الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 10:02

أساطير انتخابية وأساطين انتهازية


نُشر: 16/03/09 16:15

• البعض يتحدّث بعنتريات بعثية، لكنه يعترف بأثر رجعي بدولة إسرائيل وحقها في الوجود..
• "رؤية دولة المواطنين" لا تناقض "دولة اليهود" ولا تختلف كثيرًا عن خطاب "ميرتس" الليبرالي..
• ومرة أخرى: الجماهير العربية أول هدف للفاشية الإسرائيلية، لكنها ليست المستهدَف الوحيد..


عقدت واحدة من الجمعيات العربية مؤخرًا ندوة تحت عنوان "قراءة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية"، شارك فيها نفرٌ من المتحدّثين، وحضرها عددٌ أكبر من عدد المتحدثين بقليل. وكان طريفًا ليس فقط أن معظم "الحضور" كان من حزب واحد، بل إنّ معظم المتحدّثين كانوا من أتباع ذات الحزب، وهو، بالصدفة، نفس الحزب الذي تتبعه الجمعية المُضيفة!
المهم؛ تداخل المتداخلون وتحدّت المتحدّثون. أحد هؤلاء، وهو رفيق سابق وزميل أسبق في "الاتحاد"، خصّ الجبهة بحصة الأسد من تحليله، آخذًا عليها عدم نشر برنامجها باللغة العربية في موقعها على الإنترنت، مشيدًا بالحزب الذي يتبعه، هو والجمعية والحضور، لأنّ برنامجه "منشور ومتوفر".
والحقيقة هي أنّ كلام الزميل ليس دقيقًا. إذ أنّ برنامج حزبه المنشور في المواقع لا يطابق وثيقة رسمية من 30 صفحة تقدّم بها التجمع الوطني الديمقراطي ورئيسه د. جمال زحالقة للمحكمة العليا في التماسه إلغاء قرار الشطب، وأسهب فيها حول رؤاه السياسية ومقاصده الفعلية.
ففيما يصرّ زميلنا على أنّ حزبه "يربط معركة الوجود بالمعركة على الحقوق"، يقول حزبه صراحةً: "نحن نميّز بين موضوع الرواية التاريخية وموضوع الحقوق القومية أو الجماعية" (ص 5).
وفي موضوع حق العودة يتراجع حزب زميلنا عن الحد الأدنى من الثوابت، فيتحدّث عن "حل متفق عليه" بين م.ت.ف وإسرائيل (ص 9)، ويُسقط مفهوم العدالة ومعه قرارات الأمم المتحدة التي تثبّت حق اللاجئين في العودة والتعويض.
وحول "رؤية دولة المواطنين" جاء أنّ "القاعدة الفكرية لهذه الرؤية هي أنّ حرية ومساواة الفرد هي لبّ الألباب" (ص 3)، ولا تبرير للحقوق الجماعية سوى انبثاقها عن "الاستقلالية الشخصية" (نفس الصفحة). هذا الخطاب، بالمناسبة، لا يختلف كثيرًا عن خطاب "ميرتس" الليبرالي، ولا عن المنطق الحقوقي الهجين الذي سوّغت به المحكمة العليا الإسرائيلية قرار كتسير في التسعينات، والقائل بأنّ حق قعدان حق فردي وحسب، مُشتق من كون الدولة "يهودية وديمقراطية"، وهو منطق يهتدي به حزب زميلنا، كما سنرى تباعًا.
وفيما يتحدّثون للعرب العاربة والغاربة (والهاربة) بعنتريّات بعثية، يكتبون للمحكمة العليا الإسرائيلية أنّ حق تقرير المصير للشعب اليهودي "هو أمر أخلاقي وشرعي" (ص 5). أي أنّ حزب زميلنا يعترف بأثر رجعي بدولة إسرائيل وحقها في الوجود، ليس كأمر واقع فقط، بل كموضوع "شرعي وأخلاقي" كما يكرّر في نفس الصفحة. وفي موقع آخر يعود ليؤكد أنه "من الواضح أن ليس لدينا أي معارضة للقضية الأخلاقية بخصوص حق تقرير المصير لليهود في إسرائيل" ( ص 13).
وعلى هذا المنوال، يقتبس حزب زميلنا قرارُا سابقًا للمحكمة العليا، يؤكد فيه القاضي ميشائيل حيشين: "مقولة أن الدولة هي "دولة جميع مواطنيها" ليس فيها ما ينتقص من كون الدولة دولة يهودية، وإن شئت: دولة الشعب اليهودي" (ص 24).
وفي إحالة أخرى، هذه المرة إلى رئيس المحكمة أهارون باراك، القائل بوجوب "التوق إلى إيجاد "قاسم مشترك" و"توليف" بين قيم الدولة اليهودية وقيم الدولة الديمقراطية" (ص 23)، يؤكد حزب زميلنا (في نفس الصفحة) أنّ قائمته "تحقّق المشترَك والموحِّد بين كلا مركبيّ التعريف".
