الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 09:02

كُل ذِكـرى نَكبة ونحن بخير-عمر سعدي

كل العرب-الناصرة
نُشر: 29/04/09 10:58

* على الأرضِ ما يستحقُ الحياة" وفي الأرضِ ذكرياتٌ لمشاهِد تستحِق أن نتوقَّفَ عِندها

* لا يمكِنُ لشيء ما في تلكَ الطبيعة أن يُلغي حقيقةَ أن تلك الأرض هي أرضٌ لأجدادنا

* الحجارةَ والتراب والبشر ، الماء والسماء وكل شيء فوق تِلك اليابسة يذكرنا بماضينا المميز بحيويتهِ وتقاسيمهِ


النكبة كلمة تتداعى معانيها كلَّما تمعنا بمشهَدٍ "بديع" يصيبنا نَحنُ العَرب أو منظر لإحدى القُرى الفارغة من أهلها أو البيوت المرهونة للذاكرة وسطَ ضبابِ الذكرياتِ المحفورة في خيالاتِ المسنين منّا وعلى قَرعِ العواطفِ والدموع نتمنى لو أنَّ شيئاً ما يحدث ليعيدَ مجداً لم يبدأ أبداً.
لا أعرِفُ ما هو الرابط الرئيسي الذي يجعَلُ منا جذوراً تمتد إلى الأجيال على مرِّ النكبات ولكني أوقن تماماً بأنَّ "على الأرضِ ما يستحقُ الحياة" وفي الأرضِ ذكرياتٌ لمشاهِد تستحِق أن نتوقَّفَ عِندها لنسأل أنفسنا أو ربَّما أجدادنا الصامدون هُنا عن سِرِّ هذا التعلُّق أو ربما عن سرِّ ما جرى عبر التاريخ فجعلَ التاريخُ منّا مجرَّد ذِكرى ونحنُ فِعلاً مجرَّد خيالات في نظر الشعوب، تتحرك بكل الاتجاهات بدونِ أن يلاحظها أحد .


الكاتب: عمر سعدي

هذه الأرضُ بكلِّ تضاريسها واتساع محيطها كانت ذاتَ يومٍ كروماً لأجدادنا الذينَ أخذَتهُم غفلةُ التاريخِ صدفةً وجمَّدت آثارَهم وجعلت من أفكارِهم صوراً لقِلاعٍ هدَّمها الهمجي بعمجهيتهِ وعجرفتِهِ معتقداً بأنَّه يستطيعُ حذفَ الوطَن من أذهانِ الناسِ الذينَ لا يمكنُ لشيء فوقَ تلكَ الأرض أن يحذفهُ أو أن يفرضَ هويةً أخرى عليهم أبداً وفي حين نحنُ الصغار لا زلنا نتعلم الجغرافيا العربية ونتذكر ولو بأنقاضٍ متراكمة أسماء القرى المهجرة ونستعيدُ مجدها وكأنَّها تعجُّ بالسكان ورغم المباني المقابلة لها والمواطنين الذين ينطقونَ بلغاتٍ لا نفهمها إلا أنها لا زالَت تُنادينا بزيتونها الأخضر وتينها وزعترها البلدي الذي ينبتُ على عتباتِ البيوتِ المهدمة والتي لم تفقِد أريجَ عروبتها أبداً وعلَت حِجارتها تُسأل عن أهلها الذينَ أجبرتهم يد الطاغي على تركها وحيدةً آملينَ في العودةِ إليها يوماً ما.

