الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 15:02

سنة دراسية جديدة: أمل وألم !!!

بقلم: الشيخ إبراهيم
نُشر: 04/09/09 11:39,  حُتلن: 08:23

* التعليم العربي يقف على مفترق طريق تتنازعه رغبتان جامحتان ، الأولى هي السعي الحثيث للوصول إلى تحقيق المطالب ذات العلاقة بالمباني والخدمات على أنواعها ، والثانية هي الوصول في النهاية ولو بالتدريج إلى نوع من الحكم الذاتي الثقافي

منذ المحاولات الأولى لصياغة ملامح الشخصية العربية من خلال منهاج تعليمي يعكس الحاجة إلى التميز بناء على الموروث الثقافي والحضاري للأقلية العربية في إسرائيل ، ومع كل مؤتمر يعقد لتناول هذا الملف الهام والخطير ، ومع كل دراسة أو مقالة تصدر مع بداية كل عام دراسي جديد ، نسمع بأن التعليم العربي يقف على مفترق طريق تتنازعه رغبتان جامحتان ، الأولى هي السعي الحثيث للوصول إلى تحقيق المطالب ذات العلاقة بالمباني والخدمات على أنواعها ، والثانية هي الوصول في النهاية ولو بالتدريج إلى نوع من الحكم الذاتي الثقافي الذي يمنح المجتمع العربي الحق في بناء مناهجه المرتكزة إلى ثوابته الدينية والقومية والوطنية ، بهدف بلورة كيان طلابي ( فردي وجماعي ) يبني ذاته في إطار قواعد لعبة تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات المحيطة من غير إفراط ولا تفريط ، ومن غير تهويل ولا تهوين ...
مع بداية هذا العام الدراسي الجديد ، نعود لنقف أمام نفس المعادلة ، وكأن الزمن بالنسبة لنا كمجتمع عربي قد توقف عند نقطة زمنية معينة لا يبرحها أبدا مهما تقدم العالم من حولنا وتطور وتغير ... فما زلنا بعد مرور واحد وستين عاما على قيام الدولة ، نتحدث عن النقص الخطير في غرف التدريس وفي الخدمات ، وعن مستوى التحصيل المتدني بالمقارنة مع الوسط اليهودي ، والذي يتجلى في النهاية بنتائج البجروت ... إلا أن الأخطر من ذلك كله هو الفشل – ونحن هنا لا نعمم – في إنتاج البيئة التربوية والتعليمية الصحية ، القادرة على تفريخ ليس فقط الطالب المتعلم ، ولكن الإنسان المثقف والمبدع الذي يجمع إلى العلم النافع قوة الالتزام بثوابته العقائدية والقومية والوطنية ، وصدق الانتماء إلى بلده ووطنه وجماهيره ، وعمق وعيه بالمشهد السياسي العام ، وصراع الحضارات الذي يحاول البعض أن يفرضه ولو بشكل قسري ، و شدة انحيازه إلى قضايا شعبه وأمته ...
مع كل التحسن المحدود الذي طرأ على التعليم العربي والذي لا يمكن أن ننكره ، إلا أن عوائق أساسية ما زالت تعرقل النقلة النوعية العميقة التي يحتاجها جهاز التعليم العربي . هذه العوائق هي في الأساس نتاج لعقلية سلطوية ما تزال ترى في المجتمع العربي تهديدا ، وعليه فهي تعمل بوعي كامل لتحقيق ما يمليه عليها العقل اللاواعي من سياسات تغذيها وتسندها حقائق من أهمها : أولا نقطة الانطلاق لجهاز التعليم العربي والذي بدا من الصفر مقارنة مع جهاز التعليم اليهودي الذي حظي بالرعاية والتنظيم منذ عهد الانتداب ، وثانيا عدم تنفيذ سياسة تفضيلية عميقة تؤدي وبشكل استراتيجي لجسر الهوة بين الوسطين في مدة زمنية محدودة ، الأمر الذي يمنع جهاز التعليم العربي من الانطلاق بقوة نحو المستقبل ، ويفرض عليه حركة بطيئة جدا لا يمكن أن تحدث القفزة المطلوبة ، وثالثا لائحة أولويات إسرائيلية تضع عملية إصلاح جهاز التعليم اليهودي ، وإزالة الفوارق بين فئات الشعب اليهودي نفسه على رأس أولوياتها ، ومن هنا لا يبقى للتعليم العربي فرصة للمنافسة على استدرار عطف أجهزة الدولة المختلفة ... لا بد من تغيير جذري في هذه الرؤى يضع التعليم العربي في قلب الاهتمام الحكومي ، والذي يعني قلب الأولويات رأسا على عقب ، إذا ما أردنا فعلا أن نرى تعليما عربيا حقيقا ...
بما أننا لا نتوقع أن يحدث هذا التغيير شبه المستحيل في السياسة الإسرائيلية تجاه التعليم العربي ، مما سيبقينا ( نلهث ) وراء التحسينات التجميلية حتى تنقطع أنفاسنا ، لا بد من إلقاء نظرة نحو الذات لنرى إن كان هنالك ما يمكن أن نفعله لخدمة جهازنا في إطار الإمكانات المحدودة والفرص المتاحة ... عندما يجلس عامة الناس وخاصتهم ممن عاصروا التعليم في ( روحه ) التي كانت سائدة في الخمسينات والستينات والسبعينات وحتى الثمانينات ، يجمع الحاضرون على أنه ورغم الفارق الكبير بين أوضاع المدارس ( كَمّاً ) في تلك الحقب من الزمان وبين أوضاعها اليوم ، فإن غياب ( روح ) تلك المرحلة والذي حولت مدارسنا بالأمس على تواضعها إلى قلاع علم ومراكز إشعاع حقيقية وقواعد إصلاح ، يكاد يجعل من مدارسنا اليوم رغم بنيانها الشامخ والجميل ، أكواخا خاوية على عروشها لا نكاد نحس فيها من احد أو نسمع لهم رِكْزا ( الصوت الخفي ) ، ونحن هنا أيضا لا نعمم ... أين المعلم حامل الرسالة، وأين الطالب صاحب الهمة ؟؟!!.. أين الأب والأم الذين وضعوا ثقتهم بصدق في المعلم لإيمانهم بأهمية دوره وخطورة مهمته، وأين المجتمع الحاضن للمعلم والمقدس لوظيفته ؟؟!!... الحنين إلى أيام كان الطالب فيها إذا رأى معلمه في الشارع ، يتمنى لو أنه كان نسيا منسيا ، وإلى أيام كان المعلم فيها واعيا تمام الوعي إلى قدسية وظيفته فيحرص على الحفاظ عليها وعد تعريضها إلى ما يخدش صفاءها ، وإلى أيام كانت ثقة المجتمع والقيادة المحلية في المدرس بلا حدود ، فهي التي تحميه وتعطيه السند مهما اختار من أساليب التربية في سبيل إصلاح أبنائهم وبناتهم ... وإلى أيام ... وإلى أيام ... الحنين إلى كل تلك ( الروح ) الوثابة والملتزمة، هو ما ينقصنا في هذه الأيام... وهذا هو مطلب الساعة الملح .... والله سبحانه وتعالى أعلم ....

مقالات متعلقة