الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 10:02

الطفل الوحيد لأهله: افكار شائعة عنه وعن والديه

كل العرب
نُشر: 19/10/10 11:07,  حُتلن: 11:15

الزوجان يختاران أحيانا ألا يكون لهما سوى طفلا واحدا. وقد تكون الدوافع مالية ومادية

الناس كانوا يرتابون في سلامة العلاقة الحميمة لوالدي طفل وحيد، ويشكُّون في أنهما يلجآن إلى ممارسات منبوذة إجتماعياً ودينياً

 غالباً ما يُقال إنّ الطفل الوحيد أناني جراء تدليله المفرط، لأنّه، ببساطة، غير معتاد على المشاطرة، بما أنّه الوحيد، ويحظى بكل شيء، مادياً وعاطفياً

الوالدان يحسان بالشعور بالذنب لعدم قدرتهما على إهداء أخ صغير أو أخت صغيرة إلى طفلهما الوحيد، فيبالغان في تدليله، وكأنّهما يقومان بالتكفير عن ذنب

لأسباب معيّنة، في غاية التبايُن، لا ينجب بعض الأزواج سوى طفلا واحدا، سواء أكانوا مرغمين أو مكرهين، أم بمحض إرادتهم. ثمّة أفكار شائعة عن الطفل الوحيد (أنّه مدلل أكثر من اللزوم، أو نرجسي، أو أناني، إلخ)، وأيضاً عن والديه، وحقيقة دوافعهما. فما مدى صحتها؟
دعونا نستعرض بعضاً من تلك الأفكار الشائعة التي تخص الطفل الوحيد، وشخصيته، وقدرته على التأقلم. بعض تلك الأفكار المسبقة تطال، أحياناً، حتى والدي الطفل الوحيد، متمثلة في تساؤلات عن دوافعهما. من خلال شرح كل من تلك الأحكام العامة على حدة، سنسعى إلى إستخلاص الصحيح من الخطأ، من دون الجزم أن هذا صحيح كله، جملة وتفصيلاً، وذاك خطأ كله إطلاقاً. فالحالات متعددة كتعدد الأطفال الوحيدين أنفسهم، ولا يمكن إعطاء أي أحكام شاملة، تنطبق على الجميع. تتطرق الفقرات الآتية إلى أكثر الأفكار شيوعاً في هذا الشأن، وتشرح بإيجاز كلاً منها، توكيداً أو تفنيداً:


صورة توضيحية

1- الطفل الوحيد خيار إرادي من والديه:
في حالات نادرة، نعم: يختار الزوجان ألا يكون لهما سوى طفلا واحدا. وقد تكون الدوافع مالية ومادية (ضيق الحال، وضيق مساحة السكن، مثلاً). في حالات أخرى، يكونان، أو احدهما على الأقل، قد عانى في طفولته، مادياً أو نفسياً، بسبب وجود إخوة أو أخوات، فيقرر لا شعورياً تجنيب طفله تحمل حالة مشابهة. وفي حالات أخرى، تكون غريزة الأمومة، أو الأبوة (أو كلتاهما) ضعيفة، أو عرضة لعوامل نفسية تلجمها، ما يؤدِّي إلى رفض لا شعوري لفكرة إنجاب طفل آخر، أو أكثر.
لكن ذلك كلّه، في الواقع، لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من دوافع الإكتفاء بطفل واحد. ففي معظم الحالات، يرغم الوالدان على ذلك إرغاماً. والأسباب مختلفة، إما صحية (كالعقر المفاجئ، أو الناجم عن تداعيات دائمة عقب الولادة الأولى، أو عسر الإنجاب، أو أي إعاقة بدنية أخرى)، وإما إجتماعية (طلاق فعلي، أو إنفصال جسدي مع عدم الطلاق رسمياً، من أجل مصلحة الطفل، تحديداً)، وأحياناً حتى لأسباب تشريعية، تخص تحديد النسل: في الصين، لا يتيح القانون للوالدين إنجاب أكثر من طفل واحد (عدا عن إستثناءات للمسلمين وبعض سكان الأرياف، ممن يُسمح لهم بطفلين).

2- يُنظر إلى والدَي الطفل الوحيد نظرة ارتياب:
الفكرة السابقة، (رقم 1) تجر إلى الحديث عن الفكرة (رقم 2) المتعلقة بالشك في دوافع الوالدين.
فماضياً، في المجتمعات الأوروبية، كان ذلك صحيحاً إلى حد بعيد: كان الناس يرتابون في سلامة العلاقة الحميمة لوالدي طفل وحيد، ويشكُّون في أنهما يلجآن إلى ممارسات منبوذة إجتماعياً ودينياً. لذا، كانت حالات الطفل الوحيد نادرة، إذ يتفاداها الوالدان نظراً إلى ما قد ينجم عنها من سمعة غير حميدة.

