1- حق القوة محدود الضمان، وان نجح أن يبني لذاته وجودا فهو وجود مؤقت، ونهاية هذا الوجود لا محالة لزوال، ولن أتحدث عن التاريخ مدللا بعدد لا محدود من شواهد التاريخ التي تؤكد ما أقول، بل سأتحدث عن أحداث الحاضر الذي نعيش فيه ونعيش أحداثه حلوها ومرها، إذ انه في أحداث الحاضر الشواهد الدامغة على ما أقول.
2- تَمَّ الكشف خلال هذه الأيام عن تقرير سري لخطة عسكرية سياسية شاملة وضعتها المؤسستان الأمريكية والاسرائيلية بمشاركة جهات عربية وتواطؤ أوروبي، وقد وضعت هذه الخطة في نهاية العام 2005م، وهي مرفقة بخرائط لمساحات مستهدفة، وبقائمة اسماء الأنظمة والحكام التي ستبقى أو التي ستزول، وهي مرفقة كذلك بأسماء الجهات الممولة لهذه الخطة، وتتحدث هذه الخطة عن تهجير مجموعات سكانية من مكان الى آخر، وأيضا تصفية كاملة لبعض القوى في لبنان، وتوسيع العدوان في فلسطين، واغتيال رموز محددة فيها، كما وتتحدث الخطة عن موافقة لبعض الدول العربية على ارسال مائة ألف جندي عربي الى العراق، وثلاثين ألف جندي عربي من وحدات خاصة الى الأراضي اللبنانية، وتتحدث الخطة عن تدريبات وإجراءات تسليح سرية وعلنية كجزء من الخطة الأمريكية - الإسرائيلية، وعن خارطة اسرائيلية جديدة لرسم الحدود بموافقة عربية ودولية، وقد أكدت بعض الصحف أنها تمكنت من الحصول على هذه الخطة السرية، وأتمنى على هذه الصحف أن تقوم بنشرها.
3- إذن هناك خطة تدميرية قد أعدت سلفا في نهاية العام 2005م وهذا يعني أن الإجتياح الإسرائيلي - الامريكي التدميري للبنان لم يكن من فراغ ولم يأت كرد فعل على خطف جنود الاحتلال الاسرائيلي، وهذا يعني أن محاولة تسميم رئيس الحكومة الفلسطينية السيد اسماعيل هنية واختطاف رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني السيد عزيز دويك ووزير شؤون القدس السيد خالد ابوعرفة والعشرات من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني لم يأت من فراغ، بل ان كل ما وقع حتى الآن هو بمثابة تطبيق عملي لبعض مركبات هذه الخطة السرية.
4- يؤكد ذلك ما نقلته صحيفة الحياة بتاريخ 29/7/2006م من تصريحات لرئيس هيئة الأركان الاسرائيلي دان حالوتس والتي قال فيها ان الجيش الاسرائيلي أجرى تدريبا قبل حوالي شهرين على بداية اجتياح لبنان، وقد تناول هذا التدريب سيناريو مماثلا لما حصل، وهناك (خطة شاملة) تتحدث عن عمليات عسكرية لشهرين تتخللها نيران من الجو والبحر وتستكمل بالتوغل براً.
5- ويؤكد ذلك ما أدلت به عناصر شبكة التجسس التي نجحت القوات الأمنية اللبنانية باعتقالها بعد مرور عدة أيام على هذا الاجتياح التدميري للبنان، حيث اعترفت هذه العناصر انها كانت بمثابة خلية تجسس نائمة ثم طلبت منها بعض عناصر في المؤسسة الاسرائيلية قبل شهرين على بداية هذا الاجتياح ان تنشط بمهامها وان تبادر الى جمع معلومات وفق ما يطلب منها استعدادا لأحداث قريبة.
6- هذا يعني أن كل مركبات حق القوة كانت معدة ومتحفظا عليها في جارور المؤسسة الاسرائيلية والأمريكية ، فالخطة الهجومية جاهزة، وعنصر المباغتة جاهز، والجيش قد استكمل كل التدريبات ، وشبكة التجسس في عمق لبنان جاهزة، وكل العتاد الحربي التدميري جاهز بل هو فائض عن الحاجة، من الرصاصة حتى الطائرة القتالية مرورا بالبوارج البحرية العسكرية والدبابات عالية الجودة الحربية ووحدات القتال الخاصة أمثال جولاني وأخواتها، ولم يبق سوى الإعلان عن ساعة الصفر.
