الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 08:01

رسالة إلى أمّي لانك لست مجرد كلمة لذا سأعصر قلبي وروحي من اجلك ...ابنك : محمد سعدي

كل العرب
نُشر: 20/03/10 07:46,  حُتلن: 12:15

لأنّ الأم ليسَت مُجرَّدَ كَلِمَة سأعتَصِرُ قلبي وروحي معًا لينبِضَ فِكري بشيء جَميل. أمي, أنتِ لغتي التي أكتُبها، أنتِ حروفي النورانية التي أسقيها مجدَ رؤايَ، أنتِ روحُ الوجود الذي ليسَ تَحمِلهُ السماء, أنتِ الرؤى والحِبرُ ينزِفُ في المدى سِربًا مِن الأقدار. يا شمس السماء –أمي.

أمّي وبعد؛
تَرتَسِمُ في فوضى سُكوتي همسةً تُخفي حُزني تمامًا، تُمدّدني في أفكارها وتَغمرني ببراءَةِ عُمرٍ مِن العشقِ الجميل، تَرسُمني في خيالِها أملًا لقادمٍ يشقّ الصخرَ كي يَنبتَ حُلمًا سخيًّا وجميلًا. إليكِ الحُبُّ أكتُبُهُ بأحضاني، أعانِقهُ بِوجداني، بروحي، لونَ ذاكرتي ونسياني، إليكِ الحُبّ يا أمي، إليكِ الصوتُ أرسمهُ ويرسمُني، بحضنِكِ تَكبر الكلماتُ، أغمرها وتغمرني، بصدركِ تبدأ الهمساتُ أطربها وتطربني، أشدّ رحالَ آهاتي إلى ميناءِ عينيكِ فتسبقني ذراعاكِ لأحضاني/ والِدتي. أمي. نبضَ وُجودي وَقمَرَ مُناجاتي المضيء، صوتُ روحي في فضاءِ العُمر البريء، عُنفوان كرامتي التي تأبى الانصياع لصوتِ الفراغ المقيت. أمي بدايةُ عَهدٍ مِن الرحمة، مِن الحنان، بداية عمرٍ مِن العشق السماويِّ الجميل. تسللتُ إلى ذاكِرتي، فتّشتُ عَن تِلكَ اللحظاتِ التي لا يُمكنها أن تذوبَ في بحرِ النسيان، تَركتُ الوقتَ للوقتِ، تغمرني أنامِلهُ، تشدُّ وثاقَ أحلامي وتربطهُ، تركتُ الرِحلة الكُبرى هُناكَ، أما ضفافِ قلبكِ النقيّ، وصوتكِ الطاهِر. أمّي، أيا عِشقًا يعيدني طِفلًا يَلهو بما تبقى مِن أقاليمِ الذاكِرة، يعصرُ أوردةَ العُمرِ ليحظى بشيء مِن براءتِهِ، كَم غفوتُ وأنا أنتظِرُ الصُبحَ فوقَ ذراعَيكِ وكَم مِن ساعَةٍ عَبَرت، هُناكَ ... بانتظارِ سحابَةِ عُمرٍ تعود إليّ.
صباحُكِ مُشرِقٌ بالياسَمين، بخدّينِ مِن قمرٍ حزين، يا أجمَل الكلماتِ يا أمي، يا أقدَسَ لفظةٍ ينطقها فمي، يا صورتي التي تبوحُ بأسراري كلّها، يا لغتي التي أكتُبُ فيها أجمَل الكلمات، أمنيتي الناعمة، يا أحلامي المُقدَّسة.
الصورةُ الأجمَل هي تِلكَ التي التقطتها لنا أختي وأنا أهبِطُ مِن قمّة صدرِك، أتلاشى في شرايينِ قَلبِك نُزولًا إلى حِضنِكِ الدافئ والمُشبع بالخير؛ لا يُمكنُ لخيالٍ بشريٍّ أن يَصفَ مَشهَدَ عناقٍ حقيقيّ، تَخضرُّ فيها اللحظات ويختَلط المطر بالسحابةِ إيابًا، لا أشهى مِن غَمرةِ أمٍّ لطِفلها وهُوَ يَكبُرُ بينَ ذراعيها. بدأتُ أكبُرُ مُباغتةً، ليتَ أني بقيتُ طِفلًا ألهو في خُلجانِ عينيكِ, كَبرتُ صُدفةً حتى ضاقَتِ الصفحاتُ بِحبرِ ذاكِرتي، تسللتُ مِن وراءِ الغيمِ حتى فقدتُ ذاتي. هِيَ رَقصةٌ واحِدة وموسيقى متعددة، أصوات تُضجِرك، تَقلِبُ كيانَكَ وأنتَ تَنتَقِل مِن حَضن ألأمّ إلى حِضنِ الدُنيا، كأنّكَ تَشكو حنينَها لقلبها الذي باتَ يَخفِقُ بسرعة، الحُب الذي كَدّستهُ عمرًا كامِلا, ها قَد بدأ الآنَ بالتمرّد. لحظاتٌ مِن الصدقِ بيني وبينَ ذاتي، أفتحُ كُرّاسةَ شغفي وأنحني لأجمَلِ الذكريات، هِي رجفة صُغرى تأخُذني على غير عادتها إلى مكانٍ جميل، حيثُ للحظاتِ نكهةُ الخُبزِ المُحمَّص وللروحِ طَعم عُنفوانٍ حقيقيّ، آهِ يا أمي كَم أشتاق إليها، اغمُريني الآن كي أولدَ مِن جديد. صورةٌ أنا في ممرّ الذِكرى، أستلقي فوقَ فِراشِ العُمرِ مُمِددًا جَسدي وأنا أتلو عَليهِ سِفرَ الدنيا؛ حريّ بهذا الزَمن أن يعودَ بِضعَ خطواتٍ إلى ما مَضى، شيء مِن الصمتِ يكفي كي تَلِجَ ظمأكَ أخيرًا أو تَرويَ روحَكَ التي أخذت بالتسكّع في أزقّة العُمر المَنكوبة، آهِ يا أمي كَم قاسية تِلكَ الدُنيا! حمَلتني فوقَ أكتافِها ومضت حتَّى أدركتُها فأوقَعتني وما زِلتُ أجمع أشلائي وما زالَ الحُطامُ كثيفًا, وأنا بينَ هذا الضبابِ وذاكَ بقيتُ أرمُقُ ذاتي بابتسامةٍ تُشبهُكِ. قضيتُ وَتَرًا صاخبًا مِن المشيِ على أوتارِ هذه الدُنيا، كانَت مَعزوفةً قاتِمةً وكُنت العازِف الأسوأ على الإطلاق، لستُ وافرَ الحظِّ كما كُنت في طُفولتي/ تسلّقتُ أكثر الجُدرانِ عُلوًّا وسقطتُ بدونِ أن أصابَ بشيء، غفوتُ تحتَ مِياهِ الدُنيا شهورًا ولم أختَنِق، اشتعَلتُ بنارِ الحزنِ وحرارةِ الفراقِ لكني لَم أصب بمكروهٍ، كَم كُنتُ محظوظًا آنذاك؛ أنتِ ملاكُ روحي الذي لا يغيبُ أبدًا, كَبُرت بيَ الدنيا حتى أهمَلتني ولمّا تَحمِلني لحظة كما حَمَلتني تِسعًا, تَركتني صريعَ اللحنِ، تائهًا بينَ نوتةٍ مجنونة وأخرى مُختَلِفة, آهِ ما أسوأ عَزفي، اتركيني أيتها الدنيا أعودُ الغيبَ سِربًا مِن أملٍ جديد.
على مَسرَحِ الدُنيا التقينا, في تضاريسِ الحياةِ
أمّي تُسرِّحُ شعرَ أحلامي وتَمنحني الوجودَ بما مَلك
أغفو على أحضانِها سَبعًا وأنهض باكِرًا
أمشي مَع الكلماتِ هَمسًا فتُدركُني يداها
لا تَخف، إني أتيتُ إلى الوجودِ لأحمِلَك...
لا رأفةً، لا رحمةً, لا غَيرةً مِن عيونِ الخَلق
صورةُ الدنيا بعينيكَ انتصارٌ للحقيقة .. ما أجمَلَك
وتَهزّني بيدينِ مِن عشقٍ رحيم الوجهِ
ثُمَّ تمنحني الوجودَ بما مَلَك
أعراض الأم بوادِر حياةٍ لا تنتهي أبدًا، فهي الرسالة والرسولة، هِي الحرف والكَلمة وهي القصّة والفِكرة، هي الحبكة والمغزى الذي يعيدك إلى المُقدمة، لا يُمكنُك تَرجمة الأمومة تَرجمة حِسيّة حتى ترجع طِفلًا مِن جديد، تُدرك حينها معنى التشبّث بذاك القلب الذي يخفقُ مِن أجلِ حياتِكَ ويكبر كي يحميكَ مِن عبثِ الأيامِ القادِمة, لن تكفي الكلمات كي تَشرحَ ذاك اللغز الذي عَجزت الأقلامُ عَن وصفِه، إنها الأمّ مَصدر العناية الإلهية التي تُغطّيكَ بأدقّ صفاتِها وأجمَلها على الإطلاق، تتدفّق بالعطاء وتُعرّي ذاتها لتكسوكَ فتنهض مِن عُريكَ إنسانًا آخر.

