الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 21:02

كلفة البقاء ما بين الهدم والبناء - بقلم:المحامي قيس يوسف ناصر

كل العرب
نُشر: 06/11/10 20:34,  حُتلن: 07:41

قيس ناصر:

لا تجمّد المحكمة أمر الهدم إلا إذا شرع صاحب المبنى بمخطط هيكلي تفصيلي يمكّنه من الحصول على رخصة بناء وأثبَتَ للمحكمة تقدُّمًا في المخطط

حسب قانون التنظيم والبناء فإن كل من يبني دون رخصة يرتكب مخالفة جنائية يكون العقاب عليها أمر هدم للمبنى وغرامة مادية وسجنا حسب قضاء المحكمة في كل حالة

نجد أنه على المواطن الفلسطينيّ من أصحاب البيوت المهددة بالهدم، سواء لوحق بالمسار الجنائي أو الجنائي، أن يدفع للحفاظ على منزله "كلفة بقاء" تبلغ نحو 400 ألف شاقل بالمعدل

ناقش الكنيست الإسرائيلي مُؤخّرًا مشروع قانون يلزم صاحب مبنًى غير مرخص بدفع نفقات هدم المبنى أو إزالته إذا نُفّذ الهدم بأمر هدم إداري أصدره رئيس لجنة التنظيم والبناء المحلية أو رئيس لجنة التنظيم والبناء اللوائية. وفي رأيي، لا يمكن الفصل بين مشروع القانون هذا وبين الحملة التي تشنها حكومة إسرائيل ومؤسساتها لهدم منازل الفلسطينيين في البلاد أو لحملهم على هدم منازلهم بأيديهم. حكومة إسرائيل تصوّر أنها حملة "لتطبيق القانون"، مع أن الحقيقة في نظري غير ذلك: تهدف هذه الحملة مع قرارات المحاكم التي تسوّغها الى جعل بقاء الفلسطينيين في البلاد مُكلفًا وقاسيًا أملا من محرّكي هذه الحملة أن يهجر الفلسطينيون بلادَهم أو يختنقوا داخلها!

مخالفة جنائية
حسب قانون التنظيم والبناء فإن كل من يبني دون رخصة يرتكب مخالفة جنائية يكون العقاب عليها أمر هدم للمبنى وغرامة مادية وسجنا حسب قضاء المحكمة في كل حالة. بالإضافة إلى المسار الجنائي بحق صاحب المبنى، فإن المبنى غير المرخص مُعرَّض هو أيضا لأمر هدم إداري يستطيع رؤساء لجان التنظيم والبناء المحلية واللوائية إصداره دون التوجه الى المحكمة حسب المواعيد والشروط المحددة في القانون.

تجميد الهدم ! 
وفي الملف الجنائي، تختلف غرامة المحكمة من حالة الى أخرى لكنها تبلغ بالمعدل (لمبنى مساحة نحو 120 مترًا) بين 100 ألف شاقل الى 150 ألف شاقل. وفي الملفات الجنائية، لا تجمّد المحكمة أمر الهدم إلا إذا شرع صاحب المبنى بمخطط هيكلي تفصيلي يمكّنه من الحصول على رخصة بناء وأثبَتَ للمحكمة تقدُّمًا في المخطط. كلفة هذا المخطط مع إصدار رخصة بناء تصل بالمعدل (لقطعة أرض مساحتها دونم واحد) نحو 200 ألف شاقل. هذه المبالغ كلها تضاف الى كلفة الإجراءات القضائية التي يتخذها صاحب المبنى للاستئناف على قرارات المحكمة أو لتجميد الهدم التي تصل في الحالات العادية نحو 150 ألف شاقل بالمعدل. علينا ان ننبّه أيضًا أن المحكمة تستطيع حسب طلب من لجنة التنظيم والبناء أن تخوّل لجنة التنظيم والبناء بتنفيذ الهدم بنفسها مكان صاحب المبنى وأن تلزم صاحب المبنى بدفع نفقات اللجنة المحلية. وكلفة هدم منزل غير مرخص بواسطة لجنة التنظيم والبناء قد تصل في الحالات العادية إلى نحو 50 ألف شاقل بالمعدل حسب حيثيات كل حالة.