العائلات المُعاد تركيبها
أمّا الآن، ومنذ ستينات القرن الماضي، بدأت تلك الفكرة الشائعة تتلاشى، بل تبدو بالية في خضم تَفشِّي حالات ما يُسمَّى "العائلات المُعاد تركيبها"، الناجمة عن كثرة حالات الطلاق، والإقتران مجدداً بين رجل له طفل، أو أكثر من زواج سابق. أمّا في منطقتنا، فيُبدي الناس تفهماً أكثر، ويعون أن إنجاب طفل واحد ليس خياراً طوعياً بالضرورة، ولا نتيجة لممارسات منبوذة، إنّما حالة إكراه، تفرض نفسها لأسباب صحية على الأغلب. فمبدأ "المال والبَنون زينة الحياة الدنيا" متأصِّل عندنا، ولا يأتي على خاطر أحد أن يتّهم والدين بالإكتفاء بطفل واحد طوعاً وعن سابق تصميم، إنما يتفهم أنّ لهما قطعاً أسباباً حقيقية.

3- الطفل الوحيد مدلل:
غالباً ما يُقال إنّ الطفل الوحيد أناني جراء تدليله المفرط، لأنّه، ببساطة، غير معتاد على المشاطرة، بما أنّه الوحيد، ويحظى بكل شيء، مادياً وعاطفياً. إلى ذلك، أحياناً، يحس الوالدان بالشعور بالذنب لعدم قدرتهما على إهداء أخ صغير أو أخت صغيرة إلى طفلهما الوحيد، فيبالغان في تدليله، وكأنّهما يقومان بالتكفير عن ذنب. على الرغم من ذلك، في واقع الأمر، ليس ثمّة نموذج عام للطفل الوحيد. فهناك من يشبُّ فيصبح كريماً، ميالاً إلى العطاء والمشاركة، وهناك من ينحى بالأحرى منحى أنانياً ونرجسياً، أو يصبح شحيحاً بخيلاً، مع درجات متباينة بين الضدين. إذ تعتمد شخصية الطفل الوحيد، عند إكتمالها لاحقاً في بلوغه، على محيطه أيضاً، وما تلقاه من تربية.

باب التكاسل والإتكال
كما لا يندر أن يجد والدا طفل وحيد صعوبة في فهم أنّ الصغير قد كبر، وأن عليهما التخلي عن معاملته كصغيرهما المدلل، إنما كصبي له خصوصيته، ربّما في مرحلة المراهقة الأولى. وهذا ما قد يحرمه من تطوير شخصيته، والإهتمام برجولته (إذا كان صبياً ذكراً)، أو أنوثتها (إذا كانت بنتاً). بل، في بعض الحالات، ربّما من باب التكاسل والإتكال، ينتهي المطاف بالطفل، نفسه، إلى الظن أنّه مسكين ضعيف، مرهف الحسّاسية، فيتصرف وفقاً لذلك إذن، ينبغي على الوالدين إجادة تقدير جرعة الإهتمام بحيث لا هي تولد شعوراً بالإهمال عند الطفل، عندما تكون أقل من الحد المطلوب، ولا شعوراً بعاطفة طاغية، عندما تكون مفرطة.

4- يجد الطفل الوحيد صعوبة في مصاحبة أقرانه:
ثمّة أسباب للظن أنّ الطفل الوحيد، لا يصاحب بسهولة رفاقاً في دار الحضانة والروضة، ثمّ لاحقاً المدرسة، لكونه غير معتاد على وجود أطفال آخرين حوله، ولم يألف سوى صحبة والديه، البالغين، اللذين يغدقان عليه العناية والرعاية، فضلاً عن اهتمام البالغين الآخرين به، لاسيما الأقارب (الخالات والعمات والأخوال والأعمام، مثلاً)، ممن يعيرونه رعاية خاصة، لكونه ابن الأخ، أو الأخت، الوحيد. لكن، من ناحية أخرى، هنا أيضاً، يستحيل التعميم، لاسيّما أنّ أُمّهات كثيرات بتن يعملن (بنسب تتفاوت بحسب البلدان، وتصل إلى 60 في المئة)، وبالتالي يرغمن على ترك الطفل الوحيد لدى مربيات أو دور حضانة منذ سن مبكرة (شهر أو شهرين، مدة إجازة الولادة)، ما يعود الطفل على وجود أطفال آخرين، ونسج علاقات صداقة معهم.
أمّا الأُم غير العاملة، المتفرغة تماماً لطفلها الوحيد، فحري بها تعويده على مصاحبة أطفال آخرين (من أقارب أو جيران، أو في دور الحضانة)، والسعي إلى تركه من وقت إلى آخر معهم، وربّما حتى جعله يمضي عطلة معهم من بضعة أيّام. فعزلة الطفل الوحيد، إن بولغ فيها، قد تؤدِّي فعلاً إلى صعوبات إجتماعية لاحقاً، تتمثل في تلكئه في التآلف مع أقرانه.

