الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 14:02

هؤلاء هم بناةُ وطني! بقلم جريس بولس

كل العرب
نُشر: 12/03/10 19:23,  حُتلن: 14:49

* هنالك سد متين أقامته المدينة لتحبس فيه الماء الذي يسقيها، ويروي حقولها، ويجعل حياتها تمتلىء خصباً وإخضراراً

* هم الذين يعملون ونحن نجني ثمار عملهم، هم يبنون ونحن نسكُنْ، هم ينسجون ونحن نلبس، هم يزرعون ونحن نأكُل هم العين الساهرة للعين النائمة

* فلنحترم بناة المجتمع الحقيقيين، ولنشعرهم بالعزة والكرامة الانسانية، لان احترامهم احترام للشعور الوطني والانساني معاً، واحتقارهم احتقار لانفسنا، وكفر بالكرامة التي لا يحيا بدونها وطن

"هم الذين يعملون ونحن نجني ثمار عملهم، هم يبنون ونحن نسكُنْ، هم ينسجون ونحن نلبس، هم يزرعون ونحن نأكُل هم العين الساهرة للعين النائمة".
كان الناسُ يدفع بعضهم بعضاً في بناية المجلس المحلي، كالامواج المتزاحِمة في اليمِّ الغاضب، كلهم يسعى نحو وجهة، ليكمل معاملته. وكانت لي معاملة -على قلة معاملاتي- اريد إنجازها قبل موعد الانصراف.
فدخلت على الموظف الذي اريده، فشاهدت عنده رجلاً بسيطاً مهلهل الثياب، يتوسل اليه بصوت ضعيف، فيه لهفة السائل، ورجاء الامل. ليتقبل منه ورقته، ويحاول أن يسترقَّ قلبه بأنه رجل غريب لا بُدَّ من ان يعود الى قريته اليوم... والموظف لا يزداد إلا امعانا في تأجيله ورده؟... متعللاً بأن الوقت قد مضى ... رأيت ذلك، وحاولت أن أعود لتوّي لانني في غنى عن استخدام لغة الرجاء .... ولكن الموظف رآني، وهب يدعوني، ويطلب معاملتي لينجزها.
فشكرت له هذه العاطفة وقلت له:
انني اقدمها على شرط ان يكون دوري بعد معاملة هذا الرجل البسيط لانه قبلي!
ويبدو ان هذا الموظف خجل من نفسه، فتناول معاملة الرجل وسجلها، ثُمَّ أخذ معاملتي ....!
هذا حادثٌ قد حاولت ان اقنع نفسي بانه لا يقع إلا في النادر، ولكنه، في الواقع، كثير التكرر، وضحاياه من سواد الناس .... ولا ادري باية عاطفة يقبل بعضهم على إهمال هذا النوع من الناس، إحتقاراً ام إستكباراً؟
ام يعدون هؤلاء الناس الذين يخدمون الارض خُدَّاماً؟ والذين يبري العمل ايديهم اشباه اناس في الحياة، لا حق لهم في كرامة، ولا في احترام!
لم أشأ ان اترك صاحبي الموظف دون ان اسليه بقصة غريبة وردت على ذاكرتي، وشكرت للمصادفات ورودها. "هنالك سد متين أقامته المدينة لتحبس فيه الماء الذي يسقيها، ويروي حقولها، ويجعل حياتها تمتلىء خصباً وإخضراراً .... في اعماق السد حجرٌ صغير حقيرٌ راح يشكو سوء حظه في الحياة .... ويلعن الحياة لانها وضعته هذا الموضع المظلم، ولم تعطه نصيب غيره من الحجارة .
أتمنى لو يكون حجرة نحتت في واجهه بناء فخم، او حجراً مرمرياً ينحت منه المثال تمثالاً لبطل عظيم، او فتاة حسناء .... او صخرة في قمة عالية من السهول والاودية او ماسة تتلهب في جيد غانية حالية. تمنى .... وتمنى وما عسى ينفع التمني!
وحينئذ تمنى الموت .... لان الموت عنده خيرٌ من حياة خاملة .... ثم خرج من صف الجدار الذي هو فيه ... فاذا الماء يتدفق غاضباً مزمجراً .... واذا السد كله يتمزق ، وما هي الا ساعة حتى كان الماء يغمر المدينة والسكان بالطوفان!!!
في تلك اللحظة عرف الحجر الحقير انه كان في الحياة شيئاً عظيماً .... ضحك صاحبي لهذه النكتة، وتداركها بالاعتذار! مثل هذا الحجر صاحبي البسيط الذي يظن انه في الحياة كمية مهملة، فتراه إذا مشى مشى مستحيياً، واذا تكلم صامتاً، واذا راجع راجع مستجدياً، وزاده هذا الخوف ضعفاً وسوء ظن في نفسه .... وما درى انه هو الشخص الاول الذي تحقق له الحياة والكرامة .... لانه هو وفئة من الفلاحين والعمال ذوي الثياب الرثة، والايدي المخدشة هم الذين بنوا وطني ونسجوا حياتي.
فلنحترم بناة المجتمع الحقيقيين، ولنشعرهم بالعزة والكرامة الانسانية، لان احترامهم احترام للشعور الوطني والانساني معاً، واحتقارهم احتقار لانفسنا، وكفر بالكرامة التي لا يحيا بدونها وطن!
 

مقالات متعلقة