لأمتي العربية والإسلامية أبعث بهذه الرسالة , رسالة اعتراف وإقرار وكشف القرار . وأسمح لنفسي بأن تختلس النظر داخل شعورها وأحاسيسها ولو لهنيهة , فلن أطيل , لتغادرني الأنانية بكامل زخرفتها وبهرجتها , فإني لن أُلحد ولن أقبر في داخلي تلك الأحاسيس الحارقة .
إيهٍ يا أمّتي !
ها نحن نحمل بين أضلاعنا الضجر, ها هو أرثك نضيّعه حتى السَرَر , ها هي البلاد والأرض نتنازل عنها بهوان واستسلام , وضربنا بطول الحائط شرائع الإسلام , فمن بعد صفوة أبنائك الأشاوس ظهرنا , ومن بعد فتوحاتهم واستشهادهم غدرنا ,تعاملنا مع تاريخك العَطِر بكل أنواع التجاهل والجفاء , ودنّسنا ما تبقّى لك من شرف دون خجل ولا حياء , وكسرنا بشهواتنا قمم الثقة بالنفس وشموخ الإباء , لم نحافظ على قلوبنا نظيفة بيضاء , ولا على نواصينا عزيزة غرّاء , سوّدنا بصحائف أعمالنا تاريخك التليد , ودنّسنا بهواننا كبريائك المجيد , لم يحرّك حميّتنا منظر فتاة هُتِك عرضها , ولا شهامتنا تفجير رأس طفل هزّها , ننام ونلتحف غطاء وثير , والنساء تُسبى في جسم حسير , ما نلنا من عدوّك وخصمك الوحيد وما تعمدنا هجومه , بل مدننا له أيدي الوفاء , وارتضينا منه البطش والقتل والاعتداء .
إيهٍ يا أمّتي !ّ
لم يبقى بيننا من يستحق الانتماء إليك , ولو بحثت بيننا عمن يفاخرون بهم من الرجال , لغرقتِ بين تخبّطات أشباه رجال , فقد دُفن الرجال في قديم الآجال , وكل ما فعلناه أن ترحّمنا عليهم , وشربنا قهوة مُرّة مليئة بالغم والهم , لا تَهِني ولا تحزني , إبحثي فقط عن أشلاء بطل بين حطامنا , فربما نفخت روح الأمل بك وبنا , حافظي على ما بقي لديك من شموخ , فلن نستطيع زيادته إذا نقص , فإن من يعقد الآمال علينا يتنغّص . لا تُعقد على أمثالنا الآمال , ولن تأخذين منا سوى الأقوال , فابحثي عمّن هو سيّد الأفعال , أخالك تعلمين يقينا من نكون , ولست غافلا عن حنكتك المعهودة , فنحن مَنْ تربّى وترعرع مع أرانب الحقول , وتغذى مِن فتاتها , فلا نحن تأرنبنا , ولا الجُحر ملكنا . هي تسكن في وطن , ونحن وقّعنا معاهدة توطين لعدوّنا الوضيع , هي تحمي أطفالها , ونحن يدافع عن أرضنا الرضيع , يبنون بيوتهم ويهدمون بيوتنا , يحمون أطفالهم ويقتلون أطفالنا , يسلبون حقوقنا ونتنازل عن حقوقنا , يبنون مستوطناتهم في أرضنا , فنطالبهم بالتوقف وعدم التوسيع , وبالمقابل ندفع لهم بالتطبيع , أي موقف وضيع ؟! لو يسمع الشهيد ليخرّ مرة أخرى صريع , أبمثل هذا الهوان الأوطان نبيع ؟! أنسيتم أن فوقكم عليم سميع ؟!
إيهٍ يا أمّتي !
ربّما تهـزّ النوائب قومي فيغدو شــأنها شأن كبيرا
ويزيحون الخلافـات عنهم وتراق من الكؤوس خمورا
ويعاد إلى النفوس الحيارى أملا كان ضائعا مطمـورا
وهل يصبح الجليل ذليـلا ! وهل يصبح الأعمى بصيرا!
وهل يفيض الإحساس يوما فنسـكب اللحن عذبا نميرا !
إيهٍ يا أمّتي !
هل تسكبين دمعا هتونا , فقد ثكلتِ من تخَلّوا وخانوك , هل تترحمين على رجال خزّنوا هممهم في تابوت في مقبرة مظلمة ! إبحثي في أطالس الرجال عن رجال غيرنا , فنحن أشباه رجال في ملابس رجال , فربما تعثرين على صناديد بهم من صناديد الماضي شبه ليستحقّون أن يُنسبوا إليك .