الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 06:02

خصخصة المعابر: عنصرية بوجه مدني - بقلم الشيخ إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 26/01/10 19:50,  حُتلن: 15:48

- الشيخ ابراهيم صرصور:

* كان الوضع سيئا حين كان الجيش هو المسؤول عن المعابر

* ما من شك عندي في ان محاولة إسرائيل الجديدة إخفاء وجه احتلالها الشائه بقناع شركات الحراسة المدنية الخاصة

* تشرف على تنفيذ خطة الخصخصة هيئة خاصة ومتخصصة في وزارة الدفاع والمسماه إدارة المعابر على يد وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز

منذ أشهر يتعرض مواطنو الدولة العرب إلى عنصرية من نوع آخر أكثر تشددا وشراسة من أية فترة سابقة ... هذه المرة على المعابر / الحواجز الرئيسية الفاصلة بين الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل ، والتي تم خصخصتها بناء على قرار الحكومة الإسرائيلية منذ سنة 2003.
ما حقيقة هذا التغيير وما تأثيره على جماهيرنا العربية ، وإلى أي مدى سيؤثر على مستقبل العلاقة بين الفلسطينين على طرفي الخط الأخضر ، وهل يمكننا اعتبار هذا التغيير الصوري عملية خداع جديدة ستزيد من الضغط الكابوسي الممارس ضد الأقلية العربية ؟؟!!! وهل تهدف عملية الخصخصة هذه وتشديد عمليات التفتيش والتنكيل التي تمارسها شركات الحراسة ضد العربي مواطن دولة إسرائيل ، إلى تحجيم العلاقة الإنسانية والتواصل الطبيعي بيننا وبين شعبنا إلى الحد الأدنى وكجزء من عملية حصار الشعب الفلسطيني في كل أمكان تواجده ؟؟!!
معطيات ضرورية لفهم القضية
اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا بخصخصة المعابر بين فلسطين المحتلة وإسرائيل في عام 2003 ، إلا أن تنفيذ الخطة ميدانيا بدأت فقط في العام 2006 . الخطة تعني نقل صلاحيات التفتيش والفحص بكل أشكاله وانواعه إلى شركات حراسة خاصة تتمتع بصلاحيات الجيش كاملة حسب قانون ( صلاحيات من أجل الحفاظ على الأمن العام 2005 - חוק "סמכויות לשם שמירה על בטחון הציבור תשס"ה-2005" ) ، والذي ينص على تنظيم عمليات الفحص الأمني , التفتيش الجسدي و في الأغرض الخاصة ، وكذلك توقيف وحجز من ترى فيهم هذه الشركات " تهديدا للأمن العام " . هذه الصلاحيات ممنوحة حسب القانون المذكور وبلا حاجة إلى أمر قضائي صادر عن محكمة . ينص هذا القانون صراحة على ان الصلاحيات في هذا الشان والممنوحة إلى الجيش والشرطة ورجال الأمن من غير موظفي القطاع العام ، هي واحدة .
تشرف على تنفيذ خطة الخصخصة هيئة خاصة ومتخصصة في وزارة الدفاع والمسماه ( إدارة المعابر ) والتي أقيمت في العام 2005 على يد وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز . مهمة هذه الهيئة تتركز في إقامة المعابر ، إشغالها بالكوادر المهنية المطلوبة وتزويدها بالتكنولوجيا المتقدمة في مجالات الفحص الأمني .
الهدف المعلن لهذا المشروع كما جاء في نشرات الهيئة هو التقليل وإلى الحد الأقصى من ( الاحتكاك الموجود حاليا في المعابر ، وتحسين مستوى الخدمات التي تقدمها دون المس بمستوى الفحص المطلوب ) ، والذي يعني نظريا تحويل هذه المعابر إلى نقاط حدود بالمعنى الكامل ، وشبيهة إلى ابعد الحدود بالصالات ( Terminals ) ، والمعروفة في المعابر الجوية والبرية والبحرية .
رست المناقصات التي اعلنت عنها وزارة الدفاع على خمس شركات حراسة خاصة : ميكود ، آري أبطاحاه ، ش . ب . أفطاحاه ، موديعين إزراحي ، وشيلج لفان ، والتي من المفروض أن تتسلم مهام الجيش في الحفاظ على الأمن في المعابر ، وتنفيذ كل مهام التفتيش والفحص . بذلك تُعْفي الدولة نفسها - صوريا طبعا – من المسؤولية على ما يجري على المعابر من انتهاكات فظة وتعامل شرس كان سيد الموقف قبل هذه المرحلة وبأيدي الجيش مباشرة ، فأصبح اليوم بأيدي شركات خاصة تُشَغِّل عناصرها دون أن تكون الدولة مسؤولة عن تصرفاتهم وسلوكهم ، وهم في الغالب قادمون من الشرائح السكانية اليهودية الهامشية والمسحوقة ، والتي تعاني من فائض واضح من الأزمات النفسية من جهة والحقد على العرب من جهة اخرى ، وهم بهذا ليسوا اكثر من نسخة مكررة لحرس الحدود ، ولأكثر قطاعات الجيش انحطاطا ...
ما الذي تغير ؟؟!!
