الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 10:01

ايها الشباب العرب اوقفوا مسلسل الاقتتال الداخلي- بقلم: الشيخ حمّاد أبو دعابس

كل العرب
نُشر: 03/07/10 12:23,  حُتلن: 14:14

- الشيخ حمّاد أبو دعابس في مقاله:

* القتل جريمة تحرّمها جميع الديانات السماويّة ،والقوانين الارضيّة

*  نحن نكرِّر ونقول ونذكِّر .إنّ فعلة متهورٍ واحدٍ تُشغل شعباً بأكمله ، تُحرجه وتُسيء اليه

* آن الاوان لكي يكون التعقُّل والحِلم والأناة والصبر والحكمة هي الحكم في خلافاتنا ، وهي الطريق لمحافظتنا على وحدة شعبنا

من اكبر مآسينا في الوسط العربي في البلاد هي قضايا القتل على خلفيات نزاعات عائليّة ، او جدل على امور تافهه . لا يكاد يخلو اسبوع واحد من خبر مقتل شاب عربي واحد او اكثر على خلفية تافه ، او مخزية ، وبايادي عربية ، غالبا ما تكون من نفس ابناء القرية او المدينة ولربما العشيرة او الحيّ والحارة .هذه الجرائم المتكرّرة باتت اداة تدمير وتفتيت لمجتمعنا العربيّ الذي يناضل من اجل بقائه متماسكاً ، محافظاً على ثوابته ، وعناصر بقائه على ارضه .
الجميع يقرّ ويعترف بأنّ القتل جريمة تحرّمها جميع الديانات السماويّة ،والقوانين الارضيّة . والجميع ايضاً في المنشط والسَّعة يدين حوادث القتل على خلفيّات النّزاع والاقتتال الداخليّ . ولكنّ الامتحان الحقيقي يكون عندما ينشب الخلاف والنّزاع ، ويشتبك الاطراف ، ويبدأ العنف الكلاميّ ويتطوّر بعد ذلك الى العنف الجسديّ ، وتستخدم ادوات الضرب والايذاء وربما القتل . هنا يكون الامتحان ! من يتحكّم حينها بعقله واعصابه؟ ومن الذي يتهوّر ويستخدم السّلاح الحارّ او البارد ، فيوجّه ضربةً او طلقة قاتلة الى صدر خصمه من ابناء جلدته فيرديه قتيلا ؟ وتبدأ المأساة التي لا يعلم إلا الله عز وجل كيف تنتهي .

هل تعلمون من البطل؟
هذا السؤال ، عند وقوع المشكلة ، وتفاقم الخلاف ، وارتفاع الاصوات ، واختلاط الحابل بالنّابل ، يكون سؤالا مصيريّاً ، والاجابة المباشرة على هذا السؤال نأخذها من صاحب الفم الشريف ، في الحديث النّبويّ المنسوب الى سيّد الخلق صلى الله علية وسلم :" ليس الشديد بالصُّرعة ، ولكنّ الشديد الذي يمتلك نفسه عند الغضب " . نعم ... ليست البطولة ولا القوّة ، بان تصرع الرجال ، او تضربهم وتؤذيهم . ولكنّ البطولة في استخدام العقل والحكمة ، والتروّي والتبيُّن ، قبل التصرُّف ، وردّة الفعل .والقوّة الحقيقيّة تكون عندما تُحلّ خلافاتك ومشكلاتك ، دون أن تقع في مصيبةٍ اكبر ، تندم عليها طوال عمرك ، وتدفع ثمنها بضياع دنياك واخرتك .
إنّ الرجل الحكيم ، وصاحب العقل والبصيرة ، يعيش عمره كلّه ، لا يحتاج الى إستخدام العنف اللفظيّ ولا الجسديّ مع أي شخص من ابناء جلدته . فإن سفه عليك احد النّاس او عابك وشتمك ، فخير الرّد عليه هو الإعراض عنه . والبطولة هنا تتجلّّى في ردّ الاساءة بالإحسان ، وتمثّل قول الله تعالى : " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين " .
دعونا نأخذ نموذجاً لنتعلَّم منه
كثيراً ما يتكرّر الحدث في وسطنا العربيّ . احد الشباب يرتكب مخالفة سير مقصودة او غير مقصودة ، فيُغلق الشارع ويعيق حركة الاخرين . يغضب لذلك احد السائقين الذي تعوّق عن سيره لدقائق معدودات ، فينزل من مركبته ، يسبُّ ويشتم قبل ان يتبيّن او يسأل عن سبب ما جرى . فالطرف الاوّل بالطبع لا يتحمّل السبّ والشّتم فيردّ الصاع صاعين ، ترتفع الاصوات ويشتبك الاطراف ، وقد يصل الامر الى إستخدام الادوات الحادّة او السلاح ، أو أنّ النّزاع ينتقل الى ساحة اخرى وتنتهي بحادث قتل ، وربما جرّ القتل انتقاماً من احد افراد عائلة القاتل .

ونسأل السؤال الوجيه ! ماذا استفاد القاتل وماذا خسر ؟
الرجل غضب لان الشارع أُغلق في وجهه. تصرّف بعصبيّة ، وربما شعر بإهانة ومسّ بكرامته ، لم يتمالك نفسه فوقع في جريمة نكراء هي قتل نفس زكيّة ظلماً وعدواناً .فأمّا السؤال عن الرِّبح ، فما ربح شيئا ، فلا هو وصل الى عنوانه او مقصده بسرعة ، ولا هو حقّق شيئاً .