7- وحتى نقرب الى الأذهان ماذا نعني بقولنا أن كل العتاد الحربي التدميري كان جاهزا، يكفي ان نعلم وهو مجرد مثال ان سلاح الجو الاسرائيلي قد ألقى فجر الأربعاء 12/7/2006م قنبلة بوزن طن على منزل من طابقين في غزة، يملكه المحاضر في الجامعة الاسلامية الدكتور نبيل ابو سليمة ، أدت الى قتل الرجل وكل افراد اسرته ، وإصابة نحو أربعين آخرين، وتدمير عشرة منازل مجاورة بشكل جزئي!! ثم ماذا؟! بعد ذلك بأسبوع ألقى نفس سلاح الطيران الاسرائيلي ثلاثة وعشرين طنا من المتفجرات على أحد المباني في ضاحية بيروت الجنوبية، أحدثت دمارا هائلا وتعذر حصر الضحايا الذين تحوّلوا الى أشلاء صغيرة تحت أنقاض المباني التي سويت بالأرض.
8- وكي لا يشعر جنود الاحتلال الاسرائيلي بأية وخزة ضمير وهم يقصفون ويدمرون ويقتلون فقد أصدر مجلس حاخامات المستوطنين فتوى رديئة باسم الدين أباح فيها ارتكاب المجازر ضد المدنيين، ثم أعقبها هذا المجلس بتعقيب ارهابي على مجزرة قانا قال فيه:" انه طبقا للقانون اليهودي فإنه لا يوجد أبرياء في صفوف العدو أثناء الحرب ... وإن كل الكلام حول الأخلاق يضعف الروح المعنوية للجيش والأمة ويكلفنا دماء جنودنا ومدنيينا".
9- وقد قام بعض رجال العسكر الاسرائيليين فجأة من نومهم وراحوا يصرحون بما يشد من أزر هذه الفتوى الحاخامية الإرهابية باسم الدين، فهذا (موشيه آرنس) الذي شغل ذات يوم منصب وزير الحرب والاحتلال حذر في تصريحات له مع صوت الاذاعة العبرية (صوت الجيش) بتاريخ 14/7/2006م مساء من تنامي دور المقاومة الاسلامية في العالم العربي، على النحو الذي قد يؤدي الى تهاوي قدرة الردع الاسرائيلي في مواجهة العرب والمسلمين ، وقال إنه يجب سحق تلك القوى "حتى لا يتجرأ علينا الجميع، وحتى لا نصبح أضحوكة أمام العالم".
10- وهكذا ظن الثلاثي (أولمرت - بيرتس - حلوتس) ان كامل الأوصاف قد اجتمعت لهم لتحقيق نصر مؤزر غير مسبوق على شرذمة - في عيونهم - لا يتعدى عددها الثلاثة آلاف ، وهكذا دفعوا بعددهم وعتادهم وخيلهم وخيلائهم الى لبنان، وكأني بأولمرت يرقص رقصة الموت لأهلنا في لبنان وكأني ببيرتس يُبرّم شواربه بكبرياء، وكأني بحلوتس يفتل عضلاته بعلو وفساد وغرور!! ثم انفجرت الحرب وحمي الوطيس واشتد أوارها، فماذا كانت النتيجة ؟! وماذا كان حصاد حق القوة وقد اجتمع له كامل الأوصاف.
11- لن أتبنى قاعدة التحليل حتى أجيب على هذه الأسئلة بل سأكتفي بما قاله القادة السياسيون الإسرائيليون، وبما قالته بعض وسائل الإعلام العبري قبيل ذاك الإجتياح التدميري للبنان وخلاله وبعده، ومن الواضح أن مجموع هذه الأقوال يجسد الجواب الواضح على هذه الأسئلة، وهو جواب ليس على لسان الشيخ حسن نصر الله ولا على لسان قادة حزب الله بل هو على لسان عناصر ذات ثقل في المؤسسة الاسرائيلية.
