الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 16 / أبريل 11:02

ألكلام... مذهبياً وطائفياً منبوذ ومرفوض:جريس بولس

كل العرب
نُشر: 02/10/10 11:26,  حُتلن: 08:15

جريس بولس:

انا مسيحيّ ولكن هل ينسيني هذا الواقع انني فلسطينيّ عروبيّ اولاً واخراً؟

اعتنق العروبة فهي سبيلنا إلى العيش الكريم الرَّغيد الهانيء الذي تزهر في فيئِهِ ملكات شعبنا المهدرة وتتفجر طاقات أمتنا الزاخرة

لا ننسى الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر الذي كان يتكلم باسم المسيحيين قبل المسلمين والمفكر العربيّ ميشيل عفلق الذي قال أن الإسلام هو روح العروبة

كلّكم يعلم حجم المأساة التي عاشتها كفرياسيف في الآونة الاخيرة إثر استشهاد (وقد كتبت كلمة استشهاد عمداً) ثلاثة اشخاص من خيرة اهلها: الدكتور نزار توما والعاملة الاجتماعية جوزفين توما والقاضية نسرين بشارة – كريني التي تخرّجت معي وفي فوجي من كلية الحقوق في الجامعة العبرية في القدس. لن أخوض في خضمّ الحادث نفسه فإنه كان بمثابة فاجعة وقعت وقوع الصاعقة على كفرياسيف خاصّة وعلى المجتمع الفلسطينيّ في الداخل عامَّة فاهتزت لها البلاد طولاً وعرضاً.

"تكفرست"
لكنّ الملفت للنظر إثر هذا الحادث المشؤوم ان كفرياسيف توحَّدت على مختلف أهلها وطوائفها وكانت يداً واحدة و"تكفرست" بما لهذا المصطلح من معنى، فبكى المسلم والدرزيّ قبل المسيحيّ أو مَعَهُ، وشعر الجميع ان المصاب الجلل مصابهم جميعاً، إذاً هذا الحادث الاليم أعاد الوحدة المنشودة من جديد الى أهالي كفرياسيف على مبدأ "مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد".

وعي ووحدة
لا ولن ننسى موقف الطائفة الإسلاميّة المشرّف حين أعلن إماما الجامعين بمدويّات الصوت عن إبطال المسيرة التقليديّة في عيد الفطر المبارك وإلغاء مراسيم العيد وبعدها إلتزام إخواننا المسلمين بذلك وشعر الجميع ان البلدة جميعها في حداد أليم. هذه الحادثة ذكّرتني للتوّ بقصة رائعة تدل على الوعي والوحدة حدثت في قرية "المقيبلة" الواقعة قرب جنين حيث تسكن هناك طائفة مسيحية صغيرة وقد قامت الطائفة الإسلاميّة هناك بالتبرع للطائفة المسيحية بقطعة أرض لبناء كنيسة هناك.
كما ولا ننسى الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر الذي كان يتكلم باسم المسيحيين قبل المسلمين والمفكر العربيّ ميشيل عفلق الذي قال ان الإسلام هو روح العروبة. لكن للاسف الشديد في الآونة الاخيرة استشْرت الطائفية البغيضة في المجتمع الفلسطيني وكأنها السوس الذي ينخر في العظم واجّجتها المؤسسة الحاكمة في الدولة العبرية واستغلتها على مبدأ "فرِّق تسد".

العلاقة السليمة بين العروبة والاسلام والحلم العربي
لقد كتبت في مقالي السابق "العلاقة السليمة بين العروبة والاسلام والحلم العربي" الذي نشر في صحيفة "كل العرب" وفي جريدة "الحقيقة" وفي كثير من المواقع، ان ثقافة المسيحيّ العربيّ هي إسلامية وانه يجب العمل لكن على قاعدة التفاعل بين مفهومي العروبة والإسلام وليس على قاعدة التنافر بين المفهومين وكتبت ايضاً انني في حال انسجام كامل مع قوميتي العربية ومسيحيتي وثقافتي الاسلامية وفكري التقدمي.
لذا المذاهب في نظري ومفهومي من البدع الدخيلة على الاسلام والمسيحية على حدٍّ سواء. الكتاب واحد، والرسالة واحدة، والرسول ألأكرم واحد كما ان السيد المسيح واحد. مع ذلك تشظَّى المسلمون، مذاهب كما المسيحيين (ارثوذكس، كاثوليك، بروتستانت وغيرها)، بين سني وشيعي وعلوي ودرزي وتفرع السنَّه الى مذاهب بين حنفيّ وشافعيّ وحنبليّ ووهابيّ وما الى ذلك. والمذاهب تشعبَّت طرقاً. وما اكثر أصحاب الطرق. وفي العصر الحديث تنابتت الحركات الأصولية على ألوانها انطلاقاً من اجتهادات متفاوتة، ونشطت في كل مكان، وبرز تيار تكفيري وأخذ يصدر الأحكام المدمّرة يمنة ويسرة فكان ان خلَّفَ صورة سلبية مضلّلة عن الاسلام تتنافى مع ما يتّسم به في جوهره من تسامح وانفتاح. وما الديموقراطية إلا ترجمة عصريَّة للشورى في الاسلام.