كلفة الإجراءات القانونية
ولا تختلف المعطيات كثيرًا في قضايا أوامر الهدم الإدارية. فكلفة الإجراءات القانونية لإبطال أمر هدم إداري أو تجميده، بالإضافة إلى الغرامات المادية التي تفرضها المحكمة عادة اذا رَفضت هذه الإجراءات، قد تصل إلى نحو 150 ألف شاقل بالمعدل. تضاف هذه الكلفة الى كلفة الشروع في مخطط هيكلي ورخصة بناء (200 ألف شاقل بالمعدل) مع أن الشروع بمخطط هيكلي لا يشكل حسب القضاء ذريعة لتجميد الهدم إلاّ في حالات نادرة. واذا قبل مشروع القانون الأخير فإنه سيلزم صاحب المبنى دفعَ نفقات الهدم التي تصل إلى نحو 50 ألف شاقل بالمعدل حسب حيثيات كل حالة، الأمر الذي لا يتوفر في القانون حتّى اليوم.
بالنظر إلى كل هذه المعطيات، نجد أنه على المواطن الفلسطينيّ من أصحاب البيوت المهددة بالهدم، سواء لوحق بالمسار الجنائي أو الجنائي، أن يدفع للحفاظ على منزله "كلفة بقاء" تبلغ نحو 400 ألف شاقل بالمعدل. وما من شك في أن المواطن العربي ما كان ليدفع "كلفة البقاء" هذه لو قامت السلطات الإسرائيلية بتوفير الشروط التخطيطية اللازمة لتمكين المواطنين الفلسطينيين من الحصول على رخص بناء.

الكلفة تهديدًا كبيرًا لبقاء البيوت المهددة بالهدم
المبالغ المذكورة هي نتائج سياسية قضائية ترمي إلى أن تزرع في قلب المواطن الفلسطيني أن البناء دون رخصة غير مجدٍ ، لأنه إذا وازى كلفة البناء برخصة مع كلفة البناء دون رخصة، يرى أن النوع الأخير خاسر وقاسٍ. على أرض الواقع، تشكل هذه الكلفة تهديدًا كبيرًا لبقاء البيوت المهددة بالهدم، لأنها تدفع أصحابَ البيوت في كثير من الأحيان إلى عدم اللجوء إلى المحاكم لاتخاذ إجراءات قضائية لإبطال أمر الهدم أو تجميده، وذلك خشية أن تلزمهم المحكمة بتلك الغرامات المادية العالية. والجواب عندي لهذه السياسة أن لا نخضع لها بل أن نعمل على دعم المواطنين الفلسطينيين المتضررين من هذه السياسية قضائيًّا واقتصاديًّا وجمهوريًّا. على الصعيد القضائي، علينا أن نكون أكثر تفعيلا لدور المراكز الحقوقية العربية في البلاد في إعطاء التمثيل القضائي المجاني لأصحاب البيوت المهددة بالهدم حسب معايير هذه المراكز ومجال عملها. على الصعيد الاقتصادي، علينا أن نعمل على دعم أصحاب البيوت المهددة بالهدم ماديًّا حتى يتمكنوا من استنفاد حقهم باللجوء إلى المحكمة أو من دفع الغرامات التي تفرضها المحكمة عليهم. وفي الحقيقة، لا أرى في تجنيد هذا الدعم صعوبة حقيقية، فموارده كثيرة، ومنها الجمعيات العالمية المهتمة بقضايا الفلسطينيين في البلاد. أما على الصعيد الجمهوري، فعلينا، مواطنين وقيادات، أن نعمل دائمًا على شرح قضية البناء دون رخصة في البلدات العربية ومسبباتها أمام الجمهور الإسرائيلي وأمام القيادات الإسرائيلية وذلك من خلال فعاليات متواصلة داخل الكنيست وخارجها، لنوضح بشكل مهنيّ ومدروس، بعيدًا عن الشعارات، أن مشكلة البناء غير المرخص في البلدات العربية لا تعود، بشكل عام، إلى نزعة عند المواطن العربي، بل تتلعق بالأساس بمشكلات جوهرية في جهاز الترخيص الحالي في إسرائيل.

برنامج عمل واضح

لا شك في أن تفعيل توصياتي هذه، التي لا تتضمّن جميع الخطوات التي بإمكاننا اتخاذها، يحتاج إلى برنامج عمل واضح. لهذا أدعو جميع أطر مجتمعنا الفلسطيني في البلاد، من مواطنين ورؤساء سلطات محلية وأعضاء كنيست ومراكز جمهورية إلى وضع خطة عمل تدعم بقاء البيوت المهددة بالهدم، إيمانًا مني أن تسويف بحث هذه القضية وحلها جذريا يهدد مستقبل كل الفلسطينيين في هذه البلاد.

* يعمل الكاتب أيضًا محاضرًا لموضوع التنظيم والبناء في كلية الحقوق في الجامعة العبرية بالقدس.

مقالات متعلقة