12- أما ما قالته بعض هذه العناصر قبيل الإجتياح التدميري للبنان فهذا الجنرال شلومو غازيت الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية (أمان) وخلال لقاء له مع "راديو صوت اسرائيل" بتاريخ 15/7/2006م فقد وصف عمليتي أسر الجنود الاسرائيليين في فلسطين ولبنان بأنهما أصابتا اسرائيل بالخزي ودعا حكومة أولمرت الى التخلي عن الغرور والعمل على التوصل الى تسوية سياسية مع الدول العربية، قبل أن تتطور الأمور الى ما هو أسوأ.
13- وهذا الجنرال عامي أيالون الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات (الشاباك) وقائد البحرية السابق فقد اعترف بالتفوق الذي حققته المقاومة في عمليتي اسر الاسرائيليين في فلسطين ولبنان على الصعيد المعلوماتي والمهني وقال إنها من نوع عمليات "الكوماندوز" الخطيرة ، وانه كعسكري مخضرم كان سيشعر بالفخر لو انه هو الذي قادها .
14- وأما ما قالته بعض هذه العناصر خلال الاجتياح التدميري للبنان فحدّث ولا حرج، وهي بحاجة الى دواوين من المجلدات كي ترصدها وتوثقها ، فهذا أحد التقارير التي كانت تصدر يوميا عن مؤسسات وأجهزة اسرائيلية خلال هذا الاجتياح يقول: ان القيادة الاسرائيلية توقعت تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الحرب بعد أيام أربعة من إندلاعها لكننا حتى الآن لم نحقق أي هدف من الأهداف التي وضعناها لا على المستوى السياسي ولا على المستوى العسكري.. وهذا الفشل والعجز في حد ذاته يشكل ضربة قوية للخطة الاسرائيلية وأوقعت القيادة الاسرائيلية في دائرة من خيبة الأمل والحرج، وبشكل خاص لأجهزتها الاستخبارية ... وان أي تغيير على طول الحدود مع لبنان لم يتحقق ، والجنديان المخطوفان لم يعودا عبر الضغط العسكري، ... وان كل يوم يمر هو مفاجأة ضخمة لجهاز الاستخبارات وقيادة الجيش اللتين تعيشان أجواء من الضبابية والارتباك وعدم الوضوح وعدم القدرة على توقع خطوات حزب الله القادمة.
15- ولعل حدة هذه التقارير ومرارتها دفعت الصحيفة العبرية "يديعوت أحرونوت" أن تكتب في أحد مقالاتها تحت عنوان " الهزائم تتكدس يا اولمرت" حيث راحت تعدد الخسائر التي حصدتها المؤسسة الاسرائيلية في فلسطين ولبنان على عهد الثلاثي (أولمرت - بيرتس - حلوتس).
16- وتحت عنوان "سبت آخر في الملاجئ" كتب أحد التقارير العبرية يقول: " إن هذا هو السبت الثاني، وهو اليوم المقدس لدى اليهود، الذي يقضيه اليهود في الملاجئ بدلا من المقاهي والنوادي والمصايف ، في هذا الجو الصيفي، حيث إن يوم السبت هو يوم العطلة، ولكن جاءت صواريخ المقاومة اللبنانية لتفسد على اليهود إجازتهم، بل وكل حياتهم ، وأصبح الآلاف هناك يعالجون من الأمراض النفسية التي نشأت على خلفية الوضع الحالي".