ولكن ما عواقب جريمة القتل ؟
حين يقتل القاتل ظلماً وعدواناً ,فأنّه بذلك يعرِّض نفسه بذلك لغضب الله وسخطه وعقابه والخلود في النّار ابداً . هذا ما ينتظره في الاخرة . أمّا في الدُّنيا فقد أجرم في حقّ نفسه وبحق مئات الآلاف من العرب والمسلمين :
1- جريمة بحق الله تعالى حين تقتل نفس خلقها الله وكرّمها .
2- جريمة بحق المقتول الذي سفك دمه ظلماً وعدواناً .
3- جريمة بحق اسرة القتيل والديه ، زوجته وابنائه ان كان له أُسرة .
4- جريمة بحق اهله هو وذويه الذين سيتشرّدون ، ويرحلون عن بيوتهم ، فيخسرون اموالهم وديارهم وأمنهم وسمعتهم .
5- جريمة بحق بلدته ، التي ستنشغل ليل نهار في مساعي تطويق الازمة فلجان الصلح ، والوجهاء والقيادات السياسيّة والشعبيّة ستضطرّ لبذل الجهود الكبيرة والمتواصلة لايجاد صيغة مقبولة ولو بعد أشهر او سنين .
6- ثم هي جريمة بحق الشّعب والامّة ، فكثرة هذه الجرائم تعكّر الاجواء وتضرب معنويات الشّعب ، وتسيء الى سمعته وتفقده تعاطف الشّعوب الاخرى معه .
فالخسائر تشمل الأرواح وهي الاغلى والاعزّ على الاطلاق . وتشمل الاموال ، فقد يقتتل اثنان بسبب الف دولار فيقتل احدهم الاخر فيخسر هو واسرته الملايين. والخسارة تشمل الاوقات والأعمار ، فهذا تُزهق روحُه ، وذاك يُؤبّد في السّجن ،والأُسرة تُشرّد وتتشتّت لسنين طوال .والخسارة تشمل دمار بيوت ،وشتات عائلات وربما طلاق زوجات ويُتم اطفال . ولا يعلم الّا الله اين وكيف ومتى تنتهي هذه المآسي .

ايها الشباب ارحموا انفسكم وارحموا شعبكم !
ها قد خاطبناكم باللغة اليسيرة وباللهجة المفهومة بشكل مباشر بلا تعقيد ولا لفّ أو دوران .وها نحن نكرِّر ونقول ونذكِّر .إنّ فعلة متهورٍ واحدٍ تُشغل شعباً بأكمله ، تُحرجه وتُسيء اليه . وإن صمود قريةٍ أو عشيرةٍ طوال عشرات السنين أمام كل مخطّطات الترحيل والتّهجير ، قد يُدمّره شابٌّ واحدٌ حين يقتل اخر فيضطر اهله الى ترك ديارهم وأوطانهم فيتحقّق على يديّ القاتل ما لم يتحقّق على أيدي سلطات الاحتلال والقمع بمؤسساتها واذرعها المختلفة .
لقد سئِمنا من اعمالٍ فردية ٍيقوم بها شخص لا يستشير ولا يفكّر في العواقب ثمّ يدفع شعبٌ باكملِه الثمن نتيجة لفعلته . فمتى سنبلغ من الرُّقيّ والحضارةِ بحيث نتصرّف بعقولنا وبصائرنا ، بالحكمة والعقل بدل الطيش ، وردات الفعل .

واخيراً الوصيّة الخالدة : لا تغضب
إنّ الحديث العظيم الذي يحدِّث عن رجل جاء الى النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول له يا رسول الله أوصني ، فقال عليه الصّلاة والسّلام : " لا تغضب" فكرّر مرارا "لا تغضب" . إنّها وصيةٌ لرجلٍ وهي كذلك منهج حياة لشعبٍ وامةٍ . ايتها الأمّة الإسلاميّة لا يكوننّ تصرفكم ناتج عن غضب شخص من الاشخاص لنفسه او مصلحته او حميّته لقد سئمنا من الاخبار عن رجل يغضب لامر تافه ، فتتحرّك عصبيته ويتناحر العشرات فيقتتلون، فتُسفك الدماء وتهدر الاموال وتشرّد الأُسر . وتتدخّل الشّرطة والمحاكم والمستشفيات ورجال الاصلاح والآف المُعَزِّين . والصّحافة وإلاعلام في ذلك بسبب تصرُّف في ساعة غضب .
آن الاوان لكي يكون التعقُّل والحِلم والأناة والصبر والحكمة هي الحكم في خلافاتنا ، وهي الطريق لمحافظتنا على وحدة شعبنا . فلنتراحم ولنتعاون على البرّ والتّقوى ، ولنتقِ الله تعالى في انفسنا واهلينا وشعبنا وأُمّتنا ، فنُجنّبهم جميعاً نتائج الاعمال الطائشة والجرائم التي لا مُبرِّر لها .
والله غالب على أمرِه .

مقالات متعلقة