الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 10:02

عبقرية تضييع الفرص: غولدستون ولاهاي نموذجا- بقلم: الشيخ النائب إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 03/10/09 13:24,  حُتلن: 13:26

* الأمة بمجملها اليوم غارقة في خلافاتها البينية وشكوكها الإقليمية وولاءاتها لدول الاستكبار العالمي
* الحكومات العربية لم تُخَيِّبْ الظن مرة أخرى، ووقفت مشدوهة كأنها تعيش على كوكب آخر، أو كأن القرار لا صلة له بأم قضاياها وقلب ملفاتها وأُسِّ وجودها
* تقرير البعثة الدولية لتقصي الحقائق حول حرب إسرائيل الوحشية ضد قطاع غزة مؤخرا ، جاء هو أيضا جريئا في قول الحقيقة واتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين

قلنا مرارا وتكرارا أن مشكلتنا ومشكلة الأمة ليست في فقر إمكانياتها وقلة مواردها وعجز عقول أبنائها ، فكل ذلك متوفر إلى درجة يحسدنا عليها العالم ، وإنما تكمن المشكلة في افتقارنا إلى الإرادة والإدارة القادرتين على استثمار كل هذا المخزون المادي والبشري والمعنوي الهائل في خدمة قضايا الأمة الكبرى وعلى جميع المستويات ، وعلى تأهيلها للتعامل مع قضايا العالم وتعقيدات مشهده بالذكاء المطلوب وبالحنكة المعهودة على أسلافنا الذين غسلوا وجه العالم في يوم من الأيام من أرجاسه وأنجاسه وأدناسه ، فأعادوا للحياة نضارتها وللإنسانية بسمتها التي غابت لقرون وقرون ...

الأمة بمجملها اليوم غارقة في خلافاتها البينية وشكوكها الإقليمية وولاءاتها لدول الاستكبار العالمي ، طمعا في حماية عروشها وصون امتيازات حكامها ، الأمر الذي افقدها القدرة على التحرك الجماعي للدفاع عن الأمن القومي والكرامة العربية ، إلى حد أصبحوا معها عاجزين حتى عن انتهاز فرص الركوب على أمواج قرارات دولية جاءت لتنصف إلى حد كبير القضايا العربية ، ولتدين إسرائيل وممارساتها ضد الفلسطينيين والعرب ... قرار محكمة العدل الدولية في ( لاهاي ) حول الجدار العنصري قبل سنوات قليلة ، والذي أقامته إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ، وقرار بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون حول جرائم إسرائيل ضد قاع غزة في حربها الأخيرة قبل عدة أشهر ، دليلان واضحان على العجز العربي المذهل ، والفشل في استثمار هذه التقارير وتحويلها إلى أداة مدنية فتاكة تضع إسرائيل في قفص الاتهام ، وتلزمها بناء عليه بالانصياع للشرعية والقرارات الدولية ...

قرار محكمة العدل الدولية حول الجدار العنصري كان قرارا غير مسبوق ، فهو لم يُدِنْ إسرائيل في موضوع الجدار فقط والذي اعتبرته المحكمة غير مشروع ، ويتعارض بناؤه مع القانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة ، بل تجاوزت ذلك إلى إدانة الاحتلال الإسرائيلي برمته للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ، واعتباره عملا محرما دوليا واستمراره مخالف للشرائع الدولية ، وكل ما نتج عنه من استيطان ومصادرة للأراضي وتدمير للمقدرات والمقدسات ، إجراءات غير مشروعة لا بد من زوالها ، كما وَحَّمَلَ القرار المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسؤولية تغيير الواقع الذي أحدثه الاحتلال ، في إشارة إلى إمكانية تفعيل القوة حسب البند السابع للميثاق ، والتي قد تصل إلى فرض عقوبات اقتصادية ، ومنها إلى التدخل العسكري لتصحيح الوضع المخالف للقانون الدولي ، ومعالجة التحدي الإسرائيلي لهذا القانون بالطرق الكفيلة باحترام الشرعية ...

تقرير البعثة الدولية لتقصي الحقائق حول حرب إسرائيل الوحشية ضد قطاع غزة مؤخرا ، جاء هو أيضا جريئا في قول الحقيقة واتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين والحياة المدنية في قطاع غزة أثناء الحرب ، وإن أقحم ظلما الشعب الفلسطيني في غزة في دائرة الاتهام أيضا .. فما كان رد الفعل العربي حيال هاتين السابقتين ؟؟!! في الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل وحلفاؤها في تغييب قرار محكمة العدل الدولية حول الجدار عن أجندات التداول في مجلس الأمن وغيره من المؤسسات ، واستمرت في بنائها للجدار وتحديها للإرادة الدولية ، وقف العرب والمسلمون أنظمة وشعوبا ومنظمات مجتمع أهلي ، عاجزين عن استغلال القرار وتصعيد الموقف حتى إلزام إسرائيل به كاملا ...

أما تقرير ( غولدستون ) ، فقد تعرض هو أيضا لحملة إسرائيلية مسعورة وبإسناد كامل من الولايات المتحدة الأمريكية وبتواطؤ أوروبي واضح ، هدفت إلى منع وصوله إلى مجلس الأمن الدولي ومحكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي ، وبما يحول دون ملاحقة قادتها السياسيين والعسكريين قانونيا .

الحكومات العربية لم تُخَيِّبْ الظن مرة أخرى، ووقفت مشدوهة كأنها تعيش على كوكب آخر، أو كأن القرار لا صلة له بأم قضاياها وقلب ملفاتها وأُسِّ وجودها...مرة أخرى تثبت أمتنا عبقريتها في صناعة الفشل ، وأحقيتها في دخول كتاب ( غينيس ) للأرقام القياسية على براعتها في تفويت الفرص خدمة لقضاياها الكبرى ... لم نر ولم نسمع عن أي تحرك دبلوماسي، أو الإعلان عن تشكيل لجنة قانونية، أو التداعي لوضع خطة محكمة لنقل التقرير إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية. تتساوى في ذلك كل الدول الممانعة والمعتدلة، كما لم ( يَهُنْ ) على السلطة الفلسطينية أيضا أن تكون مختلفة في هذا الشأن، فجاء موقفها منسجما مع حالة الموت ألسريري الذي تعاني منه الأمة... فما يمكننا أن نقول والصورة على هذا النحو، غير: إنا لله وإنا إليه راجعون...

مقالات متعلقة