من خلال متابعتنا للشكاوى التي تلقيناها من عشرات المواطنين العرب في الدولة ، ارتسمت امامنا صورة بشعة تدل وبشكل قاطع لا يقبل الشك أنه لم يكن في نية القائمين على مشروع خصخصة المعابر أن يحولوا نقاط العبور بين فلسطين المحتلة وإسرائيل إلى ( نقاط ترفيه !! ) ، ( وصالات تَبَضُّعٍ وحدائق مُعَلَّقَةٍ !!! ) ما قامت إلا ( لتحتضن بكل حنان !!! ) الأسر والعائلات العربية ، ولا يشكل الفحص الأمني فيه إلا جزءا من ( رحلة العمر !!! ) ، لما فيه من مغامرة ( ولا في الأحلام !!! ) ... واقع المعابر بعد خصخصتها بناء على تجربتي الشخصية وتجارب المئات من عرب الداخل ، ليست اكثر من كابوس ... كابوس مخيف وسيئ يحمل في احشائه العفنة اكثر من رسالة ، تعكس الحقيقة الصارخة وهي ان الاحتلال سيبقى عدوا للإنسان ، عدوا للعدالة الطبيعية ، عدوا للحق ، وعدوا لا قلب له لكل شيئ جميل في هذا العالم ، ولذلك كان لا بد من العمل على زواله ، ولا بد من تضافر الجهود المحلية والعالمية بهدف كنسه من الوجود ...
كان الوضع سيئا حين كان الجيش هو المسؤول عن المعابر ، ولكنه اصبح أكثر سوءا حينما تسلمته شركات الحراسة الخاصة . زادت وجبة التنكيل والإهانة والإذلال والمس بمشاعر الضحايا الآمنين والمسالمين من الرجال والنساء والأطفال والعوائل ، من الترهيب والفظاظة في التعامل ، من اللاإنسانية النوعية في تنفيذ مهام الفحص ، من الدخول إلى خصوصيات المسافرين من غير حاجة ، والتفتيش المستفز من غير ضرورة وفي أبسط الأشياء : خبز ، خضار وحتى عبوات الكوكا كولا وغيرها . والأنكى من ذلك الحجز على طرف الشارع لفترات طويلة دونما مراعاة لأبسط الحقوق ودونما مراعاة للأوضاع الخاصة للعائلات من آباء وامهات واطفال ، وانتهاء بإدخال الجميع دون تمييز إلى بوابات الكشف ، والأغراض الخاصة والعادية إلى ماكنات الفحص الأمني ، الأمر الذي لم يكن في مرحلة ما قبل الخصخصة ... لقد حولت المعابر المخصخصة حياة مسافرينا العرب إلى ( جهنم ) ... فبدل أن تحقق هذه المعابر بعد أن انتقلت إلى حالتها ( المدنية ) نقلة نوعية في التعامل ( المدني !!! ) مع المسافرين ، تحولت إلى أداة قمع جديدة ، وإلى صورة شائهة وبائسة لنفس سياسة القهر والعداء لكل ما هو عربي ، لا لسبب إلا لأننا عرب وفلسطينيون ...
لماذا ؟؟؟
هذا الوضع ذكرني بحدث مشابه كان ميدانه الجغرافيا العربية في الدولة ، وأبطاله حكومة إسرائيل وجيشها من جهة والأقلية العربية الفلسطينية من الجهة الأخرى ، وذلك في العام 1966 ... حينذاك قررت الحكومة وأقرت الكنيست إنهاء الحكم العسكري في الوسط العربي ، واستبداله بحكم مدني ... حصل ذلك فعلا .. اختفت صورة الحكم العسكري ، ولكن عقلية الحكم العسكري ما زالت صاحبة الكلمة العيا ، واليد الطولى وفي جميع مجالات الحياة وحتى يومنا هذا ...
هنا على المعابر المخصخصة وهنالك عند انتهاء الحكم العسكري ، الروح العنصرية التي ترى في كل العرب ( عدوا وخطرا أمنيا وقنبلة مؤقتة ) يجب الحذر منها دائما ، ويلزم التعامل معها بكل القسوة الممكنة وقمعها بكل الوسائل المتاحة ، هي ذات الروح الشيطانية التي تحرك الإسرائيليين مدنيين وعسكريين ، وهي التي تقف دائما من وراء الممارسات الوحشية التي نواجهها وتواجهها جماهيرنا العربية على المعابر وفي كل مكان ...
ما من شك عندي في ان محاولة إسرائيل الجديدة إخفاء وجه احتلالها الشائه بقناع شركات الحراسة المدنية الخاصة ، لم تفشل فقط في تحقيق أهدافها المعلنة وإنما زادت الأوضاع تعقيدا . إن حققت الخطة هدف إبعاد الجيش عن خطوط التماس مع المواطن العربي وإبقائه في الخطوط الخلفية استعداد لأي طارئ أملا في تحسين صورة جيش الاحتلال في أعين المواطنين وهو وَهْمٌ لا يصدقه أحد ، فإن تشغيل شركات الحراسة زادت صورة إسرائيل تشوها ، وعمقت حالة الاحتقان في أوساط المجتمع العربي في إسرائيل ضد الدولة ، وزادت من حالة عدم الثقة الطاغية بيننا وبينها ، خصوصا واننا نؤمن ان هذه الخطة جاءت لتحقق هدفا إضافيا فوق أهدافها العنصرية المختلفة ، وهو تحجيم التواصل بيننا وبين شعبنا الفلسطيني إلى الحد الأدنى من خلال التضييق على أسرنا وعائلاتنا على المعابر ، لا لشيئ إلا لأنها عربية فلسطينية ، ولا لجريمة ارتكبتها إلا أنها قررت الخروج لرحلة تبضع وسياحة في احدى المدن الفلسطينية ....

مقالات متعلقة