الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 13:02

حول تمثيل النساء العربيات - المحامي علي حيدر

كل العرب-الناصرة
نُشر: 02/03/10 12:35,  حُتلن: 14:46

* الحكم المحليّ العربيّ على شفا انهيار، مأزوم بجوانب مختلفة، إداريّة، سياسيّة، حمائليّة وطائفيّة

* هنالك أكثر من 960 عضوًا من الرجال في السلطات المحلية، ولا يوجد أيّة رئيسة عربيّة لسلطة محليّة

في العقد الأخير يدور نقاشٌ واسعٌ في البلاد حول موضوع تمثيل المجموعات والأقليات القومية والإثنية، النسائية والثقافية في الحيّز العام. وبالرغم من تشريع وسنّ بعض القوانين، واتخاذ القرارات الحكومية في هذا المجال، إلا أنه ما زالت هنالك هوّة كبيرة وواسعة بين التصريحات والسياسات العامة وبين التطبيق الفعلي. وقد أشرنا في أكثر من مرة إلى المعطيات المختلفة حول هذا الموضوع، وإلى المعيقات التي تعترض وتمنع إحداث تغييرٍ جوهريٍّ، وفي صلبها انعدام الرغبة الحقيقية لدى متّخذي القرارات والمسؤولين في الحكومة في إحداث التغيير المرجو والمطلوب.
حتى لو اعتقدنا، افتراضًا، بأنه سوف يتم تنفيذ القوانين والقرارات في كل ما يتعلق بعمل العرب في القطاع العامّ، فإنه لا يوجد أيّ ضمان بأنّ هذا الأمر سوف يحلّ إشكالية إيجاد أماكن عمل للأكاديميين العرب أو ضمان مشاركة المجموعات المستضعفة والمضطهدة والمقصاة مثل الفلسطينيين في الداخل والنساء في عملية اتخاذ القرارات وتبوّؤ المناصب والمواقع الرفيعة والمرموقة (وبالنسبة للمجتمع العربي، هذا حقّ أساسيّ ليس فقط من منطلق مواطنتنا وإنّما من منطلق كونِنا أقليةً قوميةً أصلانية)، وذلك نتيجة لتقليص القطاع العامّ، وانتهاج الحكومة لسياسة الخصخصة والتعاقد مع عناصرَ خارجية.
استطرادًا وتوكيدًا، أشير إلى ازدياد الحاجة في السنوات الأخيرة لإيجاد واكتشاف مساحات إضافية وجديدة، تستطيع الحكومة والدولة التدخل فيها، من أجل توسيع التمثيل المناسب والتفضيل المصحّح وفرضه عليها، مثل التعاقدات والعطاءات والمناقصات الحكومية مع المزوّدين والتمثيل في الشركات الحكومية والحكم المحلي، والهيئات العامة الأخرى، ومؤسسات التعليم العالي وحتى القطاع الخاصّ.
في الآونة الأخيرة قدمت النائبة حنين زعبي، وبدعم من أعضاء البرلمان من مختلف الكتل البرلمانية، مشروع قانون السلطات المحلية (انتخابات) (تعديل- تمثيل مناسب للنساء في انتخابات السلطة المحلية). يهدف هذا الاقتراح إلى ضمان حق التمثيل المناسب في كل قائمة انتخابية تخوض الانتخابات للسلطة المحلية عن طريق إلزامها بأنْ تشمل على الأقل امرأة واحدة من بين كل ثلاثة مرشّحين.
ما من شكّ بأنّ هذا الاقتراح ضروريٌّ وهامٌّ جدًّا، نظراً للتمثيل القليل للنساء في الحكم المحليّ في البلاد بشكل عامّ والحكم المحليّ العربيّ بشكل خاصّ. بحسب المعطيات التي أُعدّت من قبل مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست والمحدّثة لغاية نهاية عام 2009، فإنّ نسبة النساء في السلطات المحليّة هو 11% فقط. هذه النسبة أقلّ بكثير من تمثيل النساء في السّلطات المحليّة في دول مثل فرنسا، إسبانيا، بلجيكا، سلوفانيا، اليونان والبرتغال. وبحسب البحث نفسِه فإنّ 38% من السلطات المحليّة في البلاد لا يوجد فيها أيّ تمثيل للنساء.
ومن معطيات مركز الحكم المحليّ يمكن الاستفادة بأنه حتى شهر آذار 2009 من 250 سلطة محليّة في البلاد، أشغلت 5 نساء فقط مناصب رؤساء سلطات محلية، ثلاث منهن رئيسات بلديات واثنتان رئيسات لمجالس إقليمية.
إنّ صورة الوضع في السّلطات المحليّة العربيّة أقسى وأصعب، فمن المعطيات المتوفرة لدى "جمعيّة نساء ضد العنف"، يتّضح بأنّه قد تم انتخاب 6 نساء عربيّات فقط من أصل 249 امرأة أدرجت أسماؤهن في القوائم الانتخابية، وفي المقابل فإنّ هنالك أكثر من 960 عضوًا من الرجال في السلطات المحلية، ولا يوجد أيّة رئيسة عربيّة لسلطة محليّة.
