الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 07:01

المخابرات تقتحم عتبة ذكرى الشهداء/ بقلم: جميله عاصله

كل العرب
نُشر: 04/10/09 20:57,  حُتلن: 07:18

* نحن نعدكم باننا سنبقى ندافع عن حقنا كما تدافعون انتم عن باطلكم . ها انتم قد اقفلتم كل المؤسسات وفروعها امام ابنائنا ولم تبقوا سوى فروع المخابرات مفتوحة على مصراعيها

جلست في قلب الليل كعادتي ,اقهر الارق الذي يداهمني كل ليلة, بعد ان تغيب كل الوجوه وتحضر وجوه الشهداء.مرات عديده اعلنت انتصاري . اما هذه المره فلم افلح في ذالك, رغم كل محاولاتي لقهر هذا الارق اللعين.هذا بعد ان كانت لي اطلالة من خلال احدى النوافذ لاستانس بالقمر واطمان على بقائه في سماء بلادي .
لكن المفاجاة انه اطل بفجوره على غير عادته على جرحي المفتوح ليزيده نزيفا ويبشر بقدوم تشرين الينا مغمى عليه .
احتدمت المعركة بيني وبين هذا الارق ليكون ابطالها ثلاثة عشر شهيدا .منهم من اطل رافعا يده فخورا بشهادة تفوقه, ومنهم من ظهر بثوب زفافه .
ظلت كل الوجوه غائبة لتمتلئ ذاكرتي نهائيا بتفاصيل الشهداء .اصررت على النوم نكاية بهذا الارق الى ان وصل الصراع ذروته .عندها اعلنت انتصاري وسط هدوء ساد كل زاوية في البيت لتاخذني سريعا اغفاءة استيقظت بعدها واجدة ملامح الصباح قد ارتسمت نهائيا .
شلت قدرتي لساعات قليلة لم استطع خلالها القيام باي عمل داخل البيت الى ان اشرقت الشمس بخيوطها الذهبيه. وكل خيط فيه تحريض ودعوة لي للنهوض والاستمرار في الحياه .
لا ادري بعدها كيف ساقتني قدماي وعلى غير العاده في هذه الساعه الى بيت احدى الجارات في الحي لاطمئن عليها واطمئن من خلالها في هذا الصباح الاستثنائي على كل المعارف وكل الانقياء الذين لم تاخذ ظهورهم شكلا محدودبا .
جلسنا نتبادل اطراف الحديث لتتوج جلستنا بقولها :احييك ام اسيل. .يبدو انك تعلمت حكمة العصافير. فمهما حصل لها تظل تطير .ها انت ما زلت تحملين قضية الشهداء كما تحملين اسمك. .ثم اضافت سائلة :على فكره ماذا ارادت الشرطه ليلة اول امس ؟لقد جاءت سيارة شرطه وقد ازعجوا كل سكان الحي .وكان ملفتا للنظر ان احد افراد الشرطه قد ملا الحي بصراخه مناديا ابا اسيل باسمه .اظن انهم لم يفلحوا في الدخول الى البيت لان البوابه الرئيسيه كانت مقفله .
اجبتها باستغراب :عزيزتي .اتعين ما تقولين ؟ام انك اصبت بداء الاشاعات ؟عبثا حاولت اقناعها بان ذالك مستحيل وقلت لها :نحن نعرف وندرك وقاحة الشرطه.ولكن كيف يمكن لقاتل اسيل ان يجرؤ ويقترب من البيت ؟ليتضح لي فيما بعد بانني كنت واهمه.
غادرت بيت صديقتي هذه وانا في حالة بين الشك واليقين .خاصة وانني ادرك ادراكا تاما ان وقاحة هذه المؤسسه لا حدود لها .
بعد وصولي الى البيت جلست في احدى الزوايا علني استوعب ما سمعت .لكن ذالك لم يحصل .فكل ما وقعت عليه عيناي في تلك اللحظه كان غير طبيعي ,وبدت كل الاشكال من حولي بلا اشكال .قفزت بعدها وانا في حالة توترالى الحديقه على امل ان اخفف من حالة الاختناق التي اعترتني واذا بي ارى ورود الحديقه قد نكست رؤوسها, والاشجار قد غيرت شكلها ,وكل شيءكان من حولي قد غير لونه .