علام التذابح والتناحر؟
أراني بكل بساطة غير معني بكل ذلك. لا أفهم لم لا يكون الجامع، كما يوحي اسمه، جامعاً، اي واحداً، يمارس الفرد فيه عبادة ربه بصرف النظر عن هويته المذهبيّة ايَّا تكن. لماذا لا يصلي السنّيّ والشيعيّ في مسجد واحد؟ لماذا لا يخاطبهم إمام واحد؟ ألا يلتقون جميعاً في الجامع المركزيّ سنوياً، حول الكعبة الكريمة في مكة المكرمة، فلماذا لا يلتقون ظهر يوم الجمعة من كل اسبوع في مسجد مشترك؟ وهذا الكلام موجه ايضاً الى المسيحيين العرب بالمثل على مختلف مذاهبهم.
نقول هذا ونتطلع الى ما يجري على ساحة العراق من نزاعات وصدامات مذهبية مفتعلة مروّعَة. نتساءل مع من يتساءل: علام التذابح والتناحر؟ علام كل هذه الجرائم التي ترتكب يومياً في حق الانسانية باسم الدين والله فيما الدين واحد والله واحد؟ علام كل هذا التمادي والانحطاط لا بل الجنون؟ لم يكن ذلك إلا في ظل الاحتلال والوقيعة نهجه.

الواقع الفلسطيني
انا مسيحيّ، ولكن هل ينسيني هذا الواقع انني فلسطينيّ عروبيّ اولاً واخراً؟ واذا سلمت بفلسطينيتي كما يجب بالطبع ان افعل، فهل يصرفني نسبي المسيحي ولا اقول الارثوذكسي عن واجباتي تجاه وطني، وبالتالي تجاه سائر ابناء الشعب الفلسطيني وفئاته. فمن موقعي فلسطينياً ألَسْتُ مسؤولاً عن اخي المواطن المسلم والدرزيّ تماماً كما انا مسؤول عن اخي المواطن المسيحيّ؟ أليس المسيحيّ والمسلم اخوين شريكين في الوطنية الفلسطينية والقومية العربية؟ فكيف يجوز التمييز او المفاضلة بين اخ واخ في العائلة الفلسطينية الواحدة؟ فأنا فلسطيني عربيّ واعتزّ بفلسطينيتي وعروبتي.

تمايز ديني
اما التمايز الدينيّ بين مسلم ومسيحيّ فشأنُ لا يفقد في الودّ قضيّة بين ابناء الشعب الواحد او الامّة الواحدة من قريب او بعيد، اللهمَّ إلا عند ذوي المآرب المبيتة وذوي العصبيات العمياء.
ولنعد الى الكلام الطائفي المحظور. إن المسلم ملزم دينياً احترام المسيحي في حرية معتقده: ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم: "قُلْ يأهْلَ الكتبِ تعالوْا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً (آل عمران / 64). وجاء في كتاب الله الكريم: "قولوا ءامنَّا بالله وما أنزِلَ إلينا وما أنزِلَ إلى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما أُوتيَ موسى وعيسى وما أُوتيَ النبيُّون من ربهم لا نفرق بين احدٍ منهم ونحن له مسلمون" (سورة البقرة / 136). كما جاء في كتابه الكريم: "ولتجدنَّ اقربهم مودَّة للذين ءامنوا الذين قالوا إنّا نَصَرى" (سورة المائدة).

"اريد ان اعتنق الإسلام"
ولا يسعني إلا ان اسرد لك أخي القارىء قصَّةَ مسلم من لبنان الذي تزوج من سيدة مسيحية واحبها حبَّاً جمَّاً. واحتفظت هي بعقيدتها الدينية طوال حياتهما الزوجيّة السعيدة التي دامت اكثر من ثلاثة عقود من الزمن، ولم يكن في الامر أدنى إشكال او مشكلة وما كان هذا خروجاً على الإسلام من قريب او بعيد (فلقد كانت احدى زوجات الرسول الأكرم قبطيّه).
وقبل اشهر من وفاتها، رحمها الله، وكانت على فراش المرض العضال في حال من المعاناة الشديدة، توجهت الى زوجها بكلمة مقتضبة تنمّ عن تصميم قاطع قائلة: "اريد ان اعتنق الإسلام". فسألها زوجها للتوّ: "لم تقررين ذلك الان؟ هل انت مقتنعة بما تقولين؟ وعندما اكّدت عزمها، كرّر زوجها السؤال "هل انت واثقة ممّا تطلبين؟ فأفحمته، لا بل سحقته، ببساطة الجواب: "صمّمت على ان أدفن في قبر واحد معك". وهو اليوم ما زال على موعد مع الغائبة.

التوحد لأجل كفرياسف

وانا العروبيّ المسيحيّ أخاطب اليوم اخي العروبيّ المسلم والعروبيّ الدرزيّ، من وحي تلك القصَّة فاقول: "بكل بساطة" اريد ان اعيش معك يا اخي في وطن واحد". لذا اعتنق العروبة، فهي سبيلنا الى العيش الكريم الرَّغيد الهانيء، الذي تزهر في فيئِهِ ملكات شعبنا المهدرة وتتفجر طاقات أمتنا الزاخرة. وانتم ايها الكفارسة الأشاوس تعالوا نتعلم من حكمة القدر التي تجلَّت في المصاب الاليم الذي حَلَّ بنا جميعاً ونتوحد لمصلحة كفرياسيف فقط وننبذ الطائفية والعائلية نبذاً مبيناً مع كل الاحترام للطوائف والعائلات وكي تبقى كفرياسيف زاهرة وللدنيا نوَّارة.

مقالات متعلقة