الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 08:02

كرامتنا من كرامة الغير- بقلم: جريس بولس

كل العرب
نُشر: 01/05/10 10:33,  حُتلن: 10:48

* الازمة اليوم هي ازمة كرامة الانسان، فحيثما بحثت لا تجد هذه الكرامة للإنسان

*  عامل كل إنسان الإنسان الآخر بالكرامة الإنسانية لبنى الناس مجتمعاً لا سيادة فيه ولا عبودية

"ما أروع ان يدافع الإنسان عن كرامته التي هي مظهر شخصيته، وكبرياء وجوده!

وأروع من ذلك ان نراعي كرامة الناس، لان من يتصدّى لتحقير الغير يفتح الطريق لتحقير نفسه".

لا ادري اين قرأت هذه الجملة، بل اين سمعتها؟ "إنَّ الازمة اليوم هي ازمة كرامة الانسان، فحيثما بحثت لا تجد هذه الكرامة للإنسان" ولكني أدري اين وكيف ذكرت هذه الجملة .... ذكرتها مساء يوم كنت فيه مقيماً في بيتي، ومن حولي ولديَّ يلعبان، ويثبانٍ وفجأة استمع الى وقع سياط مصحوبة بزمجرة إنسان، او قُلْ، حيوان جريح. ثم يصاحب هذه الزمجرة أنين متألم يعلو حيناً، ويخفت احياناً. أرهفت السمع، وانتبه أولادي معي الى الصوت، فقالوا لي:

- انهما هما
انهما العاملتان الصغيرتان عند جارنا ... يضربونهما كل يوم بالسّياط.

وزاد كبيرهما يقول:

- وامس، رأيت إحداهما تريني جلدها قد حزَّته السّياط، لانها وقفت على الباب تطل على الشارع.

تمهلت قليلاً، وتذكرت الجملة السابقة: "إنَّ الازمة ليست بازمة الانسان، ولكنها ازمة كرامة الانسان ..." وانا خلال ذلك أرتعش، ويَقِفّ جلدي، كأنما هو الذي يحس وقع السّياط عليه.

في اعتقادي ان القائم بهذا العمل، لا يستطيع ان يقوم به وهو إنسان. وأنه لن يكشف عن انيابه ومخالبه إلا بعد ان يستحيل وحشاً ضارياً.

فرُحتُ ألعنه، ورُحت أرثي له لانني لا ادري ما شعوره الإنساني لو ان ظروف القدر اخطأت، فلم تنشئه سيداً حاكماً، بل انشأته عبداً محكوماً. وماذا عند القدر من عجب لو اراد ان يصنع ذلك؟ ألا يستجير بالانسان من ظلم الانسان؟ الا يستنجد بالكرامة الانسانية لتنقذه من الوحشية الانسانية؟ أليس هنالك في الناس من جعلهم الحظ أسياداً بظروف سيئه؟ ومن جعلهم عبيداً بظروف سيئه؟ أما الانسان النبيل فيبقى في ضميره شعور نبيل بتقدير كرامة الإنسان مهما ارتفع. أمّا تمتع القوي بآلام الضعيف، وتسلّط القادر على العاجز فلن يثير إلا حقداً. والحقد لن يثير إلا نقمة الانسان على الانسان.

أزمة الانسان هي كرامة الانسان .... هذه الكرامة التي تمتهن في كل مكان، في البيت، مثلاً، حيث يتوهم الرجل انه السيد المطلق، وان زوجته أمة حقيرة. يذل كرامتها آناً بالضرب، وآناً بالشتم والسباب. حتى الاوساط المتعلمة التي تتباهى برقي وسطها لا يزال الرجل المتعلم مدفوعاً - باللا شعور – الى الاعتقاد بان زوجته دونه ... فالازمة هنا، ايضاً، ازمة كرامة المرأة المضطهدة في سالف العصور.

وفي المصانع، حيث يبدو أب المصنع حاكماً بامره، دون ان يفكر في ان هؤلاء العمال هم منه، وهو منهم ... هم شرايين معمله، واعصاب مصنعه ... وهنا الازمة أيضاً أزمة كرامة العامل.

وفي دوائر ألتوظيف، لا يدرك رئيس الدائرة ان معنى رئاسته هو تنسيق الاعمال بين موظفيه، ليحسنوا خدمة الناس وتأدية مصالحهم بالتي هي أحسن ... بل يدرك هو ان معنى الرئاسة هوى مسيطر وارتفاع على الكرسي المنصوب في صدر المكان. أما الآذن الذي يقبع على باب الغرفة فهو محروم من اية كرامة إنسانية، ورئيسه لا يقدر ان الظروف التي اقعدته هذا المقعد كان يسهل عليها ان تعكس الامر لو تبدلت الظروف، فالازمة، هنا ايضاً ازمة كرامة الإنسان.

وفي يقيني ان لو عامل كل إنسان الإنسان الآخر بالكرامة الإنسانية لبنى الناس مجتمعاً لا سيادة فيه ولا عبودية. يعتز صاحبه بالكرامة الإنسانية. وحفظ الكرامة الإنسانية يجعل كلاً من العامل، والآذن، والمستخدم حريصاً على عمله، فخوراً بتأديته، لانه لا يحط من كرامته الإنسانية.

عرفت مرة مدير مؤسسه كان لا يكلم موظفيه وآذنيه الا بلهجة سفيهة قاسية، ولا يشعرهم إلا بحقارتهم، فكانوا فيما بينهم، لا ينظرون اليه إلا بغيضاً حقيراً، ورأيت اخر يكلم آذناً بلطف ورقة، فلا يزيد هذا امامه إلا احتراماً ومحبة. فقلت:

- شتان ما الاثنان! هذا عزيز لانه أعزَّ الكرامة، وذلك ذليل لانه أذلّها.

الازمة أزمة الكرامة الإنسانية، ورحم الله عمر، اذ يقول:

متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً؟ 
 

مقالات متعلقة