17- وفي صحيفة "هآرتس" العبرية كتب المراسلان العسكريان عاموس هارئيل وآفي يسخروف ان النقد يتسع في الجيش على طريقة إدارة الحملة العسكرية في لبنان ... وكتبا أن أولمرت الذي تحدث أمام كلية الأمن القومي عن إنجازات غيرت وجه الشرق الأوسط، دفع ضابطا في الجيش للتساؤل: هل يحتمل ان يكون يرى الحرب نفسها مثلنا ؟"
18- وفي صحيفة "هآرتس" العبرية كتب "زئيف شترنهال" بتاريخ 2/8/2006م يقول عن هذا الاجتياح التدميري للبنان : (" إنها الحرب الأكثر فشلا في تاريخ اسرائيل ... بعد مضي كل هذا الوقت (22 يوما) فإن أولمرت وحكومته وجيشه هم الذين تحولوا وأصبحوا يخفضون من سقف الأهداف التي وضعوها للحرب ، فبعد أن أعلنوا عن هدفين أساسيين وهما: استعادة قوة اسرائيل الردعية في مواجهة العرب، وتصفية حزب الله، نجد ان هذين الهدفين يتقلصان كثيرا، ليصبحا مجرد ابعاد مواقع حزب الله الأمامية عن الحدود الشمالية لدولتنا ، ونشر قوات دولية).
19- وفي صحيفة "معاريف" العبرية كتب "يونتان شم أور" يقول: ( خسرنا ... لم يعد مهما إذا كان الجيش سيصل الى نهر الليطاني، لم يعد مهما حتى إذا كانوا سيجلبون هنا رأس نصر الله، او ابن لادن، وجثة هامان الشرير، فقد انتصروا هم وخسرنا نحن) ومضى بقوله: ( وبدون قطارات تحت الأرض في المراكز السكانية الكبرى لن نبقى على قيد الحياة، فبعد ان فقدنا قوة الردع يمكن لكل واحد أن يتغوط علينا بأي قدر من الصواريخ يروق له) ولا يخفي "اور" في هذه المقالة ان يسدل هذا الاجتياح التدميري الستار على خطط أولمرت السياسية أحادية الجانب بشأن الضفة الغربية المحتلة، وان يضع نهاية قريبة لأولمرت وحزب (قديما) !!
20- وفي صحيفة معاريف كتب ( أوري أفنيري) يقول: (ان الذين وضعوا هذا الهدف - أي أبعاد حزب الله عن الحدود - يتجاهلون حقيقة ان حزب الله متغلغل تماما في الأوساط الشعبية بجنوب لبنان، وبالتالي فإنه لا يمكن إبعاده إلا في حالة طرد جميع الأهالي من قراهم للأبد ... هذه الحرب أحدثت بالفعل تغييرا وهو توحيد الشيعة والسنة ضدنا ، فهل هذا هو التغيير الذي وعدنا به اولمرت؟).
21- وهذه شهادة من قلب المعركة يعترف بها ضباط وحدة رأس الحربة التابعة للوحدة (ج) من الفرقة (51) التابعة للواء جولاني ويقرّ أحدهم بأن وحدته أبيدت بشكل شبه كامل أثناء معركة بنت جبيل حيث يقول: ( ان الوحدة التي نفذت عملية ناجحة جدا قبل اسبوعين في قطاع غزة الأعزل دون أن يسجل في صفوفها أية إصابة قد تلقت ضربة قصمت ظهرها اثناء المعركة التي شهدتها بلدة بنت جبيل اللبنانية ...) وهناك ضابط آخر أقرّ معترفا ان وحدته أبيدت تقريبا وخرجت من ساحة القتال العسكري والجنود يعانون من صدمة شديدة جراء ما نزل بهم !!
22- ثم ماذا ؟! انا على يقين ان الاجتياح التدميري للبنان قد توافق مؤقتا !! وبدأ فورا اجتياح تدميري سياسي باتت تقوم به قوى سياسية واعلامية اسرائيلية لتدمير حكومة اولمرت!! وانا على يقين ان هذا الثالوث ( اولمرت - بيرتس - حلوتس) قد نفد دوره ولم يعد أمر هزائمه خافيا على أحد !! وانا على يقين أن لهذا الاجتياح التدميري للبنان أسرارا كثيرة باتت تتكشف وتبرز العفن المتغلغل في المؤسسة الاسرائيلية حتى النخاع، فها هي الفضائح قد بدأت تطارد حلوتس على سبيل المثال ، لذلك فالأيام القادمة أيام ساخنة على صعيد الساحة الداخلية الإسرائيلية، وستبرز الأيام القريبة القادمة ان الساحة الإسرائيلية باتت تعاني أزمة قيادة، فلا يوجد بديل لأولمرت، وأولمرت ليس بديلا لأحد.