وكتبتُ الصوتَ مِن غفوتِها
مِن شعاعٍ في ملامِحها
يُعيدُ صياغةَ الأحلامِ، يمنحُني براءتها
ويمدّني بالحُبّ حينَ أزور طَلعتها
تُرافقني إلى ظِلّي، إلى ذُلّي
إلى أرقي، إلى خَجلي
إلى ضَحكي إلى فرحي
إلى هَمسي إلى غَزلي
إلى تيهـي ، إلى أملي
تُرافقنـي إلى الدنيا وتحمِلني ببسمتها

كَبُرتُ الآنَ لكنّي أحسّ بأنني أصغَر
كأني لم أعُد أكبُر
أحاسيسي بِداياتٌ
نهاياتي حِكاياتٌ
وأوراقي بها تُزهِر
هي الكلماتُ تَعزِف صوتها جَهرًا
ولا تَضجر
أيا أمّي
أنا طِفلٌ غفوتُ الآنَ في حضنٍ
لا أدفأ ولا أعطَر
تُعلّمني أحاسيسي
بأن أمضي
وراء الغيبِ
في الصحراء كي أبحِر

أنا طِفلك الذي ليسَ يقوى على فراقِك لحظةً، الروحُ تأبى عِناقَ جَسدي وتسألُ دائمًا عَنكِ أينما كُنتِ، أتسكّع كالظلِّ في زوايا بيتي القاتِم، أستلّ أقلامي مِن أغمِدتها، أبحثُ عَن أسرابِ حُروفٍ ثُم ألقي بدمي فوق الصفحات، أمي! أنتِ أملي الذي ليسَ يغيبُ أبدًا، حريٌّ بي أن أعيشَ أبدًا وأنا في أحضانِك، طِفلٌ يبدأ مِن جديد، أطالَ الله في عُمرَكِ وأبقاك فوقَ رؤوسِ أبنائكِ وأحفادِك نجمةً تَسطَعُ إلى آخِر الدّهر. أحبّك.
 

مقالات متعلقة