الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 17:02

الّذي كان صديقا- السفير منجد صالح

السفير منجد صالح
نُشر: 08/08/22 22:26

يقول الحكيم الراوي: المُستحيلات ثلاثاً:”الغولُ والعنقاءُ والخِلّ الوفيّ"، ويردف الحكيم الراوي بنبأٍ خلافاً:"أبو بكر الصدّيق خرق الرواية بصدقه مع حضرة النبيّ"، ..
لكنّ زمن المُعجزات بات سُلافا من الزمن الغابر جنازة للنعي،..
صداقات اليوم غدت حُلما جُزافا، لا "بلح الشام طالت ولا العنب اليمنيّ"!!!
اقتنِ يا هذا وربِّ جروا فتيّا، يكن لك في غدر الأيّام الكلب الوفيّ،
أو احرص على شراءِ كتابٍ حييّ، "فخير جليسٍ في الزمان الكتاب الثريّ،
ولا تُجالس أصحاب السوء ولو قليلا، فليس فيهم ومنهم إلا كشفُ عوراتٍ وكلام بذيّ، ..
ألم يأتكم، يا سادة يا كرام؟! قصة الشاب المُكافح العصامي الهُمام، .. باع الجرائد و"البليلة" في صغره بعد الفطام، يُعيلُ أمّا وفراخ أخوةٍ زُغب الحواصل أيتام، ..
يُدثّرهم في برد الشتاء بخرقةٍ ويحميهم من تراكم الزكام،
يُوفّر لهم بشق الأنفس كلّ يومٍ ما تيسّر من الطعام،
يُجنّبهم هكذا مدّ الأيادي وطلب إحسانٍ من لئامٍ أو كِرام، ..
اشتدّ عودُ الفتى وأفرد لساعده مكانا تحت الشمس،
أصبح يشدو لحنا موزونا بعد أن كان بالكاد يُجيد الهمس،
وفتحت له السماء أبوابها ومن كرمها زال عنه النحس
وفي بحور التجارة والمال أجاد فنّ الغطس، ..
فربح المال الكثير الوفير، كنوزا من الذهب والماس،
ورفع اسم عائلته وإخوته إلى مصاف صيت الجن والإنس
تجمّع حول "قصعته" المليئة الحلوة اللذيذة أسراب الجراد،من "الأصدقاء" الجدد المُترفين المداهنين الحُسّاد،
"يُناغشونه" يُلاعبونه يُمجّدونه رياء وهم من أرذل العباد، ..
يُريدون يُخطّطون مشاركته في خيره دون "إحم ولا دستور" ولا ميعاد
فيُغدقون عليه بالوعود والكلام المعسول وصهوة جواد،
و"يزرعون له البحر مقاثي" وفي السماء الحصاد
ومراجيح تطير في الهواء تُسمع قعقعتها ولا يُرى لها طحينا في الواد
أصدقاء السوء غاصوا في الفساد، ازدادوا بطرا وظلما في البلاد، فهم متعوّدون على "البلع" و"الشفط" والأخذ "أبا عن جد" ،
يتخفّون وراء نظّاراتهم وشبابيك مركباتهم الداكنة شديدة السواد
أمطروه بسهامهم المسمومة وألحقوه ب"ثمود وعاد"، بعد أن كان "رشّ عليهم" من دفاتر شيكاته ببراءة النُسّاك العُبّاد
وأجلسوه "على الحديدة" فباد بعد أن كان ساد
وتفرّقوا عن "قصعته" الخاوية وأنكروه في الشدّة والسهاد
لم يعد لديه لا مال ولا بيت ولا فناء،
لا عيشة ولا هناء
فهجرته زوجته مُرغمة بأوامر والدها سليط اللسان عديم الوفاء،
وضرب طوقا حديديّا حول أحفاده الثلاثة منه ليضاعف عليه العناء، ..
فلم يعد له في الديار أملا ولا سرج حصان ولا شربة ماء، ..
فطار إلى بلاد الغربة خالي الوفاض خالي الرجاء يجرُّ "خفي حنين" بين أحضانه نهارا جهارا وصُبح مساء،
ويندب حظّا عاثرا يُظلله "الزفت والقطران" وفقّاعات الهباء،
يتدثّر في برودة ليالي الغربة بحلم جرد نخيل رثٍّ عتيقٍ في البيداء.
كاتب ودبلوماسي فلسطيني

مقالات متعلقة