وأعتقد أنّ زميلنا على قدر كاف من الفطنة ليدرك أن لا تناقض جوهري (وإن شئت: جوهراني) بين "الدولة اليهودية" وبين البرنامج الذي "يربط معركة الوجود بالمعركة على الحقوق"، على حد تعبيره، والذي يطرحه الحزب الذي وصفه مؤسّسه  بأنه "قام من قلب الكينونة الإسرائيلية".
وكان زميلنا، في مستهلّ مداخلته التحليلية، قد أبدى شديد امتعاضه مما أسماه "أنماط تصويت غير سياسية". فهل كان يقصد، مثلا، الحزب الذي فاخر في جريدته ومن على الصفحة الأولى بأن رئيس القائمة زاد من عدد الأصوات في بلدته أكثر مما فعل رؤساء القوائم الأخرى؟ وما رأي زميلنا، يا ترى، في "نمط" سكب ملايين الشواقل (إقرأ: الريالات) على مدننا وقرانا العربية؟ وهل يعلم أن مدينة أم الفحم وحدها استوعبت مليون شاقل في هذه الانتخابات، وقس على ذلك؟ أو لعله يقصد أعضاء كنيست "وطنيين وقوميين وإسلاميين" لديهم "أحزاب"، اشترى حزبه تأييدهم عدًا ونقدًا وتناوبًًا؟ هل يقصد الدعاية الانتخابية الجوفاء من أي مضمون سياسي، اللهم إلا من التحريض المرَضي على الحزب الشيوعي والجبهة؟ أم يقصد تسطيح موضوع المرأة واختزاله في لوحات الإعلانات، كما لو كنا في واحدة من "مسابقات الجمال" الاستهلاكية؟
بالطبع لا. فما يسترعي اهتمام زميلنا وفضوله الثقافي هو الجبهة، والتي، بحسب تحليله، "حاولت إعادة إنتاج أساطير قديمة مثل أسطورة اختراق المجتمع اليهودي، وأسطورة كون العرب هم احتياطي لليسار الإسرائيلي، وأسطورة أن الفاشية الإسرائيلية تضرب العرب أولا ولكنها ستنتقل لليهود، وهذه طبعا كذبة، إذ أن الفاشية هنا تضرب العرب ولم تمس باليهود".
بغضّ النظر عن مضاعفة أصوات الجبهة في الشارع اليهودي، فإن الشراكة العربية-اليهودية مبدأ أممي وسياسي راسخ لا تنازل عنه. وأكثر من ذلك، فإنّ اختراق الإجماع القومي الصهيوني هو القيمة المضافة لدور هذا الجزء من هذا الشعب، وهو أكبر وأهم إسهام في معركة شعبنا لإحقاق حقوقه الوطنية. فنحن هنا، وعلينا التأثير هنا، وأن نخترق المجتمع الذي نعيش معه، هنا. فهل يريدنا الزميل أن نخترق المجتمع القَطري مثلا، أو أن نؤثر على إمارات النفط والموز؟
ومن الواضح، في مسألة احتياطي اليسار، أنّ ثمة خلافًا عميقًا بين فهم الجبهة وغيرها للتمثيل البرلماني؛ فنحن لا نرى في الكنيست مكانًا لاكتشاف ذاتنا القومية المتخيّلة، بل ساحة كفاحية، من عدّة ساحات، من أجل التأثير على القرار السياسي في إسرائيل لمصلحة شعبنا وجماهيرنا؛ وليس لنصول في الفضائيات النفطية ونشور على أنظمتها العاهرة. ونذكّر زميلنا بأنّ صوت أحد نواب حزبه هو الذي مرّر "خطة الانفصال" في لجنة الدستور البرلمانية في شباط 2005، ونفس الحزب أبرم صفقة مع حزب "العمل" لدعم مرشحه إيهود باراك في انتخابات رئاسة الحكومة عام 1999.
أما في المسألة الثالثة، فيمكن الإشارة إلى أكثر من مجال يهدّده المد الفاشي المتصاعد في إسرائيل، إضافة إلى الجماهير العربية. ولا نقصد فقط محاولات قتل شخصيات تقدمية يهودية (ماير فلنر وإميل غرينتسفايغ، ومؤخرًا زئيف شطرنهل) أو اغتيال رابين، بل أيضًا الهجمة على الحريات الديمقراطية وجهاز القضاء والمحكمة العليا وتضييق الهامش الديمقراطي وتغيير نظام الحكم؛ ونقصد سياسة ضرب الطبقات المستضعفة وتسريع عجلة الخصخصة كما فعلت حكومة شارون الثانية وكما ستفعل حكومة نتنياهو الثانية الآن؛ وما شابهها من عوارض غابت عن أنظار زميلنا العزيز، ذي الإطلاع الواسع على الشأن الإسرائيلي.
لا شكّ في أنّ ما دفع زميلنا إلى هذا التحليل الرديء، هو ذاته الذي يدفعه إلى تلبية الاستدعاءات الموتورة إلى عواصم عربية قريبة، لتقديم "مداخلات نقدية" حول الشعر الرديء والروايات المملـّة. إنها الانتهازية في أوضح، وشاء زميلنا أم أبى: أوضع، تمظهُراتها.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.79
USD
4.04
EUR
4.71
GBP
245480.94
BTC
0.52
CNY