علماء الأمة الإسلامية بذات الوقت.

لم تكن هناك أي حاجة للفتاوى فيما يخص الوضع في مصر، وقد كان تحرّر الشباب الذين أطلقوا شرارة الثورة من القيود الوهمية التي وضعها ساسة النظام السابق وعلماء بلاطه أحد أسرار نجاحها وانتشارها، وما يبعث ريح الاطمئنان هو وعي أولئك وعلمهم بخدع نظام مبارك وأسياده في واشنطن وتل أبيب، إنما المطلوب المزيد من الوعي والحذر والصبر لإتمام اقتلاع شجرة الفساد من مصر، ولإعادة بناء أكبر دولة عربية لتستعيد مقامها الطبيعي في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات متعلقة