الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 21:01

تجديد الفقه الإسلامي ضرورة حتمية - بقلم: مشهور فواز محاجنة

كل العرب
نُشر: 23/12/09 15:35,  حُتلن: 16:31

- مشهور فواز محاجنة:

* نحن نرفض الذين يريدون أن يجرموا على الناس أن يفكروا بعقولهم، وأن يجتهدوا لزمانهم، كما اجتهد السابقون لزمانهم

* شتّان بين التجديد القائم على أصول وضوابط شرعية وبين التبديد الذي يقوم على الهوى والتشهي والمزاجية والتأثر بالغرب والقوانين الوضعية

* الأحكام الفقهية الثابتة بالنص القطعي الصريح لا بالإجتهاد والنظر والإستنباط فلا تتغير ولا تتبدّل أبدا إلاّ على وجه الإستثناء لحاجة أو ضرورة معتبرة شرعا

لقد آن الأوان للتحول من مقولة إن «الشريعة خالدة وصالحة لكل زمان ومكان» كنظرية مرفوعة إلى محاولة التفكير والاجتهاد في تنزيل هذا الشعار وتطبيقه في حياة الأمة و ذلك بتفعيل الفقه الإسلامي وإستعادة حيويته وتحويله من مادة نظرية إلى ساحة تطبيق عملي واسع وشامل .
ولا يتأتى ذلك إلاّ من خلال التجديد المضبوط بالضوابط والقواعد الشرعية بما يتوافق وينسجم مع مستلزمات ومتطلبات العصر الحديث ، ودائرة التجديد في الفقه الإسلامي إنّما تكون في إطار الأحكام المبنية على علل أو مصالح أو مناسبات اقتضتها أعراف أو ظروف معينة وهذا ما لا ينكره أحد من العلماء تمشيا مع القاعدة الفقهية التي تقول : " لا ينكر تغيّر الأحكام بتغير الأزمان " .
وأما الأحكام الفقهية الثابتة بالنص القطعي الصريح لا بالإجتهاد والنظر والإستنباط فلا تتغير ولا تتبدّل أبدا إلاّ على وجه الإستثناء لحاجة أو ضرورة معتبرة شرعا ، كرخصة أكل الميتة عند الإضطرار ، فالاجتهاد المبني على تحقيق المصالح ودرء المفاسد هو مرتبط بالواقع المتغير الذي يواجهه كل مجتهد في عصره.
يقول فضيلة الإمام القرضاوي حفظه الله تعالى : " إننا نؤمن بالتجديد إذا كان تجديداً حقاً، ونرحب بالمجددين إذا كانوا مجددين صدقاً ،إننا نرفض دعاة (التقليد) و (التجميد) الذين يريدون أن يبقى كل قديم على قدمه، ولا يرحبون بأي اجتهاد جديد أو فكر جديد، شعارهم : ما ترك الأول إلى الآخر شيئاً.. وليس في الإمكان أبدع مما كان.
نحن نرفض الذين يريدون أن يجرموا على الناس أن يفكروا بعقولهم، وأن يجتهدوا لزمانهم، كما اجتهد السابقون لزمانهم، ونرى أن هؤلاء الجامدين يسيئون إلى أنفسهم، وإلى الدين، الذين يزعمون أنهم يتكلمون باسمه، وهذا الدين ليس فيه رجال كهنوت، ولا اكليروس، إنما فيه علماء قادرون راسخون مؤهلون لأن يردوا فروعه إلى أصوله، وأن يأتوا البيوت من أبوابها، ويستقوا المياه من منابعها النقية،. وقد ذكر الأمير شكيب أرسلان في كتابه (لماذا تأخر المسلمون؟) : إن الدين إنما ضاع بين جاحد وجامد، فالجاحد يضلل الناس بجحوده، والجامد يفتنهم بجموده ....... نريد التجديد لا الهدم والتبديد: وتجديد الشيء ليس معناه أن تزيله، وتنشئ شيئاً جديداً مكانه، فهذا ليس من التجديد في شيء. تجديد شيء ما أن تبقي على جوهره ومعالمه وخصائصه ولكن ترمم منه ما بلي، وتقوي من جوانبه ما ضعف، كما لو أردت تجديد جامع أثري أو قصر أثري فلابد أن تحافظ عليه وعلى خصائصه وروحه ومادته ما استطعت. ولكن تجدد من ألوانه ما ذهب، ومن بنائه ما وهي وتحسن من مداخله وتجمل الطريق إليه ..وتجديد الدين لابد أن يكون من داخله وبأدواته الشرعية، وعن طريق أهله وعلمائه لا بالإغارة عليه ولا بالافتيات على أهله ولا بإدخال عناصر غريبة عنه وفرضها عليه عنوة. وإن كنا نرى الكثيرين في العصر الحاضر قد أقحموا أنفسهم على الدين، وزعم كل منهم أنه مجدد الملة، وشيخ الإسلام، وإمام الزمان. فمنهم من يقرأ القرآن قراءة جديدة معاصرة تلغي قراءة الأمة طوال أربعة عشر قرناً، فهو يلغي تراثها كله، ويلقيه في سلة المهملات، ويبدأ من الصفر، لا يعتمد على حديث مرفوع، ولا على أثر موقوف على صحابي ولا على قول صحيح عن تابعي، ولا على رأي مأثور عن إمام في اللغة أو إمام في الفقه أو إمام في التفسير.هو وحده حجة الزمان، وما عداه جهل وبهتان، ثم يأتي بأي تفاسير وآراء ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يقوم عليها برهان. والعجب أن هذا المدعي لا يحسن أن يقرأ آية قراءة صحيحة، ليس فقط لأنه لا يحفظ القرآن بل لأنه لا يعرف مرفوعاً من منصوب، ولا فاعلاً من مفعول.
ومنهم من يريد أن يلغي الفقه كله، فقه الصحابة، وفقه التابعين، وفقه الأئمة المتبوعين، وغير المتبوعين، وأن نضرب عرض الحائط بهذه الثروة التشريعية والحقوقية الهائلة، التي لا توجد لدى أمة من الأمم، والتي اعترف بفضلها وقيمتها وسعتها العرب والعجم، والشرق والغرب، ونوهت بها المؤتمرات الدولية للقانون في لاهاي وفي باريس وفي غيرهما." ( انظر فتاوى معاصرة ، د. القرضاوي ، نقلا عن موقع القرضاوي ) .
فشتّان بين التجديد القائم على أصول وضوابط شرعية وبين التبديد الذي يقوم على الهوى والتشهي والمزاجية والتأثر بالغرب والقوانين الوضعية ، كما يريده بعض المتغربين في هذه الأيام .
لذا سأعمد بإذن الله تعالى من خلال الحلقات القادمة ببيان معالم ومظاهر التجديد الفقهي الذي ننشده وندعو إليه ، ليتمكن الفقه الإسلامي من استيعاب النوازل الحديثة، بكل تقلباتها وتشعباتها، كي يصبح فقهاً واقعياً، صامداً أمام التحديات.

مقالات متعلقة