5- الطفل الوحيد يحصل على قدر أكبر من الحنان:
هذا طبيعي. فطفل يترعرع وحيداً في كنف والدين حنونين مُحبّين، من دون إخوة وأخوات منافسين، قطعاً يتلقَّى قدراً أكبر من العاطفة. لاحقاً، قد تكون لهذا الإحتكار فوائد، إذ لا يندر أن يعزز ثقة الطفل بنفسه، ويمرنه على الإعتداد. لكن، في المقابل، ثمّة عوامل سلبية أخرى، تنعكس عليه. فبما أنّه الوحيد، يعول عليه والداه تعويلاً ثقيلاً، يجعله يحس بالضيق وبتحمل مسؤولية أكبر من أن يطيقها. إلى ذلك، لا يندر أن يهمل زوجان طفلهما، على الرغم من كونه الوحيد، فيعهدان به إلى مربيات وخادمات، وينغمس كل منهما في همومه أو مسيرته المهنية أو هواياته أو تطلعاته، ويتغيب كثيراً. في هذه الحال، لا يكون الطفل الوحيد أفضل حالاً من غيره، بل ربّما أسوأ، من منظور الجرعة العاطفية اليومية، وهي ضرورية كضرورة الغذاء، وربّما أكثر.

6- الطفل الوحيد يتفوق في المدرسة:
لم يتبيّن من أي دراسة جادة أنّ الأطفال الوحيدين "أشطر" من أقرانهم في المدارس. على الرغم من ذلك، يجوز القول إنّ بعضهم يحظى بمتابعة مدرسية أفضل من جانب الوالدين، اللذين يتسنّى لهما وقت أكثر لمساعدة طفلهما على تحضير واجباته، وإعانته على فهم المواد. إلى ذلك، غالباً ما يكون الوالدان دقيقين وحريصين مع طفلهما الوحيد (بما أنّهما يعولان عليه كثيراً، مثلما ذكرنا)، ما يدعوهما إلى مراقبة نتائجه المدرسية بصورة أشد حزماً. هنا أيضاً، يمكن أن ينتهي المطاف بالطفل إلى الشعور بضغط كبير.

7- الطفل الوحيد يعاني في مواجهة المشكلات:
يُروَى أنّ الطفل الوحيد أقل قدرة على مواجهة الخلافات والنزاعات، والمشاكل مع الآخرين. ومرد ذلك الإعتقاد أنّ الطفل الذي ينشأ وسط إخوة وأخوات يتمرّس، منذ صغره، على النضال في الحياة، وربّما الاحتيال، لتثبيت موقعه وانتزاع حب الوالدين وعطفهما، وفرض خياراته، أو إقناع أفراد الأسرة الآخرين بها، وإثبات وجوده بالقياس إلى إخوته وأخواته. فهو في موقع تضارب مصالح دائم مع الأكبر لأنّهم أقوى منه، وأكثر خبرة، ومع الأصغر لأنّهم محط اهتمام الوالدين نظراً إلى سنّهم الغضّة. أمّا الطفل الوحيد، فغير متمرس على تلك المناورات، بما أنّه لم يضطر يوماً إلى ممارستها. بالتالي، عندما يكبر، ينهار بسرعة في حالة مواجهة نزاع أو خلاف، سواء أكان مع أقرانه أم مع غرباء.

مواجهة التحديات اليومية الصغيرة
هنا أيضاً، يبدو التعميم في غير محله، أو على الأقل مبالغاً فيه، ففي باب المقدرة على مواجهة التحديات اليومية الصغيرة، ليس ثَمّة نمط معيّن للطفل الوحيد، وتتوقف تلك المقدرة على جملة عوامل تربوية ونفسية، لا متم بصلة لكونه وحيداً أم لا. إلى ذلك، حال دخول المدرسة، ومن قبلها دار الحضانة والروضة، لا يلبث الطفل الوحيد أن يتمرس، هو أيضاً، في هذا الباب، فيصبح أكثر حذقاً وفطنة في مواجهة الأطفال الآخرين، والتعامل مع مشاكله معهم بدهاء. فروح المنافسة حقيقة قائمة في الأنظمة التعليمية كلها تقريباً، في مختلف أنحاء العالم. وهذا التنافس هو ما يشحذ مخيلة الصغار، ويقوي عندهم ملكة إيجاد مكانهم المناسب ضمن المجموعة، بما يتطلبه ذلك أيضاً من قدرة على مواجهة المشكلات والنزاعات.

خير الأمور أوسطها
من خلال الأفكار الشائعة السبع، المعروضة أعلاه، تتجلّى مرّة أخرى حكمة مقولة "خير الأمور أوسطها".. فمع الطفل الوحيد، ينبغي الاتِّزان ربّما حتى أكثر من غيره، تفادياً لتربية مختلة، قد تفضي إلى هز شخصيته، وجعلها تجنح في هذا الإتّجاه أو في اتِّجاه معاكس تماماً.
 

مقالات متعلقة