باعتقادي، إن التمثيل في الحيّز العامّ هو مورد عامّ، وكونه كذلك يحتّم أن يوزع بشكل متساوٍ. وعلى المؤسّسة الرسميّة خلق الشروط لتحقيق هذه النتيجة. وباعتقادي أيضًا أنه لا يمكن تحقيق مساواة جوهريّة وحقيقيّة، إلا إذا (في حالات معينة) نفّذت المؤسسة سياسات التفضيل المصحّح وتشجيع التنوّع والتعدّد الذي يعكس تركيبة المجتمع على كافّة مشاربه وانتماءاته. إن سياسة التفضيل المصحّح تهدف إلى المساعدة في تحقيق المساواة الحقيقية، من منطلق تأكيدها على النتائج العملية لعملية توزيع الموارد الاجتماعية والاقتصادية، ولا تقتصر على منح "شروط انطلاق متساوية لكلّ إنسان للمنافسة على هذه الموارد". إنّ واقع الفلسطينيين في إسرائيل أكثر تعقيدًا، لأنّ الحكومات لا توفّر شروط انطلاق متساوية، بل على العكس تمامًا، فهي تتّبع سياسة تمييز عنصري ممنهَج ضدّ المجتمع الفلسطينيّ عامة، وضدّ النساء العربيّات خصوصًا كما يتضح جليًّا من نسبة النساء اللواتي يشاركن في سوق العمل (18.5% مقابل 56% في المجتمع اليهودي)، ونسبة الفقر، والنساء المعطّلات عن العمل، وخصوصًا أنّه يوجد أكثر من 10,000 أكاديميّة عربيّة ممَّن أنهين دراستهن الأكاديمية في الجامعات وكليّات دار المعلمين واللاتي لا تتوفر لهن فرص عمل مناسبة، هذه الحقيقة يجب أن تبقى واضحة ومعروفة وخصوصًا لوزير المالية الّذي ادّعى مؤخرًا "أَن النساء العربيات لا يعملن نتيجة لعوامل ثقافية". وإذا لم يكن هذا كافيًا، فإنّ حالة النساء الفلسطينيات في النقب عمومًا والقرى غير المعترف بها من قبل الحكومة خصوصًا هي أصعب وأشمل.
يمكن الإشارة إلى عدّة عوامل تحتّم انتهاج سياسة التفضيل المصحّح، وتخصيص حصص لتمثيل النساء في الحكم المحليّ مثل اعتبارات العدل التصحيحي والتوزيعي، فشل السياسات الحيادية من تحقيق المساواة في الفرص، الحاجة بضمان نتائج، خلق جوّ وبيئة ديمقراطية في السّياسة، وتشجيع المجتمع على أخذ دور فعّال والمساهمة في إدارة أموره، خلق جوّ اجتماعي متعدّد يُغْنِي طرق التفكير، يزيد من التجديد والإبداع والتطوّر الثقافي، كما تُشق الطريق أمام نساء ناجحات للعمل على المستوى السياسيّ القطريّ، وخلق نماذج للمحاكاة، وهذا بدوره يزيد من الدافعية والحركية لدى النساء. زد على ذلك أنّ هناك العديد من القوانين الشبيهة والمماثلة لهذا القانون، والتي سنّت في دول أخرى وأثبتت نجاعتها وفعالياتها.
ممكن الرد على هؤلاء الذين يعارضون هذه السياسة مدّعين "أنها تكرس الدونيّة" بأنّ القانون يجب أن تصحبه برامج تأهيل وتمكين تضمن تطبيقه بالشكل الصحيح.
من أجل الإيجاز والتبسيط، وكما أشرنا في مرّات سابقة، فإنّ الحكم المحليّ العربيّ على شفا انهيار، مأزوم بجوانب مختلفة، إداريّة، سياسيّة، حمائليّة وطائفيّة. هناك حاجة فوريّة لوضع استراتيجيّة واضحة للنهوض به، وتحديد مهامّه لخدمة النّاس وإيجاد حلول لقضاياهم العينيّة، ويجب أن تشكّل النساء العربيّات عنصرًا ومقومًا أساسيًّا في هذه النهضة المرجوّة، وفي عملية النضال الوطني.
يجب اعتبار الثامن من آذار، يوم المرأة العالميّ، فرصة ومحفزًا للتفكير والعمل على تحقيق حقوق النساء الفلسطينيات، وزيادة الوعي لقضاياهن، وتأكيد مشاركتهن في عملية اتخاذ القرارات سواء على المستوى القطريّ أو على المستوى المحليّ، أو على مستوى الهيئات التمثيلية للمجتمع العربيّ وسواء كنّ عاملاتٍ في القطاع العامّ أو في القطاع الخاصّ. إن التغيير لا يمكن أن يكون تلقائيًّا، أو عفويًّا، بل جميعنا مدعوون لأخذ دورنا، وكلّ من موقعه للمساهمة، والمبادرة والاجتهاد لإحداثه.

مقالات متعلقة