انقضى النهار وجاء اخر. ليتعزز ما قالته لي صديقتي .اذ وصلت في ساعات بعد الظهر سيارة شرطه الى مكان عمل ابي اسيل وسلمت كتابا لصبية تعمل هناك يتضمن دعوة لمساءلة ابننا براء البريء والذي هو اقرب الينا من حبل الوريد كما هو اسيل .
مرت بضعة ايام الى ان حان الموعد المحدد للمثول في مركز الشرطه حيث توجه الى هناك ليجد رجل المخابرات بانتظاره .
بعد رجوعه الى البيت وكما هو طبيعي اثار فضولنا معرفة ما دار في جلسة الشاباك تلك ليتضح لنا ان رجل المخابرات ذاك اراد ان يتاكد من ان ابننا قد تقمص حنجرتنا ام لا .وان صوته ما زال يحمل قضية الشهداء .هذا بالاضافة انه حاول معرفة تفاصيل سنواته الماضيه ناسيا ان هذه المؤسسه قد سرقت تسع سنوات من طفولته. بعد ان سرقت عمر اخيه اسيل واعماركل الشهداء وبسرقتهم هذه كانوا قد سرقوا الضوء من مصابيح بيوتنا والشمس من ايامنا .اما اكثر الامور التي حاول التركيز عليها رجل الشاباك هذا والتاكد منها فهي :ان كان قد اصاب ابننا عاهة ما وتحديدا عاهة الياس .واظن انه ومن خلال هذه المساءله قصد ان يوصل له رساله مفادها :ان التهمه الموجهه له ان صوته عال وهو يقف حسب ادعائه على الخط الرفيع الذي يحيط بديمقراطيتهم المزعومه.وقد لخص جلسته بلهجة وقحه قائلا:نحن نحذرك.ممنوع منعا باتا المرور في درب النضال .وكذالك الوقوف على ارصفة الحقيقه.
هكذا كانت رسالة الشاباك في الايام الاولى من شهر رمضان المبارك وعلى عتبة تشرين .اما من جهتنا وكما يعرفنا الجميع اننا نسير وفق الاصول .لذا وجدنا انه من المناسب الرد على هذه الرساله باحسن منها .وهي في الوقت ذاته رسالة الشهداء ورسالة الاحرار وكل المقموعين من ابناء شعبنا .
نحن نعدكم باننا سنبقى ندافع عن حقنا كما تدافعون انتم عن باطلكم .ها انتم قد اقفلتم كل المؤسسات وفروعهاامام ابنائنا ولم تبقواسوى فروع المخابرات مفتوحة على مصراعيها لتستفيقوا كل يوم وتقبضوا على ضحية اخرى .انه لم يعد خافيا على احد انكم تخترعون لكل شاب يقع في شباككم تهما تتقاضون عليها رواتبكم لدرجة ان الاوراق والحواسيب اصبحت مستودعا لاكاذيبكم .لقد بات معروفا انكم في هذه المؤسسه تجتهدون دائما لاختراقنا من الداخل وتندسون في مؤسساتنا التعليميه وفي بيوتنا لتربية اجيالنا ليكبروا ضد انفسهم .في حين تقضي كل ام من امهات هذا الشعب سنوات عديده لتعليم طفلها النطق ليدافع عن حقه لتاتي حضرتك انت ممثلا لهذه المؤسسه لتعلمه الصمت .لقد اصبح كل عربي في نظركم مدانا سلفا لانه جاء الى هذه الحياه. بل اكثر من ذالك انكم تعتبرون ارحام امهاتنا اعداء لكم لانهم ينجبون اطفالا ليضحوا الكاشف لكل ممارساتكم .
نعم. نحن نعرف انكم تراهنون على الزمن ,وان الشيخوخة تداهمنا .لكن هيهات من النيل منا ومن عزيمتنا .لقد تعودنا ان نعطي قضيتنا صدورنا ولكن لم يحدث يوما ولن يحدث ابدا ان نعطيها ظهورنا .فقضايا الشعوب تتحملها الاجيال المتعاقبه ولا يقتصر النضال على انسان هنا وانسان هناك .نحن على امل ان جيل الشباب هذا يستطيع دائما تحريك الجهاز العصبي لكل قضايانا العادله .ونحن متاكدون انهم سيرفعون صوتهم دائما وابدا ضد الظلم والتمييز .
فبئس الظالمين ونعم المحقين .
وتحية للشهداء كل الشهداء .
وكل تشرين وشعبنا بالف خير.

جميله عاصله (والدة الشهيد اسيل عاصله)
 

مقالات متعلقة