الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 12:01

حول الملاحقة وصورها بقلم: المحامي علي حيدر

كل العرب
نُشر: 25/04/10 16:45,  حُتلن: 08:07

*  المؤسسة تحاول كمّ أفواه مثقفين وناشطين لمنعهم من إسماع صوتهم

* يمكن السكوت على هذا الخطاب السلطوي، الذي يعتمد سلطة القوة الفجة

* الملاحقة تأتي نتيجة لوجود مبنى علاقات قوة وهيمنة يحاول الطرف القاهر تكريس الوضع القائم الذي يمنحه امتيازات

في السنوات الأخيرة تفجّر مفهوم "الملاحقة" في سياق تعامل الحكومة الإسرائيلية مع المجتمع الفلسطيني في الداخل، حتى أصبح يأخذ أشكالاً، وصوراً، وأنساقاً، ووسائط متعددة ومتنوعة، تارة تكون الملاحقة بواسطة استدعاء لتحقيق، أو بواسطة محاكمة "وتجريم" لخصوم سياسيين، وتارة تأخذ شكلاً أكثر مراوغة، فتكون بواسطة منع أشخاص ناشطين وتقييد حرية حركتهم وتنقلهم داخل البلاد أو بمنعهم من السفر إلى خارج البلاد. وأحياناً أخرى تكون الملاحقة بواسطة منع وتعطيل وإعاقة تنظيم وإجراء فعاليات ونشاطات ثقافية أو سياسية.

وعلى صعيد آخر ومتصل، تفرض المؤسسة منفىً قسرياً على قياديين، أو تحاول كمّ أفواه مثقفين وناشطين لمنعهم من إسماع صوتهم، فضحهم خروقات، ونشر الحقيقة، وقد كانت الخطوة الأخيرة لهذا النهج والتوجه المدروس (الذي سيستمر كما يبدو) ضد السيد أمير مخول، الناشط الأهلي، رئيس جمعية اتجاه، وهي هيئة تمثيلية للعديد من مؤسسات المجتمع المدني في الداخل ورئيس لجنة الدفاع عن الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة لشؤون الجماهير العربية الذي تلقى كتاباً من وزير الداخلية إيلي يشاي، يبلغه فيه منعه من السفر إلى خارج البلاد "لأسباب أمنية".

الملاحقة عبارة عن عملية ووسيلة تتبّع
الملاحقة عبارة عن عملية ووسيلة تتبّع، تستهدف تقييد الملاحَق (فرداً أو جماعة) والتأثير على سلوكه االسوسيولوجي ووضعه النفسي، من أجل منعه أو ثنيه عن عمل يؤمن به أو إكراهه على شيء يتنافى مع قيمه ومعتقداته وسماته. أن الملاحقة تأتي نتيجة لوجود مبنى علاقات قوة وهيمنة يحاول الطرف القاهر تكريس الوضع القائم الذي يمنحه امتيازات، ومنع المقهور من التحدي ومقاومة مبنى القوة القائم وتفكيكه ومحاولة بناء علاقة قوة جديدة تستند إلى قيم العدل والحرية والمساواة.

إن الملاحقة لا تستهدف المؤسسات والأحزاب والقيادات فحسب، بل تعدت ذلك إلى ملاحقة الأفراد وخصوصاً الشباب. كما أنها لا تمارَس فقط من قبل المؤسسة الرسمية، بل هنالك مؤسسات إعلامية وأكاديمية ومدنية، تتقاسم الأدوار مع المؤسسة الرسمية، فمثلاً حركة " إم ترتسو"، حديثة العهد، قامت بالتحريض مؤخراً ضد جمعية "عدالة" الحقوقية، كما أننا نشهد ملاحقة وتحريضًا منذ فترة طويلة من قبل "إن . جي . أو مونيتور" ضد مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني أمثال: (الجليل، المؤسسة العربية لحقوق الإنسان، مدى الكرمل، مساواة، إعلام، وهيئات أخرى).
وقد تفاقم هذا الهجوم منذ نشر وثائق التصوّر المستقبلي، ومنذ أصبحت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني تأخذ دوراً أكثر فعالية، في قضايا الشعب الفلسطيني بشكل عام، والتي جوبهت بعنصرية كبيرة من قبل المجتمع والحكومة في إسرائيل.

الحكومة أصبحت قلقة من استعمال المرافعة الدولية كإستراتيجية عمل
على ما يبدو أيضاً، فإن الحكومة أصبحت قلقة من استعمال المرافعة الدولية كإستراتيجية عمل مقابل المؤسسات والهيئات والرأي العام العالمي، مما يدفعها إلى منع المثقفين والناشطين من التواصل مع العالم. إن ثقافة وسياسة الملاحقة المندفعة نحو أشكلة وتعقيد الوضع أكثر وتصعيده نحو مواجهة حتمية، هي خطيرة ومقلقة، ولذلك، يجب وضع استراتيجية لضبطها، والتصدي لها.

محاولة لإخافة المجتمع
هنالك جانب آخر، يترتب علينا عدم إهماله، وهو أنه وبعد أن حاولت المؤسسة تحريض المجتمع على القيادة السياسية، ومسخ صورتها في الإعلام، والاستئناف على شرعيتها، تريد الآن أن تنهج نفس النهج تجاه قيادات المجتمع المدني، التي أثبتت مهنيتها ونشاطها.
إن استخدام تبريرات أمنية مغرضة ولا سبيل لإثباتها لإصدار أمر بمنع السفر، يدلّ على محاولة لإخافة المجتمع، ومنعه من التواصل والتفاعل مع مؤسسات المجتمع الأهلي، ويهدف إلى تقييد وتضييق إمكانيات الحراك والنشاط في القضايا والمسائل التي تقدمها هذه المؤسسات. كما أن إصدار أمر بمنع السفر ضد ناشط أهلي مُنافٍ ومناقض ومتعارض مع كل أسس الديمقراطية السليمة وحقوق الإنسان. لا يمكن السكوت على هذا الخطاب السلطوي، الذي يعتمد سلطة القوة الفجة، ويتوجب على وزير الداخلية العمل بشكل فوري على إلغاء أمر المنع، والسماح للسيد مخّول ممارسة عمله ونشاطه.

مقالات متعلقة