لا يمكِنُ لشيء ما في تلكَ الطبيعة أن يُلغي حقيقةَ أن تلك الأرض هي أرضٌ لأجدادنا ودَعنا من الأسماء المجاورة والصور الحضارية التي تقابلها والأسماء التي تَدبُّ فوقها بهمجية اللاوعي السخيف معتقدةً بأنَّ لها فوقَ تلك البقاع مكانٌ أزليه هُناك ولكن لنا ذاكرة وذكريات وفينا كبار السنِّ يتقنونَ عليقنا بالوطن بأحلى الأوصافِ والحكايا التي تجعَلُه أجمل قصَّةٍ في العمر فالوطن ليسَ قصة هزليةً تنتهي بموتِ البطل إنما هي روايةٌ جميعُ شخصياتها أبطال بدءاً من هؤلاء الذينَ ضحو بأعمارِهم وانتهاءً بهؤلاء الذينَ لا زالوا يسألونَ عنهُ ربما في كتُب التاريخِ التي يمنعون نشرها أو يختارون ما ينشر ويشطبونَ ما لا يريدونَ أن ينشر.

إنَّ الحجارةَ والتراب والبشر ، الماء والسماء وكل شيء فوق تِلك اليابسة يذكرنا بماضينا المميز بحيويتهِ وتقاسيمهِ من صورٍ للبيوتِ أو مظاهرِ الحياة المُنتهية والتي تبدأ من جديد على مر الفصول ترسِّخ فينا فكرةَ الوجود والوطن الموجود وفكرة وجودنا الغير مرغوب بهِ فوقِ أرضنا وبينَ أسماءٍ إلفناها وبيوتٍ تعوّدت علينا .

إنَّ النكبة ليست مجرد ذِكرى بل هي إنعاشٌ للذاكرة للتفكير بفرضية ما يدَّعيه الجانب الآخر والذي يحكُمك ويسيطر على أحداث حياتك رغماً عنكَ والذي بيدهِ الحل والربط بما يخص محيطيك ولكنه لا يملكُ القوّة الخارقة لاختراقِ فِكركَ الذي زُرع فيهِ الوطن رغم رفض الآخرينَ لهُ ورغم كل الذلِّ والإهانة إلاَّ أننا نعيشُ بكبرياء اللغة وحضارة العاصفة التي تأتي مع كلِّ غضبة تُصيبنا لنصبَّ بجراحنا التي تَكبرُ مرَّةً واحِدة.

 

ذكرى النكبة هي ليست مجرد مظاهرات ومظاهر فيها رفعُ شعاراتٍ وحسب ، ذكرى النكبة هي الوقود الذي يمدُّنا بالانتماء لوطننا المجزوم أو المفعولِ بهِ ما يشاءون وترسيخاً لوجودنا في مكاننا الأصلي ، هذا الوطنِ الذي ولد فيهِ أول أجدادنا ، عمِلوا بأرضهِ فزرعوها وعاشوا فوقها طويلاً ، كتبوا بالدمِّ حروفاً لا يمكنُ لأي شيء محوها أو تغيير معالمها ولا حتى الجرافات ولا المستوطنات أيضاً فلنتذكر معاً ... كم من الوقتِ مضى أو سيمضي ونحنُ صامدين.

 

انهض أخي الكريم من سباتِكَ وابدأ بترديد اسماء القرى المهجرة في سرِّك ولا تدع شيئاً يأخذُك من هويتكِ البيضاء ومن جذوركَ الصلبة التي غرسها الأجدادُ في رحِم الأرض وفي رحِم الروح يولدُ وطنُ الأبطـالِ من آثاراتِهِ التي تنسبُنا إليها هُنا وهُناكَ ، في الشمال وفي الجنوب ، في عسقلانَ وفي بيسان ... هُناك في إقرث ، إجزم ، أم الزينات / بلد الشيخ ، قيسارية ، كُبّارة،  طنطورة وغيرها وغيرها ....

"على تلك الأرض ما يستحقُ الحياة" فانهضوا الآنَ ليولدَ في ضمائرنا وطنٌ يُعيدُ كل التضاريِس إليه وكل المهجرين وكل الشهداء الذين ضحوا بأرواحِهم ... إليه وليدُم ذلك الوطن مرسوماً فوقَ الترابِ وفي ذاكرتنا خلوداً وإلى الابـد ... وكل ذكرى نَكبة ونحنُ بألفِ خَير ....

مقالات متعلقة